لم يعد بائع الكتب القديمة على الرصيف يمتلك قدرة اعالة نفسه فضلا عن عياله .. مع ان مهنته مقدسة لكن زمن القراءة والكتابة والتاليف والجرائد أصبحت من الماضي ..
ثلاثة نماذج تعليمية مرت بخاطري خلال أيام قليلة خلت .. الأول : ان معلما ( بلحمه ودمه ) يبيع الشاي .. علما ان في حصار العراق خلال تسعينات القرن المنصرم اضطر اغلب المعلمون للعمل الإضافي بغير تخصصهم من اجل لقمة العيش .. اما الثاني : فقد قرات على الحيطان ان المعلم ( صدام ) في ذمة الله .. وقد اعادني هذا الاسم الى خمسين سنة خلت حينما جلست اول مرة في حياتي امام معلم الابتدائية لاستمع منه ما اصبح لاحقا منهاجا في يومياتي ومسيرتي .. اما الثالث : فقد مررت على صديقي المعلم بائع الكتب الذي دائما ما يعزل لي كتبا معتقدا انها تتناسب مع مزاجي فاشتريها منه بثمن بخس لا يعادل ثمن جلادها ... في زيارتي الأخيرة له في المتنبي قال : (هذا كتاب قيم للفيلسوف الأمريكي وليم جيمس .. يتحدث فيه عن التعليم والمعلمين وعلم النفس كما ان سعره زهيد جدا .. ) . وبما تحفظه ذاكرتي عن جيمس سارعت لاعطائه بعض الدراهم ثمنا له ووضعته قرب وسادتي لالتهامه ليلا .
مما جاء في الكتاب على لسان العالم المعلم وليم : ( في المانيا يصرحون بشكل جلي على ان هدف التعليم العالي محدد بتحويل الطالب الى أداة من أدوات تقدم البحث والكشف العلمي .. حيث تتشامخ الجامعات الالمانية بما تخرجه من شباب متخصصين ليس بالضرورة ان يكونوا عباقرة لكنهم مدربين بشكل متميز يستطيعون الاعتماد فيه على قدراتهم وما هو متوفر من تقنيات لاداء ما يطلب منهم .. ففي المانيا لا شيء يستحق الترقية الاكاديمية سوى اثبات قدرته الفعالة للبحث العلمي . اما في إنكلترا فقد سئل الأستاذ جويت عما تفعله جامعة أكسفورد لطلابها ، فقال : ( ان أكسفورد تستطيع ان تعلم الجنتلمان الإنكليزي كيف يكون جنتلمانا انكليزيا . والجنتلمان كما هو معروف .. عبارة عن حزمة من ردود الأفعال ذات المواصفات والمؤهلات الخاصة .
في الوطن العربي يتخرج حوالي ملايين الطلبة سنويا من الجامعات والمعاهد الحكومية والأهلية لينضموا الى جيش العاطلين .. مما يجعلهم يعيشون أياما عصيبة قد تؤدي الى امراض نفسية خطيرة ..
الأستاذ مصطفى أبو غسان معلم منذ السبعينات براتب جيد مع امتيازات بسيطة تؤمن مكانة معنوية في المجتمع آنذاك وتقاعد منذ مدة .. حاز أولاده وبناته على بكالوريوس بتخصصات إنسانية : ( ادب وتربية وتاريخ واعلام .. ) .. ظلوا عاطلين لسنوات اضطر ان يفتح ( دكانة بسيطة ) لاشغال ولديه .. فيما ابنتيه ظلتا حبيستا الدار امام امهما التعيسة يتحملان سلاطة لسان الأقارب بنقد مبطن معهود في الاسر العربية : ( لم تتزوجا بعد .. لم تجدا واسطة للتعيين .. غير ذاك الكثير من سم الكلام الجارح والقاصم للظهر والموجع للقلب والتالف للاعصاب ) .
في كتاب ( احاديث للمعلمين والمتعلمين ) .. قال وليم جيمس لمستمعيه متنبئا قبل مائة وخمسين عاما تقريبا : ( ان سرتم على نهج تعليمي صحيح فان الأجيال المتعلمة ستجعل الولايات المتحدة تتسيد العالم بعد مدة قريبة ) .
أخبار متعلقة :