بوابة صوت بلادى بأمريكا

أبو المعاطي شارب يكتب: أطباء مصريون يتألقون في المجالات الطبية في أوروبا

على شبابنا الذي يفكر في السفر أن يقرؤا ويتسلحوا بالعلم ويحرصوا على استكمالها بالخبرة العلمية لأنهم سفراؤنا في الخارج وهم ثروة قومية لا يستهان بها

 

 

في كل مكان قصة من قصص الكفاح لشبابنا في الخارج الذين حطموا اليأس بسواعدهم ليحققوا أمالهم بكل شجاعة وإيمانهم القوي بالله. فقصة الطبيب المصري حمدي محمد علي سليمان أغرب من الخيال من خلال بداية رحلته في الشارع الغربي أما أن ينصهر في المجتمع الأوربي ويضيع مستقبلة العلمي أو يحقق كل أحلامه التي جاء من أجلها من أجل أن ينال أعلي الدرجات العلمية في الطب الحديث وينال درجة الماجستير والدكتوراه في طب الأسنان هو الدكتور حمدي سليمان ابن مدينة الإسماعيلية عاش تجربة مريرة في حياته على مدار عشر سنوات متنقل بين العاصمة النمساوية فيينا والمدن الإيطالية ومدينة لندن وفي النهاية حقق طبيب الأسنان المصري كل أحلامه. ومن المعروف عن تاريخ الدكتور حمدي سليمان خريج كلية طب الأسنان جامعة الأزهر عام 1994 وزميل كلية الجراحة الملكية بإنجلترا وحصل على درجة الماجستير من جامعة لندن عام 2004 ويعتبر الدكتور حمدي سليمان أول طبيب أسنان مصري يسجل رسميا في نقابة أطباء الأسنان في إيطاليا والاتحاد الأوربي ويمارس نشاطه الطبي في الدول الأوربية بكل حرية. وشارك في العديد من المؤتمرات الطبيبة في مجال زراعة الأسنان في الجامعات الأوربية وبالأخص في جامعة مانشستر بالندن وجامعة برما بإيطاليا تحت رعاية أخصائي علاج جذور الأسنان الدكتور ماركولي بالإضافة لدورات طبية في علاج الأسنان بأشعة الليزر وحشو الجذور والليثه وعملية ترميم الفك بالعضم الصناعي والطبيعي بأحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة في علاج الأسنان.

 ويحكي لنا الدكتور حمدي سليمان قصة كفاحه على مدي خمسة عشر عاما في الخارج، يقول الدكتور حمدي سليمان: أثناء دراستي في الجامعة كانت تبهرني جاذبية قوية من خلال أساتذتي وهم يتحدثون عن دراسة طب الأسنان الحديثة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الدول الأوربية والإمكانيات المتوفرة لديهم من المواد الطبيبة وأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا الحديثة من الأجهزة الطبيبة التي يستعملونها في مجال طب الأسنان.كانت تساورني أمال كثيرة كنت أحلم بها فور تخرجي أن يكون لدي عيادة خاصة مزودة بأحدث تكنولوجيا العصر في طب الأسنان وبعد تخرجي من كلية الطب بجامعة الأزهر فتحت عيادتي الخاصة ولكن كانت بإمكانيات محدودة غير التي كنت أتمنها من خلال أساتذتي الذين كانوا في بعثات علمية في الخارج وكانوا يشرحون لنا التفصيل الكاملة من خلال طريقة زراعة الأسنان التي تحتاج إلي جراحة  ويطلقون علي مهنة طب الأسنان في أوروبا فن وعلم, ففي خلال هذه الفترة فقدت أعز إنسانه في حياتي والدتي رحمها الله التي وقفت بجانبي  بعد أن حققت أمنياتها بأن أكون طبيبا وينادونها الجيران يا أم الدكتور. تركت والدتي أثرا كبيرا في حياتي وأصبحت في حالة نفسية يرثي لها وجلست أفكر بين نفسي أن أتخذ قرار بالسفر إلى الخارج لأحصل علي أعلي الدرجات العلمية رغم معارضة والدي لهذه المخاطرة بعد أن أمنت نفسي ومستقبلي في مصر وأصبح لي عيادة طبيبة وبرغم العروض من زملائي الذين يعملون في الدول العربية بمرتبات مغرية ولكن كان لي هدف واحد السفر إلى أوروبا للحصول على درجة الدكتورة من لندن. وبدأت أحزم حقائبي استعدادا للرحيل وحصلت على فيزا لإنجلترا لمدة ستة أشهر والنمسا وسويسرا. ومن خلال بعض الأصدقاء حصلت على بعض العناوين وأرقام التليفونات لأقاربهم هناك حتى يمهدوا لي الطريق من أجل الهدف الذي سافرت إليه وحصلت من صديقي عصام علي عنوان وتليفون قريب له في فيينا أسمه رأفت. وفي خريف عام 1995 ركبت الطائرة المتجه إلى العاصمة النمساوية فيينا وبدأت الطائرة ترتفع رويدن رويدن في سماء القاهرة وأنا أنظر من نافذة الطائرة، اسرح بخاطري بعد أن تركت كل شئ أبي وأشقائي وأصدقائي وأحبابي ومستقبلي في مصر كنت أشعر بأشياء كثيرة تساورني طوال الرحلة ماذا يحدث لي لو فشلت في رحلتي وأعود إلي بلدي مرة أخري. ولكن كانت تظهر من بين السحب البيضاء في السماء صورة والدتي رحمها الله وهي تدعو لي والابتسامة على شفتيها ودعائها يدوي في السماء. ربنا يوفقك يا ابني. أحسست براحه نفسية من رؤية والدتي هل كان حلم أم خيال ولكن كانت هدية من الله سبحانه وتعالي بأنه معي في كل خطوات ببركات دعاء الوالدين. وتنبهت لصوت قائد الطائرة بالاستعداد بالهبوط في مطار فيينا؟

من خلال رحلة الطائرة تعرفت على مجموعة من الشباب المصري في طريقهم إلى فيينا وطلبت منهم أن يساعدني للوصول إلى عنوان صديقي رأفت وقال لي أحدهم. أنت حظك من السما نحن في طريقنا من القرب منه وخرجنا سويا من مطار فيينا وكان في انتظارهم سيارة صديق لهم وركبت معهم ووصلني لأقرب مكان لي وأرشدوني لمحطة المترو لأنهم سيتجهون فيما بعد في طريق أخري وفي طريقي لمحطة المترو وأنا أحمل بين يدي قصاصات من الورق الصغيرة بها أرقام تليفونات وعنواني للأصدقاء الذين يعيشون في فيينا لأجد أمامي شاب مصري يبيع الصحف النمساوية أمام أشارة المرور استوقفني وسألني أنت مصري. قلت له أيوه وأريد منك مساعدتي للذهاب لهذا العنوان والاتصال بهم بأنني وصلت فيينا بالسلامة. كان شاب من أبناء بورسعيد من الذين يكافحون في الحياة وكان كريم معي وترك عمله لبيع الصحف في أشارات المرور وأخذني لأحدي الكافتيريات وقدم لي فنجان كابتشينو بعدها اتصلت بصديقي رأفت وتحدث معه ووصف له مكان محطة الوصول بعدها استقليت المترو وكان في انتظاري صديقي رأفت. برغم لم أعرفه وهو قريب صديقي عصام في مصر بعدها توجهنا إلي بيته الصغير ضواحي مدينة فيينا ومقيم معه شاب مصري وعرضت الأمر علي رأفت بأنني أريد الالتحاق بجامعة فيينا لعمل دراسات عليا في طب الأسنان وفي اليوم الثاني توجهنا إلى الجامعة ومعي جميع الأوراق والشهادات مترجمة ومعتمدة ورفضوا قبول أوراقي وعلى أن أبدأ من الصفر دراسة طب الأسنان من جديد بجامعة فيينا، عدنا إلى المنزل وأنا لم أفقد الأمل وإيماني بالله وقررت أن أبحث عن عمل مؤقت والسفر إلي ابن عمي الذي يعمل في إيطاليا. وقال لي صديقي رأفت بكل صراحة أن الظروف والحياة في فيينا صعبة جدا ومغلق أبوابها لعمل الأجانب باستثناء بيع الصحف والورد في أشارات المرور والعمل في مطاعم فطائر البيتزا، وأنا لا أسمح لك أن تهين كرامتك في هذه المدينة بهذا العمل قلت له أريد السفر إلى إيطاليا فورا لابن عمي الذي يعمل ويعيش في إيطاليا منذ فترة طويلة. وهدأ من أعصابي وأخذنا نفكر في طريقة السفر إلى إيطاليا. وقال لي: هناك طريقتان للسفر والمغامرة. الطريق الأول عن طريق القطار الدولي المتجه إلى إيطاليا أو الطريق البري بالسيارات الملاكي من خلال السماسرة ويحصلون على مبلغ ألف دولار وأنا لا أضمن لك هذا الطريق وتقع مع مجموعة من النصابين في مجال التهريب البري والأفضل أن تركب القطار الدولي وتستخبي تحت الكرسي لحين دخول القطار الحدود الإيطالية. مكثت مع صديقي رأفت 25 يوما لم أنفق شلن نمساوي طوال فترة إقامتي معه من الكرم الزائد وشهامة أولاد البلد في الغربة. وحانت لحظة الرحيل وتوديع صديقي رأفت الذي ترك في حياتي ذكريات جميلة من الحب والوفاء والإخلاص لم أنساها طوال حياتي. كان يوم سفري تقام مبارة لكرة القدم بين فريق ميلانو وفيينا في بطولة كأس أوروبا وركبت القطار الدولي المتجه إلى إيطاليا بدون تذكرة ودخلت أحدي الدواوين الخالية من الركاب واختفيت تحت المقعد ونمت لم اشعر بنفسي وأنا أجد من يسحب رجل البنطلون من تحت المقعد تحت أصوات تصرخ من الرعب والخوف من ركاب الديوان بوجود قتيل أو إرهاب ليبي تحت المقعد نظرا لموجة الإرهاب في ذلك الوقت والخلافات بين ليبيا والدول الأوربية حول موضوع الطائرة لوكيربي وتأزم العلاقات بينهما. وحضر رجال الأمن وقاموا بسحبي من تحت المقعد للتأكد بأنني لازلت على قيد الحياة وصحوت من نومي. وطلب رجال البوليس النمساوي تحقيق الشخصية وجواز السفر وسألوني بالإنجليزية لماذا أنا مختبأ تحت المقعد. قلت لهم نمت من الإرهاق ولم أشعر بنفسي آلا تحت المقعد وكان حظي الحلو أن فيزت النمسا لازالت صالحه وتوقف القطار في أحدي محطة النمسا وقاموا بتسليمي لرجال شرطة المحطة وقمت بدفع غرامة تذكرة ركوب قطار بدون تذكرة بالدولار وحاولت الصعود مرة أخري قالوا لي بأن هذا القطار دولي متجه إلى إيطاليا وأنت لا تحمل فيزا دخول الأراضي الإيطالية. قمت بالاتصال بصديقي رأفت وشرحت له الوضع وقال لي عود إلى مرة أخري وسندبر الأمر. وفي اليوم التالي قمت بالاتصال بأصدقائي في إيطاليا وحددو لي موعد علي الحدود النمساوية الإيطالية لنلتقي هناك.وتمضي الساعات ثقيل أريد أن أشعر بالراحة النفسية والأمان وبدأت الاستعداد من جديد ورافقني صديقي رأفت حتي الحدود وأستقبلني أصدقائي وركبت معهم السيارة وعبرنا الحدود لندخل الحدود الإيطالية وتوقفنا في نقطة تفتيش للبوليس الإيطالي وطلبوا جوازات السفر وقال لهم صديقي بأنني طبيب جئت لشراء بعض الأجهزة الطبيبة ورفضوا دخولي الحدود الإيطالية إلا بفيزا لإيطاليا وكان برفقة صديقي المصري شاب إيطالي اسمه كريستيان ومفيش غير حل واحد آن نتسلل الجبال ودخول الأراضي الإيطالية متسللين وبرفقتي كريستيان وسيكون في انتظارنا علي الطريق البري في الأراضي الإيطالية. وعاد صديقي يمر من بوابة الحدود مرة أخري لأنه مقيم رسمي في إيطاليا وتمت معارضته من بوليس الحدود الإيطالي وسأله عن باقي الركاب وقال لهم تركتهم في النمسا. هنا حدث خطأ كان غير متوقع ولم نكن أذكياء كان من المفروض أنتظار تغير طاقم الوردية فاكتشف أمرنا وتم القبض علينا وتم عمل محضر وتغريم أصدقائي وتم إعادتي مرة أخري مشي على رجلية للحدود النمساوية. وبدأت ساعات الغروب وكنت أخشى أن أضل الطريق وسط السلاسل الجبلية. لم أيأس ودعوات والدتي رحمها الله كانت دائما دليل الأمل والنور ورفيقي في كل خطوة أخطوها ودعوات أبي ودموعه التي لم أنسها يوم سفري وهو يودعني وهو يدعو لي بالتوفيق وأن يرعاني الله في كل خطواتي كل هذا كان محفوظ في قلبي بإيماني القوي بالله هو سندي في رحلتي. إلى أن استوقفتني في منتصف الطريق فتاة من شرطة الحدود الإيطالية وقالت لي أنت رايح فين: قلت لها أنا رايح إيطاليا ولي شقيق هناك وانقطعت أخباره ولم نعرف عنه شيئا منذ خمسة أعوام وأنا رجل طبيب ونظرت في أوراقي وابتسمت وقالت لي أنت عايز تروح إيطاليا قلت لها نعم. قالت لي أدخل الحمام وأغسل وجهك وهدي أعصابك وتعالي. لم أصدق نفسي وطلعت بنت بلد أصيله بعدها قالت لي أمشي في هذا الطريق لغاية لما تقابل منطقة جبلية تعدي منها واحترس من الكشافات التي تراقب الحدود وحينما تشاهدها انبطح على الأرض وتستمر في السير حتى تري مشروع عملية تحويل ترعة وهناك كوبري تعبر الكوبري تلاقي نفسك على الطريق السريع في الأراضي الإيطالية لم أصدق نفسي وهي تلوح بيديها والابتسامة على وجهها وهي تودعني. شعرت لأول مرة أن وزن جسدي خفيف مثل الريشة كأنني أطيرا في السماء وكلما لمحت أضواء الكشافات تقترب مني لتمسح المنطقة أنبطح علي الأرض بعدها استمر في السير لم أشعر بنفسي وأنا أضع قدمي لأول مرة علي الأراضي الإيطالية في أمان, كان أمامي طريقين طريق للسيارات النقل الثقل والأخر للسيارة الملاكي الصغير وفضلت طريق النقل ووقفت علي الطريق السريع وأول شاحنة ظهرت أمامي أشرت لها بطريقة الاوتو ستوب وسرعان ما شهدت الشاحنة تهدأ من سرعتها وتتوقف أمامي وسألني السائق بالإنجليزية رايح فين قلت له إيطاليا وضحك ضحكه مدوية وهو يقول لي أحنا في إيطاليا وأنا في طريقي إلي تريستا. قلت له أريد أن اذهب إلى ميلانو وقال لي سأتركك في أقرب منطقة على الطريق لتستقل سيارة أخري في اتجاه ميلانو. لم أعرف كما من الوقت يمضي ولم أشعر بالساعات وأنا بجوار السائق التركي الذي كان كريما معي طوال الرحلة ونتوقف لنتناول بعض المأكولات وأعداد الشاي على الطريقة التركية بعدها نستأنف الرحلة ونحن على مشارف مدينة تريستا قال لي أن أكون على استعداد للنزول وانتظر سيارة أخري في اتجاه ميلانو، وودعت السائق التركي علي أمل اللقاء في يوم من الأيام. لم أتوقف كثيرا وأشرت لشاحنة أخري في طريقها إلى ميلانو وتوقفت أمامي وجلست بجوار السائق وكان في طريقة لمدينة تورينو وكان حظي الحلو سيدخل مدينة ميلانو بعدها يستأنف رحلته إلى تورينو. ووصلت مدينة ميلانو في أول ساعات الصباح ونزلت بالقرب من محطة المترو وتوجهت إلي بيت أصدقائي الساعة السابعة صباحا. لم يصدقوا أنفسهم كيف دخلت الأراضي الإيطالية؟

شعرت براحة نفسية وأنا في مدينة ميلانو بين أصدقائي كان لا يهمني أي شئ وأصبحت بينهم بعد رحلة من العذاب أستغرقت ما يقرب الشهر بين أعصاب متوترة وبين الفشل في رحلتي. ولكن الحمد لله: قال لي أصدقائي الوضع في ميلانو والمهن التي من الممكن أن أعمل بها لتغطية مصاريفي مؤقتا وأتعلم مهنة من المهن الشائعة للأجانب. كان مبدئي أن أتعلم أي حاجة وهي كلها أعمال شريفه بالنسبة لي لغاية لم أرتب أموري. وكنت أعمل في تنظيف المطبخ وغسيل الأطباق وإذا كان هناك ضغط في عمل فطائر البيتزا لمساعدة أنطونيو أقوم بتجهيز كل شئ وهو شاب يحب أن يكون مرسوم على سنجة عشرة لابس البدلة والكرافتة وكنت أقول له: "علمني شوية يا انطونيو " كان يماطل لغاية لما اكتشفت نقطة الضعف في انطونيو وهو كان يحتسي البيرة بشراها. وبعد انتهاء العمل أخرج معه وأعزم عليه لغاية لما أعطاني الأمان وبدأ في تعليمي طريقة أعداد فطائر البيتزا. ويترك لي مفاتيح المطعم. بدأت أتعلم تدريجيا. كنت على اتصال دائم بابن عمي في مدينة بولونيا وقلت له أنا زهقت وقاعد لوحدي في ميلانو وأنا تعلمت البيتزا. فقال لي تعالي وربنا يسهل. مكثت فترة من غير عمل ولقيت شغل في مطعم غسيل أطباق أيام السبت والأحد أستمر عملي فترة طويلة لمدة يوم أو يومين في الأسبوع لغاية لما ربنا كرمني في مطعم للأسماك ويقدم لرواده سبعة أطباق من أنواع الأسماك لكل زبون وطلبت من صاحب المحل أن يحدد لي موقعي الذي يعتبر بالنسبة لي الخندق الذي أتحصن فيه ولا أريد أن ينادي أحد لعمل أشياء من غير اختصاصي. كان صاحب المطعم سعيدا بهذا الرأي وكان يتابع نشاطي أثناء العمل. كنت أعمل بأيدي وأسناني وقال للعاملين بالمطعم محدش يقرب من حمدي وانتظمت في عملي يوميا أدخل الساعة السادسة والنصف مساءا وأترك مكان عملي نظيف لغاية الساعة الحادية عشرة مساء وكنت بشتغل غير قانوني ولم أملك أورق رسمية في إيطاليا. وفي يوم طلب من صاحب المطعم أن أحضر مبكرا يوم السبت والأحد ويكتظ المطعم بالزبائن. وذهبت يوم السبت وقمت بتبديل ملابسي وأرتدي ملابس العمل لغسيل الأطباق. وبدأت اعمل. لم يمضي الوقت طويلا لقيت فوق دماغي أربعة أشخاص من مكتب العمل والصحة والضرائب والأمن العام بيعملوا كونترول على المحل والعاملين به. وسألوني أنت بتعمل إيه هنا. قلت لهم ذي ما أنتم شيفين بأغسل طباق. طلبوا أوراقي وجواز السفر. قلت لهم في البيت. فقالوا لي طيب أنت أركن على جنب واستمروا في عمل كنترول على جميع العاملين بالمطعم وقال لي صاحب المطعم: " لا تخاف يا حمدي أنا حا اتصرف معاهم " وظللت على أعصابي على مدي ساعة ونصف تفتيش. وبعد انتهاء التفتيش قالوا لي: " أنت تركب معنا سيارة الشرطة " أظهر صاحب المطعم شهامة متوقعة وقال لهم: " يركب سيارة شقيقي وأنا معكم " وأثناء الطريق اتصلت بابن عمي وعرفته بالواقعة وقال لي ابن عمي: لا تخف لما توصل أطلع وقدم لهم جواز السفر وأوراقك " كانت هناك سيارة شرطة أمامنا وأخري خلفنا، وسارينة السيارتين نصرخ كأنهم يعتقلون زعيما أرهابيا أو سفاحا خطيرا. ووصلنا البيت وكان منظر الناس في الحي والصمت على وجوههم من الخوف. وطلعت البيت ونزلت بكل أوراقي. وأخذ يتصفحها رجل الأمن العام وهو شاب مثقف أندهش ولم يكد يصدق نفسه وهو يتفحص أوراقي وشهاداتي ويقول لي: " أنت طبيب أسنان " قالت له: " نعم ". ماذا تعمل داخل المطعم؟" قلت له: " أعمل " بدا عليه أنه لم يكن يصدق نفسه وهو ينظر لي باستغراب: طبيب أسنان وتغسل أطباق؟ ". دفعه هذا لأن يحرر محضرا في صالحي وكتب فيه: في خلال 6 أيام علي صاحب المحل تجهيز عقد عمل والتأمين عليه فورا وحضوره قسم الشرطة لعمل له الإقامة الرسمية له ". وقاموا بمرافقتي إلى المحل مرة أخري وكان فيه شاب مغربي يعمل في المحل ونادوا عليه علشان يترجم لي. أن أحضر برفقة صاحب المطعم لعمل الإقامة الرسمية وتعتبر أول حالة من نوعها أستثنائيه بعيدا عن القوانين لتصحيح أوضاع الأجانب التي تصدر من خلال قرارات وزارية. كانت مفاجأة لي وكنت متوقع مائه في المائه ترحيلي فكانت النتيجة عكسية وشعرت براحة نفسية وارتياح ولم تسعني الفرحة لهذا الخبر. بدأت أركز في حياتي واستمرت حياتي في مطعم السمك فترة وكنت أحصل علي راتب ممتاز وفكرت أن أبدا مشواري العلمي وأتركك العمل رغم الإغراءات من صاحب المطعم بمضاعفة راتبي وفضلت أن نكون أصدقاء. وأصبح لي أصدقاء من الزبائن المتعاطفين معي بعد أن عرفوا أنني طبيب أسنان ولهم مكانه واتصالات بالمسئولين في المدينة وإرشادي للطريق الصحيح من أجل أن أسجل في نقابة أطباء الأسنان الإيطاليين وفشلت في البداية لأسباب عدم وجود اتفاقية ما بين مصر وايطاليا والإيطاليين هم المحتكرين لهذه المهنة. فكان لي صديق من أبناء السوادن قال لي الحل الوحيد أن تتقدم بأوراقك في كلية طب الأسنان بإنجلترا للحصول على درجة الماجستير وسافرت إلى لندن وقدمت أوراقي في الجامعة وجميع بياناتي وقلت لهم أنا أعيش في إيطاليا. ورجعت إيطاليا لم يمضي أسبوع وجاءني خطاب من الجامعة بأن هناك اتفاقية بين مصر وانجلترا للدراسات العليا والمصاريف ثلاثة آلاف إسترليني. بدأت أنتظم في الدراسة وأسافر لندن لكي أحضر المحاضرات. كنت قبل أن أبدا هذه القصة التي انتهت بقبولي بالجامعة الإنجليزية قد تلقيت مساعدة من صديقي أحمد الذي عثر لي على عمل في محل بمركز تجاري حتى أوفر مصاريف الدراسة وطلبت من صاحب المحل أن أترك العمل للتفرغ للدراسة. وعملت في محل ثاني أصحابه من الشباب ولكن لسوء الحظ معهم عامل قام بسرقتهم وأفلس المحل. ومكثت خمسة أشهر بدون عمل وصرفت كل ما كان معي وبدأت أعمل يوم السبت والأحد حتى أكرمني الله وانتقلت للعمل في محل لمدة شهرين وفي يوم من الأيام ذهبت إلى العمل فوجدت المحل مغلقا وصاحبه هرب وعليه مرتب شهرين. وبدأت أبحث عن عمل من جديد وصادفت في الطريق على شابا مصريا كان جاء من أمريكا لحضور المعرض الدولي للسيراميك في إيطاليا وحكيت له حكايتي وعرض على أن أترك إيطاليا والسفر معه إلى أمريكا للدارسة والعمل هناك وجميع الفرص متاحة لي هناك وأخذت عنوانه. فا من خلال عملي في المطاعم أصبح لي خبرة في عمل فطائر البيتزا الإيطالية. وعرضت على ابن عمي شراء محل ونكون شركاء. وكان هناك محل لبيع البيتزا فقط وتوصيلها إلى المنازل في قلب مدينة بولونيا وكان أعلي سعر معروض للبيع في البلد وكان المحل ناجحا ومعروفا. خاف ابن عمي من المغامرة وضياع تحويشت العمر والسنين في إيطاليا إذا فشل المشروع وأفلسنا، وطلب أن يكون المشروع بأسمى ويأتي لمساعدتي من حين لآخر.

 وبدأت نشاطي متسلحا بأسلوبي الخاص لجذب وكسب الزبائن من خلال التعامل معهم والسمعة الطيبة في مدينة بولونيا وكان الدخل من المكاسب غير متوقع. ثم وسعت نشاطي وأخذت ثلاثة محلات أخري فكانت فكرة البزنس هي الطريق السليم. وبدأت أنظم أموري وأوزع العمال في المحلات وبدأت أتفرغ للدراسة في لندن ومن خلال المكاسب أقوم بدفع المصاريف للجامعة بخلاف سفريات بالطائرة من بولونيا ولندن لحضور المحاضرات في الجامعة بانتظام لآن الحياة في لندن في احتياج لمصاريف باهظة التكليف. والحمد لله وفقت في دراستي وفي عام 2004 حصلت على درجة الماجستير وزميل كلية الجراحة الملكية بانجلترا. وأصبح معي شهادتي من كلية طب الأسنان جامعة الأزهر مترجمة ومعتمدة وماجستير في جراحة الأسنان من لندن وحزمت حقائبي وعدت إلى إيطاليا. وسافرت إلى مدينة روما وتوجهت إلى وزارة الصحة الإيطالية وقابلت مديرة مكتب وزير الصحة الإيطالي. وسألتني بتشتغل إيه قلت لها طبيب أسنان ونظرت لي باستغراب وقالت لي أنت جريء تمارس مهنة طب الأسنان بدون تصريح أنت مجنون وبتقول هذا الكلام في قلب الوزارة. رحت على طول مقدم لها شهاداتي المصرية من جامعة الأزهر وشهادة الماجستير المعترف بها في الاتحاد الأوربي. وقلت لها هناك قانون صدر في عهد الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان منذ عام 1952 بين مصر وإيطاليا بممارسة الأطباء نشاطهم في كلا البلدين. وأنا معي شهادتي بأني طبيب وجراح أسنان معترف به. أخذت من الأوراق وقالت لي أنتظر ودخلت وعرضت علي لجنة في مكتب الوزير الموضوع وتم مناقشته والموفقة عليه من الوزير وخرجت بعد فترة من الزمن وأنا في انتظارها علي نار تحمل بين يديها مرسم بقرار وزاري بتسجيل الدكتور حمدي محمد علي سليمان أول طبيب أسنان مصري يسجل بوزارة الصحة الإيطالية وبناء علي هذا القرار تم اعتماده في جميع المدن الإيطالية وأن يسجل أي طبيب أسنان مصري الجنسية في نقابة أطباء الأسنان وأصبح الطريق ممهد للأطباء المصريين المتواجدين في إيطاليا بدون عوائق يمارسون نشاطهم تحت رعاية نقابة أطباء الأسنان الإيطالية. بعدها خرجت من مبني وزارة الصحة وقلبي يرقص من الفرحة لهذا الانتصار الذي طال انتظارها واختطفته من فم الأسد بكل جدارة. وأصبحت امتلك عيادة في قلب مدينة بولونيا مجهزة بأحدث الأجهزة من التكنولوجيا الحديثة أمارس نشاطي الطبي بكل حرية تحت الرقابة الصحة المستمرة على جميع العيادات الطبية للأسنان للتأكد من سلامة الأجهزة وتعقيم الأدوات التي تستعمل المسجل عليها تاريخ التعقيم وتاريخ انتهاء صلاحيتها وأسافر إلي لندن كل أسبوع بالإضافة لمتابعة نشاطي التجاري من البزنس ".

وهكذا يبدو أن قصة كفاح الدكتور حمدي سليمان قد انتهت بهذه الخاتمة السعيدة، ولكن القصة لم تنته بعد فما يزال يشارك في العديد من العمليات الجراحية في زراعة الأسنان الفك العلوي والفك السفلي ويسمح للمريض بعد أجراء العملية أن يستخدم أسنانة بعد عشرون دقيقة. ويشارك في عملية تجميل للفك مع الدكتور لوكا سليراني كذلك أجري بعض العمليات في علاج اللثه وحشو جذور وفي يونيو 2007 شارك في المؤتمر العلمي في لندن بمعهد أستيمان بالتنسيق مع الجمعية الإيطالية تحت أشراف الدكتور   Giovanni   Ballarani أستاذ جراحة الأسنان بجامعة سابينسا العمليات الجراحية تحت أشراف فريق من الأطباء في أنجلترا بالأضافة قام بأجراء جراحات بأشعة الليزر تحت أشراف الدكتور Maurizio maggioni   قام بأجراء عملية ذراعة فك كامل تحت أشراف الدكتور لويجي كونتي بالاشتراك مع جامعة نيويورك وفي أول ديسمبر 2007 شارك في المؤتمر العلمي بمدينة بولونيا الإيطالية. فلم يترك الدكتور حمدي سليمان أي فرصة في طب الأسنان ليجاري عصر التكنولوجيا الحديثة التي تتطور يوما بعد يوم ويضيف رصيده في علم طب الأسنان الحديثة ويشارك في المؤتمرات الدولية ليضيف المزيد من خبراته في طب الأسنان من أجل مستقبل مشرق له ومن أجل أبنائة الصغار آلاء. روان. محمد. مريم.عمر. وزوجتى شريكة رحلتي في الغربة. وعلى مدي خمسة عشر عاما حقق الدكتور حمدي سليمان كل أمنياتة ورفع أسم مصر عاليا في المحافل الدولية والمؤتمرات العلمية والطبية والاحتكاك بالمستويات العلمية في عالم فن طب الأسنان التي ستعود في النهاية لخدمة بلده مصر.

ونصيحتي لكل الشباب الذي يفكر في الهجرة إلى الخارج أن يتسلح بالعلم أولا وبالمهنة التي تليق بمكانتة العلمية أن يكون له خبره قبل أن يقبل على السفر حتى لا يضطر إلى ممارسة أعمال دنيا وكل الأعمال شريفة ولكن هناك أعمال دنيا وهناك أعمالا أعلي، أي تتطلب مؤهلات خاصة. تلك هي الأعمال التي يجب أن يعمل بها الشباب المصري كما فعل الطبيب المصري حمدي سليمان. فشبابنا يحمل على ظهره تاريخا وعلى أكتافه حضارة ولدية ثقافة ولدية علم يكاد يصل ويقترب من المستوي الأوروبي...

 

أخبار متعلقة :