بوابة صوت بلادى بأمريكا

عمرو الزيات يكتب: كيف ننام ودسوق لا تنام؟!!

استهلال عجيب بهذا الاستفهام: ترى من يذرع الآن أرصفة القطارات جيئة وذهابا؟

تحاول أيها القارئ اكتشاف تلك الأرصفة، ترسم معالمها واتجاهاتها، إنها الأرصفة التي تربط (دسوق) بذاكرة قاطنيها؛ فلم تزل تلك المدينة العريقة رمزا لأولياء الله الصالحين، وملاذا لهؤلاء الفقراء التي زارت الفئران جواربهم وأثوابهم، يجدون فيها ظلا ظليلا من هجير الحياة حين يطحنهم الزمن بكلكله، معدات تبحث عن بعض حبات الفول النابت وحب العزيز تمنحها بعض القوة؛ وتبعث فيها غرائز فشل العطارون أن يوقظوها...

تجئ القصة بضمير المتكلم الذي يرى نفسه أحد هؤلاء وابن تلك البيئة بكل ما تحمله من مقومات وموروث، يرصد ويصور، وهو تاريخ تلك المدينة؛ لكنه لا يتدخل في الأحداث، ولا يحجر عليك – أيها القارئ - وأنت تتابع.

 ثمّة فروق بين ماضي دسوق وحاضرها " الوجوه هنا مصابة بالعتمة؛ يطول الليل تحت سياط القهر؛ باعة الخضروات والفاكهة يتكدسون كما لو أنهم صاروا كتلا خرسانية؛ شارع سعد ذلك النهر من البشر لم يعد يسكنه غير السراب؛ وقع الخطوات وصور المعروضات كل هذا أخرس؛ رائحة اللحم المشوي وألوان الثياب والمحلات تضج بالزبائن كل هذا الآن بات صامتا؛ أتذكر بعض هؤلاء الذين مروا من هنا؛ وجوههم تثير أسئلة لن تجد غير إجابة واحدة: الموت!"

إشارة خفية لآثار الحاضر التي لا ترحم تهدم كل قديم في غير رحمة؛ لكن الرواي مهموم بهذا الماضي ولا يستطيع أن يتحرر منه، يعيش فيه بكل جوارحه، تعانق روحه (دسوق) وهي تلك المرأة التي تجذبه "تجذبني امرأة من طرف ثوبي؛ يتمزق قلبي بين يديها فرخ يمام؛ تعانقني في حنو؛ تربت على كتفي؛ تبتهل في خشوع؛ اسم الله حارسه ولي من أولياء الله الصالحين؛ يحضر أبو سن حصانا أبيض؛ يرفعونني فوقه؛ ركب الخليفة وانشرح!"

تلك أمنيته، ويا لها من أمنية!! "صدقت نفسي؛ فأنا اليوم من الأصفياء؛ حب العزيز وعمامة خضراء؛ ومقام ودراويش؛ آمر برمش عيني تلك الجموع؛ لا يحق لهم أن يعترضوا!

أمد كفي فأخرج السر من بطن الحوت!

مدد يا صاحب المقام!"

بيد أن الحاضر سياطه مؤلمه يفيق على صافرات قطار هذا الحاضر تسحقه تلك السياط وتكتظ الساحة بالهجانة ويكثر السحق، ضاع حلمه وإذا به يتناثر بالميدان وينفض مولد الماضي ويطل شبح الحاضر الذي سرق حلم الولي.

يبرهن القاص أن الأديب ابن مجتمعه، وأن الأدب الحق لا بد أن يكون مرآة صادقة لواقع هذا المجتمع، وصديقنا خير من يعبر عن ذلك، ولا ريب أن الأديب الحق هو من يحمل رؤيته للعالم بحكم انتمائه الثقافي وموقفه الفكري.

 

أخبار متعلقة :