بوابة صوت بلادى بأمريكا

ميكافيلي ...!! بقلم : حمادة عبد الونيس

وقعت عيني عليه لأول وهلة فاصطرخ قلبي محذرا ،هي فراسة وهبتها ثمرة تضرع أمي إلى ربها وأنا لم أزل بعد مضغة في ظلمات ثلاث ،تواشيح الفجر في الشهر الفضيل تحي الأرض الموات وتروي الأفئدة العطاش لقمة السحور فيها بركة ،النور يسري في النفوس المطمئنة ،للأنفاس الملتفة حول مائدة الطعام دفء وونس ،رزق الله طيب وفير !
أذان الديكة هالات من نور يضيء ما بين السماء والأرض في أنغام علوية ترانيمها تسبي العقول وتأسر أولي الألباب !!
تلهج الألسن :اللهم بارك لنا في ما رزقتنا واحفظه من الزوال !
تهم كل أم إلى وليدها الرضيع تلقمه ثديها ،تتنزل الملائكة تتفقد البيوت دعواتها موصولة بالسماء،اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا!.تصفد مردة الشيطان ثمة شياطين في مسوح أناسي تأبي إلا أن تخرج من كل هدي بلحوم ومرق !
"بيومي الباكي" وشهرته " المنشار ميكافيلي "
يدعو الناس إلى المسارعة في الخيرات ،يتقدم الصفوف ،ينشط عند المغرم ويكسل عند المغنم له بطانة صنعها على عينه وضرب له بسهم مما أفاء الله عليه !
تجلس البطانة عقب كل صلاة في مسجد من مساجد القرية ،تعدد مآثر ولي الله "بيومي الباكي "
يقسم مرزوق أبو بطن أنه رأه وقت السحر يعبر النهر بملابسه دون أن يبتل ،يصدق على قوله أبو لمعة النفاخ:هذه أقل كرامة من كرامات مولانا ،له مع الله أحوال تنجي من الأهوال ،حدثتني أمي أنها وهي حامل في هددها أبي إن لم تنجب له ذكرا ليطلقنها عقب الولادة فذهبت إلى الباش حكيم على الزواوي فطلب منها بعض التحاليل فقدمتها إليها فنظر إليها وحدثها بحديث وقع عليها صاعقة من السماء وأبت قدماها أن تحملاها وسقطت أرضا مغشيا عليها فأعطاها الطبيب بعض المحاليل وبينما هي تغالب الفكر ويتناوشها الخوف من مصيرها عقب طلاقها إذ دخل رجل بهي الطلعة ،حلو الطلة ،عليه وقار وسكينة يمسك سبحته في يده يرخي غطرته من فوق رأسه إلى منتصف ظهره تلمع أسنانه كالبرد!
فألقى السلام وسمع بعض ما كان في عيادة الطبيب فقال للطبيب هل معها من أحد قال الطبيب؛ نعم !
معها أختها شمعة!
فناداها يا أمة الله،خذي أختك إلى بيتها فإذا سألك زوجك فأخبريه أنك حامل في ولد !
طار ذكره بين الناس فأم بيته خلق كثير من الرجال والنساء على حد سواء !
انهالت عليه الأموال والحبوب والزيوت وأجولة الدقيق وكراتين الزيت وأكياس السكر وعلب التمر !
سره بائع والدجاجة الجائعة تحلم بسوق الغلال ،يتعلق الغريق بقشة!
كل يوم يقصده أمم شتى من بلدان مجاوره،الهوى غلاب ،للكلام المعسول سحره ،يظن المسحور أن القبة فيها شيخ من أصحاب الخطوة بل يمني نفسه تحت تأثير البطانة التي ركبته الهواء وباعت له الأوهام عقاقير مسكنة يتجرعها بعض الطعام ثلاث مرات !
يا بركة الشيخ بيومي ؛إنه قطب ولي !
حلال العقد له دعاء لا يرد ،وسيلته شافعة ورقيته ناجعة !
على يديه تعمر البيوت !
يرد المطلقة ،يفك المربوط ،يجلب الحبيب ،يخرج المردة من أجسام الملبوسين!
لولا خوفه على مستقبل الأطباء لكشف السر وعالج العميان وداوى من الفالج !
تقسم بهانة الداية :
كم من امرأة تعسر مخاضها وضعف طلقها فتسمي الله وتدعوه ببركة الشيخ بيومي فيستهل الطفل صارخا في غمضة عين !
كثر الكلام عن بيومي قدس الله سره !
حتى صدق نفسه ونسجت حوله القصص وغزلت بطانته العجائب من وحي الخيال فالدراهم مراهم والبطون التي سكنتها التخمة لا تفسح العقول مجالا للتفكر والتدبر!
بنى بيومي مسجدا كبيرا حمل اسمه وقام فيه إماما !
يلحن في صلاته ،يتحدث الشباب في عجب :
الشيخ بيومي يلحن يا للهول !!
يتواصون بنصحه !
يمتقع لونه :
أيها الجهال ،عندما أقرأ أكون في الحضرة فلا أدري من أمر نفسي شيئا !!
هزلت والله ،أمثلكم يخطيء مثلي ؟!
استحيوا يكن خيرا لكم !
تسرع البطانة نحو البيوت تحذر الآباء من مغبة التطاول على مقام الشيخ الأجل !
يتعدى الآباء على الشباب بالشتم واللعن !
من أنتم حتى تصححوا للشيخ ،الزموا غرزه تفلحوا وإلا فالهلاك مصيركم والثبور نهايتكم 
اتفق بيومي مع حاشيته فذاعوا أنباء رحيل الشيخ عن القرية فلا يليق بالكبار مجاورة الصغار !!
كان قد اشترى بيومي مئتي فدان من تبرعات القوم ووقوفهم الخيرية وتزوج سرا بأربعة نسوة وأنجب عشرين ولدا دون أن يعلم أحد من أمره شيئا فقد أقنعهم أنه وهب نفسه للدين وخدمة الناس أجمعين !
ارتفع صياح الناس وعلا نحيبهم وانهمرت الدموع من عيونهم ،من لنا من بعدك ؟!
إني تلقيت دعوة كريمة من آل الباكي أقربائي سأعيش في كنفهم أدعو لهم وأتفقد أحوالهم ،فمن شاء أن تناله بركتي فليرسل إلي ريع زرعه سنويا وزكاة ماله فإني أريد أن أواصل أعمال الخير هناك كما بدأتها هنا وكله من الله وإليه !
تحلق الشباب يعلمون الصغار،يحثون الناس على العمل والعلم !
الجو ملبد بالغيوم ،الضباب كثيف !
شبورة الأهواء تحجب رؤية الطريق !
استجابة الكبار للشباب كاستجابة المريض المحتضر للدواء لكن الأمل باق والعزيمة متوقدة والطموح خيول عربية !
في قريته الجديدة يتصادم بيومي على حاشيته فيظهر ميكافيلي القابع فيه عقودا من الزمن فيبطش بهم مخافة أن ينكشف أمره إلا واحدا نجا فرجع إلى أهل القرية وقص عليهم القصص وأعلن توبته وتأييده للشباب فلما تنفس الصبح وجدوه غريقا فقال الشباب قتله رجال بيومي وقال الآباء هذه لعنة الشيخ حلت عليه إنه كذاب ويبقى الصراع مستمر حتي يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ،سيقولون متى هو ؟!
قل عسى أن يكون قريبا .

أخبار متعلقة :