من منا لا يذنب؟ ومن منا لم يخطئ؟.. ولكن البعض يكون عونا للشيطان علي المخطيء.. وذلك بفضح أمره وهتك ستره وتمزيق عرضه والتشهير به والحديث مع الناس عن معصيته.. فالبعض يتخذ من أعراض الناس نوعا من اللهو والتسلية وإضحاك الآخرين فلا يطيب لهم الحديث إلا بذكر عيوب الناس وتلفيق التهم إليهم ولا يبالون بما يقولون..
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن هناك بعض ضعاف النفوس ممن يستغل قيام بعض المجرمين بتصوير جرائمهم الأخلاقية علي أشرطة فيديو فيقومون بترويجها ونشرها بين الشباب بدافع التباهي والبعض الآخر بهدف التربح غير عابئين بما يرتكبونه من جرم.. فلا خوف من الله يردعهم, ولا حياء يمنعهم.. ولو نظر الإنسان إلي نفسه ما خاض في أعراض الناس ولا ذكر عيوبهم لأن فيه من العيوب ما يكفيه.. في هذا التحقيق سنحاول التعرف علي الأسباب والدوافع التي تجعل الناس ينشرون فضائح الآخرين؟.. وهل الإسلام يدعو إلي نشر هذه الفضائح أم أنه يدعو للستر؟.. وكيف نحتوي المذنبين؟
يعيش العالم طفرة تقنية جامحة، وعلى الرغم من فوائدها الحضارية إلا أنها تمثل – أحياناً – انتكاسة أخلاقية
وإنّ خطورة وحساسية التقنية المعاصرة في تتبع العورات في ظل ما نعيشه من ثورة المعلومات والاتصالات وانتشار الإنترنت في البيوت والمؤسسات والمقاهي؛ جعل هذه الظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة لمعرفة آثارها الاجتماعية والنفسية وغيرهما من الجوانب الأخرى العديدة.
فإن استخدام التقدم التقني في تتبع عورات المسلمين والمسلمات من جملة الأخطار التي هزت أرض القيم والأخلاق هزة عنيفة أطاحت برواسخ الثبات في كل ضروب الحياة فيها، وأحدثت صدعا قويا في سلوكيات الشباب يأخذ بالألباب إلى منعطف من الذعر والفزع، حيث تتابعت حلقات التشهير بأعراض الناس واستغلال صورهم وتتبع عوراتهم بآلات التصوير المتنوعة حتى استطارت الأفئدة منها خوفاً وقلقاً، فأشكال تتبع العورات في ظل القفزة التقنية الحديثة كثيرة لا تحصى فأحصيها، ولا هي مما يستقصى فأختار بعضاً من نواحيها، بانت أناملها تلو غرق أهلها في ظلمات بحر لجي تتابعت ظلماته، بعد أن غشيته أمواجه الهاتكة الجائرة.
وقد تصاعدت في الآونة الأخيرة أشكال تتبع العورات مع تصاعد التقدم التقني بشكل صارخ يمتهن الحرمات، ويشيع أسرار الناس ويقتحم خصوصياتهم ويتتبع عوراتهم، ويبث الأخبار المكذوبة والشائعات المغرضة والتعليقات والتغريدات التي لا زمام ولا مرجعية لها غير الأهواء والظنون والأوهام
الستر مطلوب
الإسلام يدعو للستر وصيانة الأعراض وعدم تتبع عورات الناس والتشهير بهم.. فالله عز وجل ستير يحب الستر ويأمر عباده به.. ولقد جعل الله عز وجل الجزاء من جنس العمل.. فمن ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة, ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتي يفضحه بها في بيته
والستر واجب حتي لا تشيع الفاحشة وحتي لا يعم ذكرها بين الناس.. والإسلام أمرنا بأن نحافظ علي أعراض الناس ولا نتتبع عوراتهم إذ يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلي قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته). ولقد جعل الله عز وجل العذاب الشديد في الآخرة في انتظار الذين يخوضون في أعراض الناس.
أن النبي صلي الله عليه وسلم كان حريصا علي ستر العاصين, فحينما زني ماعز أمره رجل يسمي هزال بأن يذهب للنبي صلي الله عليه وسلم ويعترف أمامه بالزنا, فأقر بالزنا أربع مرات فأمر برجمه, وقال صلي الله عليه وسلم لهزال:' لو سترته بثوبك كان خيرا لك'.. وهذا يفرض علي كل مسلم إذا سمع عن أخيه ما يسوؤه أن يبادر بحسن الظن به ويرد غيبته حتي لا يشارك في الإثم لحديث أبي الدرداء عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:( من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة).. وإذا شاهد خطيئة تتعلق بعرض أخيه المسلم ولم يجاهر بها فعليه أن يبادر بالستر أولا وألا يفضح أمره أمام الناس ولا يتناقل الكلام.. فالإنسان مطالب بالستر علي من ليس معروفا بالأذي والفساد.. فلا ينبغي فضح امرئ ستر نفسه.. فالإنسان الذي غلبته نفسه فعصي الله في السر ولم يجهر بمعصيته لا يجوز أن نفضحه وننشر خطأه بين الناس.. فستر هذا الشخص يعتبر عونا له علي الشيطان, وسببا في إقلاعه عن الذنب وصلاحه وابتعاده عن الوقوع في الخطأ مرة أخري, كما أن فضحه قد يجرئه علي التمادي في ارتكاب المعصية..ويضيف: يجب ألا نفضح أمر ذوي الهيئات ـ وهم الذين اشتهر فضلهم بين الناس والذين كثر خيرهم ـ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود).. فإذا وقعت لهم عثرة يجب أن تقال عثرتهم, وألا تكشف سوأتهم, لئلا تنعدم قدوتهم عند الناس إلا ما كان موجبا للحد.
أن المجاهرة بالمعصية والتبجح بها بل والمفاخرة قد صارت سمة من سمات بعض الناس في هذا الزمن، والله عز وجل حييّ ستير، يحب الحياء والستر، فيجب على من ابتلي بمعصية أن يستتر، فإذا جاهر فإنه يكون بذلك قد هتك الستر الذي ستره به الله، وأحل للناس عرضه. وتضيف أن العلماء أجمعوا على أن من اطلع على عيب أو ذنب لمؤمن ممن لم يعرف بالشر والأذى ولم يشتهر بالفساد ولم يكن داعياً إليه وإنما يفعله متخوفاً متخفياً، فلا لا يجوز فضحه، ولا كشفه للعامة ولا للخاصة، ولا يرفع أمره إلى القاضي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على ستر عورة المسلم، وحذر من تتبع زلاته فقال صلى الله عليه وسلم: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته»، وذلك لأن كشف هذه العورات والعيوب والتحدث بما وقع من هذا المؤمن أو المسلم قد يؤدي إلى غيبة محرمة وإشاعة للفاحشة وترويج لها. ويشير إلى أنه يجب على المسلم إذا رأى إنساناً يرتكب معصية أن ينكر عليه فعله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، كما ينبغي على الإنسان المسلم إذا وقعت هفوة منه أو زلة أن يستر على نفسه ويتوب بينه وبين الله عز وجل، مبينا أن الستر لأجل أن لا تشيع الفاحشة، ولا يعم ذكرها في المجتمع، وكما قال الرسول الكريم: «اجتنبوا هذه القاذورات، فمن أثم فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإن من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله».
النصيحة في السر
إذا كان الإسلام يدعو للستر علي المخطيء فهذا ليس معناه أن نكون سلبيين معه أو أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يرتكبه من أخطاء.. ولكن يجب علينا أن ننصحه بالحكمة والموعظة..فالستر لا ينافي النصح بل يتطلبه.. فإن لم تؤت النصيحة ثمرتها ولم يستجب وكان الستر عليه سببا في ازدياد جرائمه مما يخل بأمن المجتمع وجب رفع أمره إلي الحاكم لأن السكوت عليه يزيده تبجحا وإفسادا
قيام بعض وسائل الإعلام ومواقع الانترنت بالترويج للفاحشة وذلك من خلال اتخاذ أعراض الناس وسيلة للابتزاز ولتحقيق الشهرة وحصد المكاسب المادية الضخمة.. وذلك بنشر فضائحهم وإظهار عوراتهم والاستطالة في أعراضهم تارة وبتلفيق آثام وأخطاء لم يقترفوها والتشهير بهم تارة أخري.. واعتبر أن هذه الأشياء من الأمور المحرمة في الإسلام وهؤلاء الأشخاص من المجرمين الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا إذ يقول الحق سبحانه وتعالي في سورة النور:( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون).. كما أن الإسلام جعل استطالة الإنسان في عرض أخيه المسلم باحتقاره أو قذفه أو سبه جريمة أشد من جريمة الربا وأشد تحريما منها لأن العرض أعز وأغلي علي النفس من المال حيث يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:( إن من أربي الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق).
أن قيام بعض الأشخاص الذين يحترفون التجارة بأعراض الناس بالجهر بجرائمهم الأخلاقية من خلال تصوير من يقع فريسة لهم في أوضاع مخلة علي شرائط فيديو أو اسطوانات( سي دي) وتوزيعها علي الناس لا يمكن تفسيره إلا في إطار أن أصحابه مصابون بأمراض نفسية أو أمراض عقلية أو لديهم عقد دفينة أو نزعات عدوانية مكبوتة وهؤلاء لا يحاولون فضح من يرتكبون معهم الفاحشة فقط ولكنهم يتاجرون بهم عن طريق بيع هذه الأسطوانات.. والأموال التي يحصلون عليها هي أموال حرام.. فشريعتنا الإسلامية تحمي العرض والعقل والمال والدين والنفس فلا يمكن لعاقل أن يرتكب مثل هذه الآثام التي هي من الكبائر والتي يعاقب الله صاحبها في الدنيا والآخرة.. أما بالنسبة لمن يحصلون علي شرائط تمثل فضائح وآثام ومنكرات لأناس آخرين مشهورين أو غير مشهورين ويتباهون بحيازتهم لهذه الأشرطة ويتبادلونها مع الآخرين أو ينشرونها علي الإنترنت فهذه أيضا جريمة كبري في الإسلام. وهؤلاء الناس مصابون أيضا بأمراض نفسية وعقد نقص يحاولون الفكاك منها من خلال ما يرتكبونه من آثام.
الفضائح
يُعد التشهير انتهاكًا لما أمر الله بستره من التشهير بالناس، والتشهير لا يؤذى المخطئ فحسب، بل يؤذى اسرته واقربائه «وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ»، وقال صلى الله عليه وسلم: من فضح مؤمنا فضحه الله ولو في قعر بيته، واتفق الفقهاء على أن ستر الجريمة أولى من الفضح، ونشر أخبار الجريمة اذا تم فإنما ليعتبر الناس، وقد قال الفقهاء إن من رأى جريمة فالستر أولى من الفضح، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب ماعز: هلا سترت صاحبك ولو بطرف ثوبك. ونشر الفضائح لن يفيد المجتمع في شيء، بل سيزيد من تردي الأخلاق وسيعلم الناس تقليد مرتكبي تلك الفضائح.
تناولت دار الإفتاء المصرية حكم التشهير بذنوب الناس وإفشاء أسرارهم، وذلك رداً على سؤال يقول السائل فيه: «ما حكم تناول سيرة الشخص الذي يرتكب المعاصي بقصد التشويه والتشهير؟»، وهو ما أجابت عنه الدار في فتوى رسمية عبر موقعها الإلكتروني، موضحه أن التشهير بذنوب الناس وإفشاء أسرارهم من الغيبة المحرمة شرعًا؛ لأنَّ فيه ذكر الشخص بما يكره أن يُذكَر به.
أخبار متعلقة :