يا رجال لا تحرموا أنفسكم من أنوثتكم!!
تعبير غريب استخدمه د. محمد طه استطاع به جذب القارئ لما وراء الكلام توضيحًا منه أن كُل منا اثنين في واحد !
قاصدًا بذلك وجود الهرمونات الذكورية والأنثوية في الجنسين الذكر والأنثى على السواء كفطرة وتكوين بيولوجي خلقنا الله عليه
وإيماء الكاتب والمؤلف إلى بَعْض الأمراض النفسية بذكر أمثلة لخروج روح الأنثى من الرجل متمثلة في الرحمة والود وروح الرجل من الأنثى واستدعائها في المواقف الصعبة التي تحتاج لصفات الرجل من قوة وحزم وصرامة وجدية وهنا تتضح معالم الشخصية السوية نفسيًّا وإشارة إلى كيف تحمي نفسك ممن حولك كي لا تُصاب بالعُقد النفسية ومدى تأثير الآخرين وكلامهم وسلوكهم عليك الذي قَدْ يجعلك تعيش رجولة أو أنوثة مزيفة كدفاع نفسي غير مُتَعمَّد عَن ذاتك وذِكر الأمثلة كمجموعة من المشاهد المسرحية يفتح الستار فيها على طفل يبكي يُوبخه والده ويقول له لا تبك مثل النساء فيكبر الطفل ليصبح رجلًا شديد الفظاظة في تعامله مع الآخرين ترسيخًا لتربية غير صحيحة فيكرهه كل مَن يتعامل معه ويُسدل الستار ليعود فيُفتح مرة أخرى على مشهد فتاة ترتدي ملابس الرجال بنطال واسع وقميص "كاروه" بخطوط طولية وعرضية متقاطعة ، وشعرها قصير تتصرف كالرجال يتضح أنها تعيش رجولة مزيفة بسبب عقدة نفسية مترسخة منذ الصغر من الأم وَهِي عدم إظهار الفتاة لشكلها الأنثوي وإلا سيأكلها الضباع وتنهشها الأعين وبنفس المشهد فتاة تعيش الأنوثة المزيفة انتقامًا من تحرش أحدهما بها في الصغر فأقسمت على الإيقاع بكل رجل وإظهار أنوثتها الطاغية بشكل مُلفت ومبالغ فيه وسافر، كلها عُقد نفسية ساقها لنا الكاتب بأسلوب سلس بالعامية المصرية، ويعود ليستخدم أسلوب الحوار مع القارئ سائلًا إياه مَن أنت ؟
كأنه يكشف الغطاء عن كل الوجوه ليرى كل منا حقيقة ذاته وكيف يعلم أنه مصاب بالمرض أم لا
استخدم المؤلف أسلوب السخرية والتَّهكُم من بعض الأفكار بمجتمعاتنا وإعلامنا ومدى الوعي المفقود لدينا وتَقَبُّل الحقيقة بدون زيف استعان المؤلف بالتساؤلات ليُرغم القارئ على الإجابة والمواجهة مع الذات ، كما وصف الأنوثة الحقيقية بكلمة Being والتي تتعلق بالوجود الإنساني ، كما وصف الرجولة
الحقيقية بكلمة Doing بمعنى الفعل ، يتضح ذكاء الكاتب هنا في الربط والمزاوجة بين التعبيرين وأن كل منهما لن يكون له وجود بدون الآخر وأرى هنا لمحة التحليل المنطقي واستدراجه لفكر المُتَلَقِّي أو القارئ لإقناعه بسهولة ويُسر، استطراده والإشارة إلى أهمية دور الأم في التكوين الكياني للطفل بالسنوات الأولى من عمره
ثم تأتي اللمحة الفلسفية للكاتب مَنْ وُجِد قبل مَنْ ؟ آدم أم حواء؟
ليُجيب على تساؤل القارئ ولا يدع له مجالًا للشك خُلقت حواء من ضلع آدم وبرأيي هي إشارة ذكية إلى أن كل منهما يُكمل الآخر بالمعنى الدارج، ومن الناحية العلمية تأكيد على وجود الهرمونات الأنثوية والذكورية بجسم الإنسان ذكر أو أنثى على حد سواء ، استخدم المؤلف مهارة الإقناع العقلي والاستدراج الحاذق في توصيل المعنى الذي يريده دون اللجوء إلى المصطلحات العلمية الصعبة أو غير المفهومة ، لجأ الكاتب إلى أسلوب التصريح والمواجهة العنيفة في كشف عقليات مجتمعاتنا ورفضها للأنوثة ووصمها بالعيب والحرام استنادًا للتقاليد والأعراف ووصم الرجل بالضعف إذا لم يستقو على المرأة ويتسلط عليها ويفرض سيطرته ، رفض المؤلف لأسلوب العبد والسيد والتفرقة بين الرجل والمرأة ، كما لفتني استخدام المؤلف للأسلوب الأدبي في وصف صفات المرأة واحترامها مثل كلمات(هي الوجود ، الأرض الخصبة، الإلهام، الجمال، النور، الإبداع، الحرية، نبضة القلب، البداية، النهاية، الرحلة، الأنوثة هي رحم الحياة ) كلها تشبيهات وتعبيرات راقية عن الأنثى والمرأة
الثلاثة إللي عايشين جواك!
تعبير يبدو غريبًا بعض الشيء وتعبير آخر استخدمه المؤلف في عرضه الشيق (جسمك زي شقة فيها ثلاث أوض كل أوضة عايش فيها بني آدم غير التاني ! ) للكاتب أسلوب فلسفي خاص يجعل القارئ يتساءل مَنْ هؤلاء؟ وينتظر الإجابة ، فإذا بالمؤلف
لا يجعله ينتظر طويلًا ويُجيب على الفور الثلاثة هم :- الطفل اللي عايش جواك بيظهر مع أصحابك في الرحلات والأفراح بعفوية شديدة يرقص ويمرح وأطلق المؤلف عليه (حالة الأنا الطفلية) Child Ego State (الطفل الحر) الذي يتحول إلى
(الطفل المُتَكَيِّف أو المُذعِن) ليصبح تلك الحالة التي يريدها الأب والأم عليه ثم يظهر طفل آخر داخلك هو (الطفل المتمرد)
جعل الكاتب من هؤلاء الثلاثة "عفاريت" تتلبس الإنسان تظهر كل منها في توقيت ما ، يزداد العرض إثارة ليظهر لنا عفاريت أخرى يقوم بتحضيرها وتعريفنا بها في مهارة لا نظير لها والعفريت القادم هو (الأنا الوالدية) وظهور (الوالد الراعي) المرشد الناصح المُتَفَهِّم ، ويصعد على خشبة مسرح الكاتب (الوالد الناقد ) القاسي الذي يلوم الصارم ،
ثم يُعلن المؤلف عن حالة البالغ (الأنا الراشدة) Adult Ego State
وأشار إلى أنها حالة الحكمة التي تتلبس الإنسان في موقف معين
استخدم المؤلف الحس الفكاهي في عرضه (إنت مين فيهم؟ مخاطبًا القارئ وقوله على رأي شيرين أنا كتير)
مما يعني النزول لعقلية القارئ أيًّا كانت ثقافته للوصول إليه وإقناعه ولجوئه إلى أسلوب إدارة الحوار مع القارئ يجعلك لا تمل
ولا تتوقف عن المتابعة وقلب صفحات الكتاب كأنك تشاهد فيلمًا سينمائيًّا تدور أحداثه حول النفس الإنسانية ،ويظهر حس الكاتب الفكاهي أيضًا في قوله ( وانت في المحاضرة يظهر حالة الطفل الحر فتقوم تتحزم وترقص لو حصل لازم تطلع على الدكتور النفسي على طول) ، أظهر المؤلف أهمية كتابه واستخدام هذه المعلومات عن النفس البشرية في مجالات الدعاية والمدربين والمخابرات والإعلانات ، استخدام الكاتب الأسئلة غير المألوفة لإيضاح المعنى مثل (انت بتخاطب مين في غيرك؟ )
مين عندك بيكلم مين عند اللي قدامك؟ مين من التلاتة اللي جواك بيتكلم على لسانك؟ بتحرك مين في شريك أو شريكة حياتك؟
الإشارة إلى التفاعل المتقاطع وَهُو تداخل الحالات مع بعض بمعنى ذكره مثال (انت راجع من الشغل بتتكلم بحالة الأنا الراشدة مع زوجتك وتقول لها (حضري الأكل أنا جعان ) فتجيبك المفروض بنفس الأنا الراشدة عندها (الأكل جاهز) ولكن لو حدث وأجابتك بحالة الطفل المُذعن أو المتمرد (أنا مش قادرة مفيش غيري ) كأنها تجيب على حالة (الوالد الناقد) هنا يحدث التقاطع والتداخل والفشل في التواصل ، أرى أن الأمثلة التوضيحية ساقها الكاتب إلينا في براعة منقطعة النظير ومسحة من خفة الظل دون استخدام أسلوب علمي بحت يصعب فهمه على القارئ ، من هنا نخرج عزيزي القارئ بوجهة نظر للكاتب عميقة وهي :-
استدع حالاتك واجعلها تتلبسك كل منها في المكان المناسب والوقت المناسب لتنجح علاقاتك مع الآخرين كما ذكر المؤلف ظاهرة مشهورة يستخدمها الشعراء في الشعر الجاهلي (مخاطبة الصاحبين) بمعنى توجيه الكلام لاثنين
اختلاف النهار والليل يُنسي
اذكرا لي الصبا وأيام أُنسي
تفسير المؤلف لهذه الظاهرة وهذه الأبيات هو وجود ثلاث حالات داخل الشاعر الطفل الوالد الراشد
أحد هذه الحالات يتحدث مع الحالتين الأخريين ، نحن أمام كتاب يستحق القراءة والتحليل لكاتب متمكن من أدواته وعلمه وصاحب أسلوب أدبي رشيق
أنصحك بقراءة الكتاب عزيزي القارئ وسأستمر معك بالتحليل وتقديم المراجعات وأعدك لن تمل
يُتبع القراءة والتحليل ...
أخبار متعلقة :