بوابة صوت بلادى بأمريكا

محيي الدين إبراهيم يكتب : محطات من حياة الفنان حسن فايق

الميلاد والنشأة:
حسن فايق محمد الخولي، مواليد الإسكندرية، من مواليد 1898م، قضى طفولته في حي الجمرك بالإسكندرية حتى نال شهادة الابتدائية ثم بعدها بعدة أشهر، تشاجر والده الذي كان يعمل بجمرك الإسكندرية مع مديره الإنجليزي، ولما كان الأب يكره الإنجليز، تناول كرسي وألقاه على المدير الإنجليزي حتى كاد يقتله، وقبل أن يتم التحقيق معه قرر أن يغادر الإسكندرية، ويذهب للقاهرة، ليستقر في حلوان عام 1911م، وهو زمن الحرب العالمية الأولى، ولم يجد الأب وظيفة أخرى، فقرر أن يعمل هو وأبناؤه الذكور، حسن وزكي في المحلات التجارية لتعويض مرتب الأب الذي صار محروما منه بعد مشاجرته مع المدير الإنجليزي، وكان قدر حسن فايق أن لا يكمل تعليمه بعد الشهادة الابتدائية وأن يعمل في محلات الشيخ يونس الشربيني لإكسسوارات السيدات، وتفوق حسن فايق في البيع والشراء فنال ثقة الشيخ يونس الشربيني الذي قرر أن يعطيه في نهاية كل أسبوع أجر يوم زيادة بسبب اخلاصه في العمل وهو ما كان يشكل ثروة بالنسبة له في ذلك الوقت.

 

علاقته بالفن:
حين أدرك الأب اخلاص أبنه في عمله وتحمله مسئولية الأسرة، لم يجد حرجاً من التفريج عنه خاصة وأنه حديث عهد بالقاهرة وحي حلوان على وجه الخصوص، ويقول حسن فايق، في عام 1912م أخذني والدي لكازينو حلوان لأشاهد معه رواية للشيخ سلامة حجازي وكان عمري وقتها حوالي 14 سنة، وكان كازينو حلوان مشهور باستضافة حفلات أولاد عكاشة وسلامة حجازي، وشاهدت المسرحية واندهشت وأحببت الفن من الشيخ سلامة وتمنيت لو كنت مثله في فنه وشهرته، واصبحت مبهور بالشيخ سلامة لدرجة إني في نهاية الأسبوع كنت أذهب للقاهرة لمشاهدة عروض الشيخ سلامة في صالة ( سانتي ) المكشوفة بحديقة الأزبكية، ومن الأزبكية عرفت كيف أشاهد عروض مسارح القاهرة التي لم اترك عرضاً فيها إلا وشاهدته.


وفاة الوالد 1915م:
بعد وفاة والده، قرر حسن فايق أن يترك حلوان نهائياً ويعيش في القاهرة، وبالفعل استقر بالقاهرة بعد أن وجد عملاً في محل للأقمشة بالغورية واصبح قريباً كل ليلة من مسارح القاهرة، وانضم لجمعية اتحاد التمثيل، التي تعرف من خلالها على مجموعة من هواة الفن مثل واستيفان روستي وعباس فارس وحسين رياض الذي هرب من أهله بسبب حبه للفن وهو ما جعل حسن فايق أن يعرض عليه السكن معه في غرفته التي استأجرها فوق السطوح في حي زينهم بالسيدة زينب بعد أن ترك حلوان.


تكوين أول فرقة مسرحية:
عام 1916م قرر حسن فايق أن يجمع شلة محبي الفن ويكونوا فرقة للتمثيل، وبدأوا بالفعل في شراء المسرحيات المطبوعة وكان يشتريها  حسن فايق من جيبة الخاص ويستأجر غرفة ليقوم هو واصدقاؤه بعمل البروفات، ثم يتقاسموا فيما بينهم أجرة المسرح ليقدموا عملهم المسرحي للأصدقاء والمعارف والجيران مقابل مبالغ زهيدة اقرب للتبرعات وكانت أغلب الروايات روايات تاريخية ويبدو أن محاولتنا جذبت أنظار أهم ممثلة في ذلك الوقت وهي روزا اليوسف.


الانضمام لفرقة عزيز عيد:
توسطت روزا اليوسف لدى عزيز عيد، وبالفعل وافق عزيز عيد أن يضم هؤلاء الشباب لفرقته، وكانت الرواية التي سيعرضها هي الرواية الكوميدية ( خللي بالك من إيميلي ) بطولة نجيب الريحاني الذي تعرف عليه حسن فايق من خلال هذه الرواية وكان دور حسن فايق فيها كوميدي للغاية ويقول حسن فايق أن الذي حوله من تمثيل الدراما للكوميديا كان عزيز عيد، ولكن للأسف فشلت المسرحية فشلاً ذريعاً وافترق الريحاني عن عزيز عيد وانحلت الفرقة.


الإنضمام لفرقة سلامة حجازي:
كانت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى مرحلة شديدة الصعوبة على العالم كله بما فيها مصر، وكان حال الفرق المسرحية المصرية شأنها شأن أي مجال آخر من حيث حل الفرق وافلاسها وتكوين شراكة بين فرق وفرق لعبور الأزمة، وكان من ضمن الفرق التي قررت أن تتشارك فيما بينها فرقة جورج ابيض وفرقة سلامة حجازي، وبالرغم من أن سلامة حجازي كان قد اعتزل التمثيل نهائيا عام 1914م، إلا أنه أبقى على فرقته على أن يقوم هو بالغناء بين الفصول وهو جالس على كرسي متحرك، وبالرغم من ذلك كانت فرقته على وشك الإفلاس فقرر أن يقبل عرض جورج ابيض في أن تنضم الفرقتين معاً تحت مسمى فرقة ( أبيض – حجازي ) التي ضمت كل اعضاء فرقة عزيز عيد المنحلة، وبعد وفاة سلامة حجازي عام 1917م، استمر حسن فايق في فرقة جورج أبيض ومثل فيها أدوار مهمة في رواية ( هاملت ) ورواية ( أوديب ملكاً ) وهناك تعرف على الفنان محمد عبد القدوس والد الاديب احسان عبد القدوس وكان وقتها يقوم محمد عبد القدوس بكتابة المنولوجات وتقديمها بين الفصول.


الغيرة سبب احترافه فن المونولوج:
لم يستشعر الرضا في قيامه بتمثيل الدراما بمسرح جورج أبيض خاصة وقد صار عاشقاً لادوار الكوميديا، فقرر أن يترك الفرقة ويفعل ما يفعله محمد عبد القدوس، ويقول حسن فايق، حسيت بالغيرة، وأنا عندي موهبة الكتابة، ثم عن المونولوج سيتيح لي فرصة التمثيل كل يوم في أي مسرح دون بروفات مسرحية أو مسرحيات ممكن تتعمل مرة أو مرتين في السنة، وبالفعل كتبت المنولوجات وقدمتها في كل مكان في مصر وأشهر مكان كان حفلات النادي الاهلي التي تعرفت فيها على يوسف وهبي الذي كانت بداياته هي القاء المنولوجات.


صراعه مع الإنجليز:
كان حسن فايق شاب يكره الإنجليز وينادي في المصريين بأزجاله في ثورة 1919م، ومما يذكر له في صحن الجامع الأزهر أن وقف وسط الثوار وقال: مدد يا رفاعي مدد .. مين زينا احنا ف البلد .. ناكل رصاص من غير عدد .. قلنا محال .. يبقى احتلال .. يا نعيش كرام .. يا نموت كرام من غير عدد .. والمدهش أن المصريين حملوه على اكتافهم وظلوا يرددوا ورائه ما يقول، واصبح من زجالين ثورة 1919م وشديد الإيمان بسعد باشا زغلول فإضطهده الإنجليز ومنعوه من الظهور على خشبة أي مسرح، ووصل بهم الأمر أنه لو صعد على مسرح سيغتالونه، وهنا قرر أن يلقي منولوجاته المناهضة للإنجليز في الجامعة، ولما وصل أسمه للسيدة صفية زغلول طلبت مقابلته ودعمته بأن يلقي منولوجاته في الحفلات الخاصة وتعرف وقتها على السيدة هدى شعراوي التي فتحت له ابواب الجمعيات الخيرية ليلقي فيها منولوجاته وظل هكذا حتى عاد سعد زغلول من المنفى.


دوره الوطني بعد وفاة سيد درويش:
كانت مصر كلها تنتظر أغنية سيد درويش التي سيستقبل بها سعد زغلول في ميناء الإسكندرية لكن فجعت مصر بوفاته وقيل وقتها أن سبب الوفاة جرعة كوكايين زائدة، فقرر حسن فايق أن يكتب منولوجاً خاصا عن الكوكايين يحذر به شباب المصريين متأثراً بوفاة فنان الشعب سيد درويش، وكان مطلع المونولوج: شم الكوكايين .. خلاني مسكين .. مناخيري بتزن وقلبي حزين، وانتشر هذا المونولوج انتشار النار في الهشيم وكان المصريون يرددونه في الشوارع بل وكانت تذيعه الإذاعات الأهلية في ذلك الوقت إذ كان حسن فايق من أهم المنولوجست الذين تقدمهم الإذاعات الأهلية قبل انشاء الإذاعة المصرية الوطنية.


انضمامه لمسرح رمسيس:
في عام 1923 عاد يوسف وهبي من ايطاليا وأنشأ مسرح رمسيس، وقرر أن يبحث عن أصدقاؤه القدامي وعلى رأسهم حسن فايق الذي انفك خناق الانجليز عنه بعد دستور 1923م واصبح في امكانه العمل في المسرح، ولكنه بسبب الروايات التراجيدي في مسرح يوسف وهبي، قرر أن يترك فرقة رمسيس وينضم لفرقة فاطمة رشدي.


انضمامه النهائي لمسرح الريحاني:
في عام 1925م بحث عنه نجيب الريحاني ليضمه لفرقته بمرتب 15 جنيه في الشهر مع أدوار بطولة في رواياته، مثل حسن ومرقص وكوهين، الدلوعة، الستات ما يعرفوش يكدبوا وأغلب روايات الريحاني، وبالفعل وافق حسن فايق وظل وفياً لصديقه نجيب الريحاني ولفرقته حتى توفى نجيب الريحاني عام 1949م، وبعدها تفرغ للسينما حتى انضم لفرقة اسماعيل يس عام 1955م، ثم بعد توقف فرقة اسماعيل يس، دعاه الفنان السيد بدير لينضم لفرق التليفزيون المسرحية عام 1962م وظل بها حتى فاجأه المرض عام 1965م فلم يستطع الوقوف على المسرح وتوقف تماماً عن التمثيل للمسرح.


علاقته بالسينما:
كان اول فيلم له مع يوسف وهبي في فيلم ( أولاد الذوات ) عام 1932م، ثم عنتر أفندي مع استيفان روستي عام 1935م، ثم خطفته السينما من المسرح ليصبح نجمها الكوميدي وإن لم ينل حظ البطولة المطلقة فيها ويكون حصيلة أعماله بها اكثر من 160 فيلما أضحك من خلالهم كل مشاهديه ليكون آخر فيلم له هو ( خطيب ماما ) عام 1971م إخراج فطين عبد الوهاب، ليحده المرض والشلل عن مزاولة حبه للفن سواء على المسرح أو أمام كاميرات السينما ويرحل في هدوء عام 1980م.

( يذكر أنه تزوج من السيدة نعيمة صالح وله منها ابنتان وداد وعليا ، ثم بعد وفاة زوجته تزوج من حورية صبور).

أخبار متعلقة :