على ما يبدو أن استدامة الحذر هى الأصعب فى حلقة وباء كوفيد- 19. صدمة الوباء الأولى وما اعتراها من عدم تصديق، ثم تشبث بنظريات المؤامرة والإلهاء،
وبعدها التصديق واتباع الحذر والاحتراز، تلتها هدنة نسبية قوامها الأمل فى أن يكون انخفاض الأعداد بداية نهاية الوباء وعودة الجميع إلى الحياة الطبيعية، وحاليًا هجمة جديدة يُقال إنها أشرس وأوسع انتشارًا وذات نمط مختلف، جميعها يجعل من استدامة إجراءاتنا الاحترازية والوقائية وقراراتنا بالإغلاق أو الإغلاق الجزئى أصعب ما فى المشهد. وإذا أضفنا إلى ذلك طوفان الأخبار المتواترة عن لقاحات أثبتت فعالية متأرجحة بين الجيدة جدًا والجيدة والمتوسطة، ناهيك عن توقف تجارب على علاجات ولقاحات لخطورتها، بالإضافة إلى المعركة الأخلاقية الأممية القادمة،
والمتمثلة فيمَن يحصل على أى لقاح، وبكم، وبأى كمية، ثم مَن الفئات الأولى بالتحصين؟ وغيره، كل هذا يجعل مطالبة الجموع باستدامة الحذر أمرًا بالغ الصعوبة. فى بريطانيا وإسبانيا يتظاهر البعض معترضًا على الإغلاق الجزئى.
وهنا وهناك ترويج لتوجهات فكرية ترى اللقاحات والتحصينات شرورًا مطلقة وتحذر الناس من تلقيها. وفى العديد من دول العالم الأول انتقادات لاذعة للقيادات السياسية حول تعاملها مع الوباء فى موجتيه الأولى والثانية، ومَن يعلم ربما الثالثة! الأخبار الواردة من دول غربية تشير إلى أن المستشفيات تمتلئ بالمرض بسرعة رهيبة، وأن أقسام الطوارئ فى المستشفيات متخمة بالمصابين اللاجئين إليها، وأن العناية المركزة لم تعد قادرة على استيعاب أعداد الحالات الحرجة، وأن دولًا أوروبية عدة تستعد لإغلاقات جزئية والتلويح باحتمالات الإغلاقات الكلية فى حال استمر الوضع فى التدهور. نحو 95 فى المائة من المرضى فى العناية المركزة فى مستشفيات فرنسا حالات حرجة لمرضى كورونا.
ألمانيا تخبر المواطنين بأنهم مقبلون على شهور صعبة. إصابات كورونا فى موجتها الثانية فى إيطاليا تعدت المليون. تلويح بإلغاء احتفالات الكريسماس فى كندا. الوباء تحول فى أمريكا إلى كارثة إنسانية. وفى تلك الأثناء، ننظر إلى أنفسنا لنجد الغالبية المطلقة من سائقى وركاب المواصلات العامة بلا كمامات. ونجد «متعلمين» يقابلون يحيون بعضهم البعض فى الشارع بخلع الكمامات، ثم تقبيل بعضهم، ثم معاودة ارتداء الكمامات.
ونجد بائعى الأجبان فى السوبرماركت والكمامات مازالت متدلية أسفل أنوفهم. ونجد المواطنين متجمهرين بحميميتهم المعتادة أمام شباك التذاكر، ولسان حال الغالبية: «ربنا يستر». بالطبع جميعنا يسعى إلى ستر الخالق، لكننا أيضًا نقصر فى حق أنفسنا حين نرمى بأنفسنا فى التهلكة ونعتمد فقط على الستر الإلهى. من جهة أخرى، على الجهات العليا المختصة البحث فى معضلة استدامة الحذر والحرص، وهو بحث يجب ألا يقتصر فقط على علماء وأطباء الفيروسات والعدوى، ولكن يجب أن يضم فى صفوفه علماء الاجتماع والنفس والإعلام وليس البروباجاندا للوصول إلى رؤية واقعية لاستدامة الحذر واستمرارية الحرص قدر المستطاع.
أخبار متعلقة :