بوابة صوت بلادى بأمريكا

مدحت بشاي يكتب: لغتنا العربية والثقافة المصرية

أتفق تمامًا مع الناقد الفني الجميل " نادر عدلي " في تأييده لقيام الفنان " محمود ياسين " وأيضًا الفنان              " حسين فهمي " لدورهما في فيلم " انتبهوا أيها السادة " بعد اعتذار " عادل إمام " و " سعيد صالح " عن القيام بالدورين ، مما منح الفيلم ذلك الثقل الاجتماعي للمضمون العام للعمل الذي تم اختياره ضمن أفضل مائة فيلم مصري ، وبالفعل فإن المبالغة في الأداء الكوميدى كان من شأنها الابتعاد عن التعبير عن حالة التردي الحضاري والثقافي والاجتماعي التي أصابت المجتمع عقب نكسة 1967 ووصولًا لتطبيقات الانفتاح الاقتصادي الساداتي الاستهلاكي المشجع والمعضد لكل حرامي وفاسد !! ..

  و الفيلم تدور أحداثه حول قصة "عنتر" الذي يعمل "زبال" ويتقدم لخطبة إحدى الفتيات ظن أنها تعمل خادمة في البيت الذي يجمع منه يوميًا القمامة، ويفاجأ أنها ابنة صاحب المنزل ، وشقيقها دكتور في الجامعة، وبعد رفضه يحاول الانتقام على طريقته، خاصة وأنه يحقق من وراء جمع القمامة ثروة طائلة، تمكنه من شراء شقة في أرقى الأماكن، في حين لا يستطيع الدكتور الذي يعمل في الجامعة ، الزواج ممن يحب، في ظل ارتفاع الأسعار وتدني أجره .. و قد قدم العمل بنجاح مجموعة المفارقات والتباينات في تركيبة الشخصيات وما أصابها من تحولات ومتغيرات متسارعة شملت المجتمع ، وأكد عليها بنوعية الملابس وشكل وحجم التعاملات الإنسانية مع المجتمعات المحيطة وما يحدث من طفرات سلبية في مجال إهدار القيم الإنسانية الرفيعة ، فتصدرت الميديا والأفراح وبرامج " ما يطلبه المستمعون "  أغاني على شاكلة " كله على كله " و " سلامتها أم حسن " و " الطشت قال لي " و " العتبة جزاز " و " كوز المحبة اتخرم " و أفلام المعلم رضا ومغامرات فؤاد المهندس وغيرها ، والتي تبنى جميعها لغة جديدة بمفردات غريبة فرضت نفسها على الشارع ، وعلى كل وسائط الميديا المتاحة في تلك الفترة ومنها الصحافة بكل نوعيات إصداراتها المختلفة للأسف !!  

ولكن ، وسط حصاد ذلك الهزل المرير ، كانت هناك محاولات إيجابية وطنية مهمة لإنقاذ المجتمع المصري من تبعات ذلك المد السلبي الهادم لأسس ثقافية وحضارية مصرية ، والتي من أبرزها " اللغة            العربية " ، فكان  برنامج " لغتنا الجميلة " ، الذي قدَّمه الإذاعي فاروق شوشة ـ خريج كلية دار العلوم ـ منذ أول سبتمبر عام 1967 ، وتضمن وسائل وأطر متعدِّدة للتطوير اللغوي وتنمية وعي المستمع و القارئ المصري ، فكانت مادَّته تضمُّ: نفحات من بلاغة القرآن، وتحقيقات لغوية في لغة العصر وعلاقتها باللُّغة العربيَّة العامَّة، إضافة إلى ما أقرَّه مجمع اللُّغة العربيَّة، ولمحات جمالية في بعض العناصر البديعية في اللُّغة، وكنوز من النصوص القديمة والحديثة، فضلاً عن بعض الطرائف والـمُلَح اللغوية.

و يؤكد الباحث " فايز شاهين " على أن هذا التنوُّع في المادَّة المقدَّمة إذاعيًّا في البرنامج المذكور، واختيارها المبني على معايير من الجودة والسلاسة والجمال والقرب من الذوق العصري، جعل للبرنامج قبولاً لدى المستمعين، وتأثيرًا إيجابيًّا عليهم، حتَّى لدى مَن كان منهم من العوامِّ أو غير المتخصِّصين؛ فالنماذج العمليَّة الجماليَّة محبوبةٌ قريبةٌ من النفوس، وهي الطريقة المثلى لتعلُّم اللغات، عكس القواعد والحدود والتقسيمات المنطقيَّة الجافَّة.

و حول علاقة الميديا بشكل عام والصحافة بشكل خاص واللغة العربية وآدابها ، من المعلوم أنها بدأت مع صدور أول صحيفة عربية ناطقة باللغة العربية، أسسها نابليون بونابرت خلال حملته على مصر (1799 ـ 1801) حينما عُين الأديب والشاعر والمؤرخ المصري إسماعيل بن سعد الوهبي المصري المعروف بالخشّاب مدوناً لصحيفة ‘الحوادث اليومية’، ثم عاد الأدباء ليعانقوا الصحافة مرة أخرى مع صدور أول صحيفة عربية رسمية أسسها محمد علي باشا سلطان الديار المصرية عام 1828 تحمل اسم ‘الوقائع المصرية’، أشرف عليها الأديب والمترجم رفاعة الطهطاوي مؤسس مدرسة الألسن ومؤلف كتاب ‘تخليص الإبريز في تلخيص باريز′. وتبعتها صحف عدة أشرف عليها أدباء آخرون. ولم يفارق الأدباء عالم الإعلام والصحافة مع قدوم الإذاعة والتلفزيون ..

و في هذا الصدد يؤكد د. عبد اللطيف حمزة أن قضية اللغة العربية قد استأثرت بجهد الصحافة المصرية منذ نشأتها على يد رفاعة الطهطاوي ، وعلى أيدي رواد الصحافة الأوائل من بعده كأديب اسحق ومحمد عبده وعبد الله النديم وإبراهيم المويلحي ، ثم على أيدي الطبقة الثالثة من طبقات الصحفيين في مصر من أمثال علي يوسف ومصطفى كامل ولطفي السيد وأمين الرافعي وعبد القادر حمزة .على أن  مجلس شورى القوانين  في البلاد نافس الصحافة المصرية في هذا الميدان وحسبنا هنا أن نشير إلى الدورة الرابعة لمجلس شورى القوانين والجمعية العمومية وما أثير في تلك الدورة سنة 1907 من مناقشات هامة حول اللغة العربية ، فقد طالب النواب في تلك الدورة بأمور كثيرة كان من بينها ( اقتراح صاحب المؤيد في الجمعية العمومية أن يكون التعليم في جميع مدارس الحكومة باللغة العربية ) ، وعارضت جريدة المقطم معارضة شديدة في هذا المشروع وقالت إن علي مبارك في وزارة رياض الثانية سنة 1889 هو الذي جعل التعليم باللغة الإنجليزية .

على أن مشروع التعليم باللغة العربية يرجع تاريخه في حياة الشورى إلى عام 1902 ، فيها نوقش هذا الموضوع الخطير من الناحية القومية وفي ذلك الاجتماع كان من رأي سعد زغلول أن يستمر التعليم باللغة الإنجليزية فترة أخرى ، غير أنه عاد في سنة 1907 فاقتنع اقتناعًا تامًا بضرورة التعليم باللغة العربية ، ووعد بأن يسعى جهده في تحقيق هذه الرغبة في وقت قريب .

والذي لا ريب فيه أن دفاع السيد علي يوسف عن هذه القضية منذ سنة 1902 حتى سنة 1907 كان له أعظم الأثر في نجاحها إلى هذه الدرجة ، أنظر إليه يقول في الجمعية العمومية " إن العلم طواف في العالم ، ينزل ضيفًا على الأمم ولا يستوطن إلا اللغات ، فإن وجد متسعًا منها ولا يكون ذلك إلا باستعمال ـ اتخذها وطنه وكانت بها حياتها إلى أن تحدث الكوارث التي تحل بالأمم فتتوقف حركة النمو فيها ، وتقلبها رأسًا على عقب ، فأول مقاتل العلم اللغة وآخرها اللغة " .

 

مدحت بشاي

‫medhatbeshay290@gmail.com

 

 

أخبار متعلقة :