من المسطور في مُدَوَّنة النقد الأدبي عالميًّا وعربيًّا أن الشعر فن من الفنون الإنسانية الجميلة، يعبر عن خلجات النفس الإنسانية، ويكشف عن إحساساتها الدفينة؛ إذ يخاطب الواجدان والعاطفة، ويستلهم الوحي والخيال، وهو لغة القلوب ومرآة النفوس، ودليل الشعوب، وعلامة على المستوى الفكري، وميزان للتطور الاجتماعي،وأنه صورة بديعة من صور الكلام، ولسان اللغة ومظهرها ومبعث حياتها ورصيد قوتها، يهدف إلى كمال الحياة ويتغيا نشر الفضائل، وتوضيح وسائل السعادة ومواطنها.
و" ليس الشعر-كما يقول الدكتور شوقي ضيف في مقالته عن رسالة الشعر- صنعة يمكن لكل إنسان احترافها، ولا أداة يستطيع كل شخص امتلاكها، وإنما هو رسالة يلهمها الشاعر، فإذا هو قد تبدل من نفسه نفسًا أخرى، تنظر إلى العالم نظرة جديدة، تغير قيم الأشياء في رأيه، وتعدل أقدارها نظرته، لا تقف عند القشور، ولا تنحجز عند اللفائف، وإنما تنفذ إلى اللباب، وتتغلغل إلى صميم الجوهر، وما تزال هذه النظرة ترقى بإحساسه وتسمو بقلبه، حتى ترفع له الحجب عن الجمال الهاجع في الكون، وتكشف له الأستار عن سحره البديع وسرهالعجيب..."
ومن الشعراء الواقعيين الإيجابيين الرساليين شاعرناالأستاذ عبدالمجيد فرغلي- رحمه الله تعالى_ذالكم الشاعر المفلق، صاحب الرحلة العجيبة مع فن العربية الأول، حيثالعطاء الزاخر المنداح المتنوع فيه، الذي ضم ما يزيد على ثلاثة وعشرين عنوانًا في مكتبة الشعر العربي...ويسجل كل قارئي شعر شيخنا عبدالمجيد-من باحثين جامعين محققين، ونقاد محللين مُقيِّمين- أن شيخنا من أغزر الشعراء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين نتاجًا، ومن أطولهم نَفَسًا شعريًّا؛ إذ يبلغ مجمل إبداعه ما يبلغ ثلث مليون بيت أو يزيد، ودواوينة تجاوز الأربعين ديوانًا، منها المطبوع ومنها المخطوط، فمن دواوينه المطبوعة(يقظة من رقاد) سنة 1955م، و(العملاق الثائر) سنة 1959م، و(أشواق) سنة 2000م، وديوان (عودة إلى الله)سنة 2006، و(مسافر في بحر عينين) سنة 2006م، و(القصائد العذرية في المعارضات الشعرية) سنة 2006م، و(المطارحات الشعرية بين التراث والمعاصرة بيني وبين أبي نواس)سنة 2006م، و(على برج الخيال) سنة 2007م، و(درة في اللهيب) سنة 2007م، و(محمد الدرة رمز الفدى) سنة 2007م، و(عاشقة القمر) سنة 2007م،و(رسائل الأشواق) سنة 2007م، و(من وحي الطبيعة) سنة 2008م، و(عبير الذكريات) سنة 2008م، و(أكتوبر رمز العبور) سنة 2008م، و(من أبطال الإسلام الخالدين) سنة 2008م.وقد صدر من دواوينه ديوان (وستبقى يا وطني حيا) سنة 2011م، وديوان (دموع تائب) سنة 2013م، وديوان (أصداء وأضواء) سنة 2014م، هذا إضافة إلى ملاحمه ومسرحياته!... وما زالت هناك جملة دواوين ومجاميع شعرية وقصائد مخطوطة حبيسة أدراج أسرته، تعمل على نشره نشرًا علميًّا سديدًا، إن شاء الله.
وإن هذه الكثرة الإبداعية دالة-بلا ريب- على شاعر متمكن أمكن من موهبته، تلك التي تطيعه في كل زمان ومكان، وفي كل حال ومقام، كما أنها كثرة دالة على هيمنة الشعر على شيخنا ليل نهار، صباح مساء، في معظم سني عمره، إذ ظل يبدع الشعر منذ سن الثانية والعشرين من عمره تقريبًا حتى آخر أنفاسه رحمه الله، إذ طلب منه أحد أصدقائه ارتجال قصيدة عن وردة بيضاء، فأبدعها على البديهة في عشرة أبيات، قبل وفاته بأيام، رحمه الله.
ويعد ديوان (أشواق) -الذي نشر في طبعة حكومية رسمية أولى سنة 2000م- من دواوين شيخنا عبدالمجيد المعبرة –بجلاء- عن أبرز ملامح شخصية شاعرنا عبدالمجيد وحالته في زمن إبداعه بدءًا من خمسينيات القرن العشرين حتى انصرامه؛ فقد ارتحل بنا منطلقًا من ذاته إلى وطنه، إلى كونه، إلى مجتمعه، معبرًا أبين تعبير، ومصور أيسر تصوير، ومفكرًا أطهر تفكير، بوسطية واستنارة وجهارة. وما أدل على ذلك من قوله على لسان مصرنا:
إن روحي وروحَكم في نجاتي وحياتي فداؤها كلُّ غالِ
فثلاثية الكون والحياة والإنسان بادية كل بَداءٍ في هذا الديوان؛ إذ انفعل شاعرنا مع عالمه المحيط: طبيعة، ومجتمعًا، وبشرًا، فأفادنا وهزَّنا بشيرًا ونذيرًا في كل مشاهده ومرائيه...
وقد تكون هذا الديوان من تسع عشرة تجربة شعرية بين مطولة[خمسين بيتًا فأكثر]، ووسطى[أقل من خمسين بيتًا]، وقصيرة[أقل من عشرين بيتًا].إنه يمثل الحالة الشعرية المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ تنتاب الشاعر المصري زمانئذ حالات نفسية وفكرية أساسية تجثم على مخيلته: تدينًا وإنسانية ووطنية وقومية واجتماعية...
الأستاذ الدكتور/صبري فوزي أبوحسين
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات، بجامعة الأزهر
أخبار متعلقة :