بوابة صوت بلادى بأمريكا

د. مريم المهدي تكتب: ماذا بعد سقوط اسطورة تنظيم الاخوان الدولي في المغرب

خسارة الإخوان واحدة من مصر إلى السودان ومن تونس إلى المغرب ومن ليبيا إلى الجزائر ومن الكويت إلى سوريا ومن الأردن إلى موريتانيا  وهوما يعني أن مشروعهم قد انتهى دون رجعة.

الهزيمة التي مني بها الإخوان في المغرب ليست كبيرة ومدوية فقط، وإنما هي مذلّة ومهينة، وفوق ذلك لا تقبل التشكيك في صحتها، حيث هناك إجماع على النزاهة التي تم فيها استحقاق الثامن من سبتمبر، وعلى أن النتائج كانت منسجمة تماما مع توجهات الشارع الذي لم يعد يشعر بأي تعاطف مع حزب العدالة والتنمية بعد أن جرّبه لمدة عشرة أعوام كانت كافية للتأكيد على أنه حزب غير مؤهّل للحكم ولا للإصلاح، وأن الشعارات التي اعتاد رفعها لا تطعم الجائع ولا تغني الفقير ولا تعالج المريض ولا توفر وظيفة للعاطل عن العمل، وأن المصباح الذي اتخذه شعارا يضيء فعلا، ولكن على الجماعه فقط                                                                                                                                                                  

                                                                                                                                                             

    * مصر نقطة انطلاق شرارة ماراثون القضاء علي جماعة الاخوان الدولية  :
عندما أطاح المصريون بحكم الإخوان بعد ثورة الثلاثين من يونيو، ولكن مجرد وقفة الجيش مع الشعب كانت كافية للانطلاق في الترويج لفكرة أن ما حدث في الثالث من يوليو 2013 كان انقلابا على الرئيس محمد مرسي بعد عام من توليه الحكم، وقد ساعدت الظروف المحيطة آنذاك سواء في المنطقة أو العالم، على محاولة تقديم جماعة الإخوان على أنها ضحية لما سمي بحكم العسكر، ورفض المتعاطفون معها الانتباه إلى حقيقة كانت واضحة للعيان، مفادها أن الشعب المصري هو الذي بادر بإنهاء مهزلة حكم المرشد، فإحساسه العميق بمفهوم الدولة وسيادتها ومدنيتها ورموزها ومؤسساتها ووحدة مجتمعها واستقلالية قرارها وهويتها الثقافية والحضارية، اصطدم بمفاهيم إخوانية مناقضة تماما لذلك، وكان يمكن أن تؤدي بمصر إلى التشتت والانقسام والصراع الأهلي، وتضعها في موقع التبعية لمشروع عابر للحدود بمنطق الجماعة المتقدمة عن المجتمع والتي ترى قوتها في ضعفه ونجاحها في فشله ووحدتها في انقسامه.                                                                                                                                                                                                                    

 

*  انتفاضة السودان ضد نظام حكم عمر البشير الإخواني :-

 

في التاسع عشر من ديسمبر 2018 دشن الشعب السوداني انتفاضته ضد نظام عمر حسن البشير والتي انتهت بإطاحته في الحادي عشر من أبريل 2019 لتكون الصفعة المدوية لتيار الإسلام السياسي في المنطقة، فالنظام الذي حكم البلاد لمدة 30 عاما، وطالما مثل ملجأ وموئلا ومصدر إلهام للإخوان في المنطقة، انهار بشكل تراجيدي وأفقد الجماعة ركنا ركينا كانت تتكئ عليه كلما افتقدت إلى المأوى أو الدعم المالي أو جوازات السفر، وخرج الشعب السوداني إلى الشارع يعبر عن سعادته بنهاية عهد “الكيزان” وبالاتجاه نحو دولة مدنية ديمقراطية علمانية تحترم الحريات العامة والخاصة وتلغي أحكام الردة والتكفير والقوانين القامعة لحق التعبير والاجتهاد والمعطلة لدور المرأة ولحركة المجتمع.                                              

 

*هزائم الاخوان المنكرة والمتواصلة : 

وشهدت السنوات الماضية هزائم منكرة للإخوان في موريتانيا والأردن والكويت والجزائر في الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما أكد أن الجماعة فقدت رصيدها الأخلاقي في دغدغة مشاعر الشعوب بشعارات الإصلاح ومكافحة الفساد وهي شعارات سرعان ما أثبتت زيفها، حيث تبين لعموم الناس أن الأحزاب الدينية لا تقل فسادا عن غيرها، بل تتفوق أيضا بانغلاقها على كياناتها المنعزلة عن المجتمع وعلى مصالح أفرادها دون التدبر في ما يتعلق بمصالح الشعب، وهي إلى ذلك مسقطة على فكرة الدولة ومعادية لمبادئ الوطنية.

 

* تونس والضربه الموجعة للاخوان بنهاية مشروعهم الذي كاد ان يفكك وحدة تونس :-

وفي الخامس والعشرين من يوليو 2021 أدى فشل الإخوان الذريع في تونس في إدارة الشأن العام إلى انتفاضة شعبية ضدهم اتجه الرئيس قيس سعيد إلى الحد من تأثيراتها السلبية على السلم الأهلي باتخاذ تدابير استثنائية من بينها حل الحكومة وتجميد كافة صلاحيات البرلمان الذي كان يرأسه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وقد تم اعتبار ذلك ضربة موجعة للإخوان في تونس ونهاية لمشروعهم الذي دفع بالبلاد إلى مشارف الإفلاس والدولة إلى شفا التفكك والانهيار.                                                                                                                

 *  لقد كانت بداية الانهيار الكبير لجماعة الاخوان الارهابيه من مصر بفعل وقفة الجيش مع الشعب في 2013، لكن ساحة أخرى كان لها دور محدد في نهاية مشروع الإخوان وهي سوريا، التي تجند الجهاديون من 80 دولة لخوض حرب ضروس داخلها كان الهدف منها إسقاط نظام بشار الأسد وإحلال نظام إخواني بدلا عنه، ولو حدث ما تم التخطيط له فعلا، لامتد نفوذ الجماعة إلى دول أخرى عدة. لقد كانت جميع التيارات الجهادية تصب في مصلحة الإخوان، لكن مجريات الأحداث أطاحت بالمخطط نهائيا، وعندما ثار السودانيون على حكم البشير تبين أن الشعوب يمكن أن تطيح فعلا بمن يزعمون التعبير عن إرادة الله في السماء وتنفيذها على الأرض.

  * التجربه هي الامتحان الحقيقي لان الشعوب لم تمنح الاخوان  صكا علي بياض :-                                                                                                                                    

قد حاول الإخوان تبرير هزائمهم في مصر والسودان بتدخل الجيوش، وخسارتهم في تونس بما يعتبرونه انقلابا دستوريا من الرئيس سعيّد بدعم من المؤسسة العسكرية كذلك، ولكن هزيمتهم المدوية في المغرب لم تكن بتدخل عسكري ولا بقمع من السلطة التي كانوا يديرونها، وإنما جاءت من خلال صندوق الاقتراع وعبر إرادة الشعب الذي أطاح بهم في عقاب جماعي لمرشحيهم، أثبت أن الانتماء العقائدي للإخوان غير موجود بالشكل الذي كانت قوى داخلية وخارجية تدعيه، وأن الجماعة ذاتها جماعة منغلقة على ذاتها وغير قادرة على اختراق المجتمع، وأن الإعلام الموجه وإن كان خدمها بالترويج لشعاراتها المنتقدة لكل ما هو مشروع وطني أو قومي أو ليبرالي أو علماني أو يساري، والواعدة بمقاومة الفساد وتحصين الهوية وتحقيق الإصلاح وتوفير الرفاه للشعوب، والتي لقيت تعاطفا شعبيا في وقت ما، إلا أن التجربة تبقى الامتحان الحقيقي، وهو ما حدث فعلا فجاء بنتيجة مخيبة للآمال، أولا للشعب الذي فوجئ بأن الإخوان غير صالحين للحكم ولا مصلحين للأوضاع، ثم للإخوان أنفسهم الذين تأكدوا من أن الشعوب لم تمنحهم صكا على بياض ولم تعد قابلة للتأثر بخطابهم السياسي ولا ببرنامجهم الاقتصادي ولا بالنموذج الاجتماعي الذي سعوا لتكريسه ولا بغطائهم الديني المصطنع.

 

* تعددت الأسباب و خسارة  الاخوان واحدة :- 

لقد تعددت الأسباب ولكن خسارة الإخوان واحدة من مصر إلى السودان ومن تونس إلى المغرب ومن ليبيا إلى الجزائر ومن الكويت إلى سوريا، ومن الأردن إلى موريتانيا، وهو ما يعني أن مشروعهم قد انتهى دون رجعة، وإن عاد إلى الظهور ففي حيز محدود لن يكون ذا تأثير على السير العام لحياة الدول والشعوب والمجتمعات.

 

وماذا بعد انتخابات المغرب التي اسقطت اساطير الاسلام السياسي الذي لا يقهر:-  

أظهرت التجربة مع الإسلام السياسي في المغرب أن الممارسة السياسية ميدانيا تنزع  من  الاسلام السياسي  طهارة عذرية تلك التقوي والعدالة الزائفة التي تشكل عصب قوته وهو خارج الحكم وأن الديمقراطية كفيلة بتقزيم حجمه. 

وبما ان الديمقراطية المزعومة كشفت  حجم الجماعه لأن الممارسة وضعتها وجها لوجه مع مطالب الناس وطموحاتهم اليومية. وفي عصر يحفل بالتحديات على أكثر من صعيد، لا يبدو الإسلام السياسي في مستوى التجاوب مع حاجيات الجماهير التي تتزايد يوما بعد آخر ومع متطلبات التعايش العالمي، بعد أن صار تدبير السياسة المحلية متداخلا مع تدبير العلاقات الدولية وصارت سياسات الخارج تؤثر بشكل كبير في السياسات الداخلية للدول.حجج بمرجعيته الإسلامية، سقوطا لتنظيم سياسي ملأ الدنيا وشغل الناس لعشرية كاملة من التاريخ الحزبي الحديث في المغرب، بقدر ما كان انهيارا لنموذج بكامله، هو نموذج الإسلام السياسي.

والواقع أن عشر سنوات بعد مضي ما يسمى بالربيع العربي أظهرت أن هذا النموذج ليست لديه القابلية للحياة على المدى الطويل، كما كان الكثيرون يعتقدون. ومثله مثل النموذج الماركسي العربي الذي ساد ثم باد، أظهر فشل نموذج الإسلام السياسي أن النزعات الأيديولوجية آيلة إلى الزوال، وأن الحزب الأيديولوجي مهما تضخم فلمرض فيه العافية لديه.

 

* مناهج  ومفاهيم عربيه جديده .:-

    ويمكن القول بأن ما حصل لتيارات الإسلام السياسي في عدد من البلدان العربية بات مرشحا لكي يشجع على انطلاق  مناهج جديدة   ومفاهيم تفسيرية مغايرة لتلك التي هيمنت على حقل دراسات الإسلام السياسي في العالم العربي منذ الستينات إلى ما قبل عشر سنوات ، تلك المفاهيم التي كانت ترى أن في الإسلام عناصر الديمومة وأنه المنافس الرئيسي للأحزاب السياسية القائمة وقادر على خلق البديل وأن الشعوب العربية لديها الاستعداد لاحتضانه، لمجرد أنها شعوب مسلمة، وهي كلها مفاهيم وعناصر تفسيرية ساهمت مراكز البحوث الغربية بشكل كبير في ترويجها، وأعاد الباحث العربي طحنها وتفكيكها .


*  انتخابات المغرب اسقطت اكذوبة ان التيار الاسلامي لديه

قاعده شعبيه ناخبة ثابته ومستقرة  : -

إحدى الأساطير الكبرى التي سقطت في هذه الانتخابات هي أن التيار الإسلامي يتمتع بقاعدة ناخبة ثابتة ومستقرة، وهي أسطورة انتشرت على نطاق واسع بين المحللين في الداخل والخارج منذ العام 2011. فقد كان يقال إن الحزب لديه رصيد انتخابي لا ينضب، وفي الوقت الذي كانت فيه شعبية الأحزاب التقليدية الكبرى في البلاد تتراجع، وهي ظاهرة ملحوظة حتى في الديمقراطيات الغربية العريقة، كان الإسلاميون يعتقدون بأن شعبيتهم لا يمكن أن تتأثر، لأن قاعدتهم الناخبة تثير الاطمئنان. بيد أن ما حصل عشية الثامن من سبتمبر الجاري شكل صدمة قوية لهم، حيث أبانت النتائج أنه لا وجود لتلك القاعدة، وأن الناخب كائن متطلب يدور مع مصالحه المعيشيّة طردا وعكسا، ولا يمكن خداعه فوق ولايتين.

 

* الوعي السياسي في  نموذج  الانتخابات المغربية  الكاشفة  لحقيقه الإسلام

السياسي المقنع باسم الدين :-

تشكل التجربة المغربية بحق نموذجا فريدا في التعاطي مع ظاهرة الإسلام السياسي، فقد اختار المغرب منذ النصف الأول من التسعينات، في الوقت الذي كانت فيه الجزائر القريبة تعيش حربا داخلية بين المتطرفين والنظام الحاكم، أن يدمج التيار الإسلامي في البنية السياسية، بدل أن يمنحه فرصة التضخم بوجوده على الهامش. فقد أدرك المغرب أن هناك طريقتين في الصدام مع التيار الإسلامي، إما الصدام مع الدولة أو الصدام مع الناخب، أي مع المنهجية الديمقراطية، وقد اختار المغرب الحل الثاني. ذلك أن الذين يوجدون خارج اللعبة السياسية دائما يتقنون فن الاحتجاج، متهمين الدولة بتهميشهم وعدم إتاحة الفرصة لهم في العمل السياسي، أما بعد أن يدخلوها ويصبحوا جزءا منها يصبحون أمام مهمة مختلفة، وهي الحجاج من أجل إقناع الناخب.

أخبار متعلقة :