معلوم أن ثقافة الإبداع تقوم على أساس المصارحة والمكاشفة والتصحيح الذاتي، بينما تقوم ثقافة أهل التخلف على أساس الإسقاط والإنكار. ويرتبط الإسقاط والإنكار مع ما يسمى في دراسات الإبداع “بالميل إلى الغلق المعرفي..
ولاشك أن الإبداع في أهم أشكاله وأهداف وجوده والأصل في التعريف به أنه يتمثل في الوصول إلى إضافة موجود فكري أو ثقافي أو علمي أو تقني أو غيره على غير نموذج أو مثال سابق ، وذلك وفق ما تعارفنا عليه لغويًا وتراثيًا في أبسط رؤية لمعنى الإبداع ..
وإذا كانت هناك ثمة مقابلات بين الابداع والاتباع ، فإن الإبداع توجه ضد التكرار، والتكرار حركة موجهة نحو الثبات والتمترس البليد ؛ ومن ثم نحو الموت، وضد الحياة. بينما الإبداع خروج ورفض لسكون الوضع الراهن ومحدوديته ، وهو في النهاية تجاوز لما ران واستكان وسكن وتجمد وتصلب عليه البعض ، والأهم تشوف إلى الحلم البديع والأجمل والأروع وحتى المستحيل ، والإبداع تدفق لحالة تفاعل وانفعال إيجابي وتألق وفتح مسافت تتجدد والتوجه نحو آفاق متاحة للخيال، فالإبداع في النهاية ثورة على الركود والركون إلى كل ما هو ثابت وساكن وآسن ومتكرر ، هناك تعريفات أخرى كثيرة للإبداع، ونظريات حوله، لكن الحيز المتاح قد لا يسمح بالاستطراد أكثر من ذلك في هذا السياق .
ولعل دور مؤسسات وزارات التربية والتعليم والثقافة والإعلام والمؤسسات الدينية في دعم وتنمية الإبداع والفكر الإبداعي أراه هامًا وفاعلًا في الجانب التربوي والتعليمي والثقافي والفني وتعظيم حالة الوعي لدى شبابنا بأهمية ودور أن يكونوا من أهل الإبداع والتنوير ..
وعليه ، فقد أسعدتني تصريحات وزيرة الثقافة التي أكدت فيها على استمرار قناة وزارة الثقافة على اليوتيوب فى بث المحتوى الإبداعى الذى تملكه الوزارة، بعد اجتياز الجائحة فقد نجحت وزارة الثقافة من خلال المبادرة الإلكترونية "الثقافة بين إيديك" فى تسجيل إقبال جماهيرى كبير على المحتوى الإبداعى المعروض بقناة وزارة الثقافة باليوتيوب وموقعها الإلكترونى على شبكة الإنترنت، حيث رصدت القناة أكثر من 27.027.000 زائرا تفاعل منهم 1.800.000 مشاهد مع العروض، وتخطت الاشتراكات فى القناة حاجز 104 آلاف مشترك منذ انطلاقها، كما حققت عدد ساعات المشاهدة أكثر من 232 ألف ساعة مشاهدة، وشملت قائمة كثافة المشاهدات حول العالم أكثر من 28 دولة من مختلف قارات العالم، تصدرتها بعد مصر المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات، أمريكا، كندا ، العراق ، ألمانيا ، إنجلترا ، المغرب والأردن ..
ولكن يبقى السؤال : لماذا قناة على اليوتيوب فقط ، و ألا تستحق فعاليات الوزارة وجود قناة تليفزيونية تبث عبر الأقمار الصناعية لتصل أنشطة الوزارة وفعالياتها على كل شبر على أرض المحروسة لسمع وعيون أهل بلدي في مصر وخارجها تحفيزًا لمنتجي تلك الأنشطة لبذل المزيد والاستمتاع بمشاهدتها والتعرف على كم وكيف تلك الأنشطة وتقييمها والتفاعل معها ؟..
أليس من حق وزارة الثقافة أن تذهب كاميرات التليفزيون إلى قصور الثقافة في بحري والصعيد لتنقل لنا التفاعل الفني والثقافي والتراثي والإنساني والشعبي والبيئي على مسارحها ومعارضها الفنية وعبر لوحات و أشعار شبابها وإنتاجهم الأدبي بكل أشكاله ؟
لقد كان لوزيرة الثقافة وضمن أنشطة وزارتها السبق والنجاح في عقد بروتوكولات تعاون ناجحة وإيجابية لتنفيذ أنشطة مشتركة مع عدد من الوزارات ومؤسسات الدولة ، فلماذا لا يتم الاتفاق وعقد البروتوكولات مع إدارة القناة الثقافية التليفزيونية المصرية على اعتبار أن القناة وأهدافها أراها لابد أن تكون من أدوات الوزارة لتحقيق أهدافها الرئيسة الداعمة لتنمية الوعي الثقافي والوعي العام التنويري ؟
إن ثقافة الإبداع هي الجديرة أكثر من غيرها بمواجهة ثقافات جماعات الإرهاب والتراجع الفكري ، فهناك فروق جوهرية بين هاتين الثقافتين، ومنها تمثيلا لا حصرا: أن الإبداع تفكير في نسق مفتوح يهتم بالتعدد والتنوع والكثرة والاختلاف، ووجود أكثر من إجابة للسؤال الواحد، وأكثر من حل للمشكلة الواحدة..
وفي هذا السياق أسعدني ما تم طرحه من جانب نواب البرلمان من ملاحظات واعية على أداء الوزارة مما يمنح بوجود حالة حوار مع الدكتورة الفنانة وزيرة الثقافة ( وأتعمد هنا ذكر أنها فنانة وهي الصفة التي ظلت تسبق اسم وزير ثقافة أسبق على مدى 20 سنة للإشارة لصفة الإبداع ) والتي تؤكد على أن دور البرلمان ونوابه لا يقتصر على التشريع والرقابة على أداء الحكومة فقط ، فمشاركة البرلمان الفاعلة في كل جهود وعمليات بناء الإنسان المصري وتنمية وعيه يشكل ضرورة واجبة على نواب البرلمان القيام بها بجدارة .. وأراها كانت فرصة للإعلام عن دور الوزارة وخططها في هذا الإطار والذي أرى أن على الإعلام المرئي ــ كما سبق وأشرت ــ بذل المزيد من الجهود للتعريف بتفاعل مؤسسات الوزارة في مجال تغطيتها ..
لقد أكدت الوزيرة خلال بيانها أمام مجلس النواب أن وزارة الثقافة قد نجحت في تنفيذ فعاليات داخل وخارج مصر بلغت 2132 نشاطًا متنوعًا استفاد منها 253 ألف مواطن.وأوضحت ما تم خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي حيث نفذت وزارة الثقافة 264 فعالية في جميع المجالات الثقافية، و28 فاعلية بعدد كبير من الدول الإفريقية من بينها المغرب والجزائر وتونس وكينيا والسودان والسنغال، كما أصدرت وزارة الثقافة 20 عنوانًا جديدًا لعدد مهم من الكتب عن إفريقيا من بينها إفريقيا وتحولات العالم، وصراعات الحرب الباردة في إفريقيا.ولفتت إلى أن تطوير المؤسسات الثقافية، ومكافحة التطرف الفكري، وضع برنامج الريادة الثقافية وتنمية الثقافة وحماية وتعزيز التراث المصري من بين هذه المحاور التي تعمل من خلالها وزارة الثقافة لتحقيق برنامجها.
لقد أشارت الوزيرة إلى التزام الوزارة بتنفيذ برنامج الحكومة خلال العامين الأخيرين، وقامت بعرض فيلم تسجيلى وثائقى، حول ما قامت الوزارة بتنفيذه من برنامج الحكومة...وأكدت على أن الدولة تولى اهتمامًا كبيرًا بالتعددية الثقافية، لافتة إلى تفعيل رؤية 2030 والالتزام بها، مشيرة إلى أن تحقيق التنمية الثقافية المستدامة هدف أساسي للوزارة.
وأوضحت الوزيرة أن الوزارة ترفع شعار "بناء الإنسان المصرى أولا"، وترسيخ الهوية الثقافية، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية، وتعزيز القيم الإيجابية، ومكافحة التطرف الفكرى، والريادة الثقافية، وتفعيل دور القوى الناعمة بما يحقق المصلحة العليا للدولة المصرية..
مدحت بشاي
أخبار متعلقة :