فى الدورة البرلمانية السابقة لمجلس النواب، تقدّّم النائب «إسماعيل نصر الدين» بمشروع قانون لحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومى، وقال فى نص المذكرة الإيضاحية المقدمة مع مشروع القانون ما يلى: (إن إلغاء خانة الديانة هو مجرد إجراء شكلى الهدف منه التعود على التعامل مع الناس من خلال هويتهم الإنسانية أولاً، وهويتهم الوطنية ثانياً، وسوف يرسخ لمبدأ مهم من المبادئ الدستورية التى حرص الدستور المصرى على التأكيد عليها، خاصة فى مادته رقم (1) التى تنص على أن «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شىء منها، نظامها جمهورى ديمقراطى، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون»، وكذلك المادة (53) التى تنص على أن «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر»).
ولطمأنة جبهة الرفض، وضع النائب السابق مادة تُلزم كل مَن يُقبل على الزواج باستخراج وثيقة رسمية من مصلحة الأحوال المدنية تتضمن نوع الديانة لتقديمها إلى المأذون الشرعى.. لكن بطبيعة الحال لم يصدر القانون!
جبهة الرفض تعتبر «خانة الديانة» نقطة فارقة فى تحديد الإيمان من الكفر، بينما دعاة الدولة المدنية يعتبرونها خطوة للقضاء على التمييز على أساس دينى.. ولكن للأسف من يطالب بإلغاء «خانة الديانة» يتهمونه بالزندقة، ويرمونه بالكفر والإلحاد، ويطلقون عليه أبواقاً سلفية متحجرة تتصور أن وضع الديانة فى البطاقة سلاح لكشف الديانات غير السماوية، وحماية للمجتمع من نسب ومصاهرة مخالفة.. رغم أن إثبات الديانة فى الميراث والمعاملات المدنية سهل باستخدام «شهادة الميلاد».
تخيل أنك داخل وطنك ملزم بإعلان عقيدتك بالرقم القومى بالإبقاء على «خانة الديانة» أو بوضع علامة (-) أمام خانة الديانة لدى الأشخاص الذين يعتنقون الدين البهائى والسماح بشق صدرك، بينما أنت نفسك خارج وطنك «حر» تتعامل بـ«جواز السفر» الذى لا يتضمن خانة الدين! وكأننا نعانى ازدواجية حتى فى تحديد مواصفات الإنسان داخل أو خارج البلاد!.
لقد سبقتنا إلى حذف خانة الديانة العديد من الدول العربية منها تونس ولبنان وسوريا والمغرب وفلسطين والأردن والسعودية.. لكن الوحيد الذى جرؤ على تحطيم «تابو العنصرية» المقيت كان الدكتور «جابر جاد نصار»، حين كان رئيساً لجامعة القاهرة، ورأى بعينيه إقصاء المسيحيين واستبعادهم من بعض الوظائف بسبب ديانتهم.. ورغم ما أكده الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، فى «منتدى شباب العالم»، من أن «حرية العقيدة مكفولة» حتى للادينيين إلا أننا مصرون على تفتيت الوحدة الوطنية فى «الأوراق الرسمية»!.
لماذا نصر على تقسيم المجتمع إلى فيلقى كفر وإيمان، ثم نتبارز على السوشيال ميديا بأسلحة غير متكافئة: تيار سلفى يكفر المسيحيين دون أن تلاحقه دعوى «ازدراء أديان» لأن «كهنة الدين» فوق القانون.. وتيار ليبرالى يدافع عن حرية العقيدة ويتعرض للملاحقة القضائية!
لو كان لدينا قانون لا يسمح بتغيير الديانة قبل سن الرشد (21 سنة) لانطفأت معظم نيران الفتنة الطائفية، لو حذفنا خانة الديانة من الرقم القومى لأصبحت «المواطنة» واقعاً وتجلت «الدولة المدنية» التى يحكمها الدستور والقانون.. وترسخت الهوية الوطنية والإنسانية وعمت المساواة.. وبقيت علاقة الإنسان بربه خاصة جداً وليست مجالاً للمزايدة والتناحر.
نقلا عن جريده الوطن
أخبار متعلقة :