انتجت مصر عبر العصور التاريخية الماضية وعلي مدار حضارات خلت وشخصيات أدت أدوارا هامه فى مسيرة النهوض بالإنسانية، وكانوا أمثلة مبدعة لقوة مصر الناعمة، فقد حصل ألعديد من المصريين على جائزة نوبل للسلام في مجالات مختلفة، فقد حصل عليها الرئيس السادات ،ونجيب محفوظ في الآداب ودكتور أحمد زويل في الكيمياء كما تميز علماء مصريون فى الوصول لتحقيق إنجازات سواء علمية أوطبية أو أدبية عالمية، ويشغل العلماء المصريون بالخارج مناصب علمية مرموقة. ويعتبر علماء مصر وأدبائها قوة ناعمة لها نفس تأثير القوة الحربية والإقتصادية فمصر من الدول المشهود لها بكثرة القوي الناعمة وتعدد روافدها
ولقداستطاعت مصر أن تثبت مكانتها الدولية ليس ما تملكه من مصادر القوة السياسية والعسكرية والبشرية فحسب ، بل و لقوتها الناعمة الدور الأعظم والتأثير الأكبر فى تهذيب وانسياق عاطفة الشعوب لعربية إليها ؛فما من دولة إلا ولها ذكريات بمصر وما من عربي إلا وقلبه متعلق لمصَر ، فالعرب أجمع فطنوا اللهجة المصرية وعشقوا نمط الحياة المصرية من سلوكيات ،وآداب وفنون، ، وعلوم مختلفة ، وكان للجامعات المصرية بكافة فروعها علي مستوي جمهورية مصر العربية دور هام وبارز في نشر التعليم بكافة فروعة وبعث روح التنوير ونشر الوعي الثقافي والمناهج العلمية بمختلف الثقافات العربية بل وساهمت الجامعات في توحيدها .وإن من أبرز ما تتمع به مصر من قوة ناعمة فعالة ومنتجة؛ والمؤسسات الدينية بفرعيها الأزهر والكنيسة شعاعان يضخاان وسطية وسماحة لكل البلدان العربية، بل امتد شهابهما ليضئ دول إفريقية والبلدان الأوروبية ؛وجدير بالذكر أن مصطلح القوة الناعمة مصطلح حدثي أطلقه الأمريكي (جوزيف ناي) في أوائل التسعينيات. والقوة الناعمة ؛ هي القدرة على جعل الآخرين يقومون بتصرفات لم يكونوا ليقوموا بها لولا أثر القوة التي تم إخضاعهم لها. وتقوم فلسفة (القوة الناعمة) في المنظور الإسلامي على أن الأصل في الإنسان هو الخيرية والفطرة، ومن ثم فهو مدفوع بالفطرة لقبول الحق والتأثر بالجمال؛ لأن الحق والجمال يوافقان الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومن ثم لا يحتاج الإنسان إلا إلى أدنى تذكير وتنبيه؛ كي يلتفت إلى مواطن الحق والجمال؛ ولهذا عني الإسلام بجذب الناس إلى حقائقه عن طريق وسائل الإقناع العقلي والتأثير في الوجدان،.كما شددت المسيحية السمحة علي كوّن المحبة والتي هي في الأصل أساس القوة الناعمة واقتصرت بل واختصرت معني القوة الناعمة في (الله محبة) فالقوة الناعمة مصطلح جديد لمفهوم قديم، وتمتلك مصر في العديد من المجالات قويً لها تأثيرا يجلب إليها العديد من البشر يقطعون آلاف الأميال ليتعلموا ولينظروا عظمة تاريخ حضارتها ، وتمتاز الآثار المصرية بتنوعا لا نجده فى أية دولة أخرى ، مما جعل السياحة فى المرتبة الثانية للدخل القومى فى مصر، ووتعد آثار مصر قوة ناعمة لها؛ بتنوعها الثقافى والحضارى، والذي يميز مصر والمصري بشخصيته في قدرته علي تقبله للآخر أيا كانت ثقافته، وجنسيته ،وديانته؛ فمصر مهد الديانات ومعقل الحضارات فنجد الآثار الفرعونية و نجد الآثار القبطية، والإسلامية، واليونانية، والرومانية، كما تخطف الآثار المصرية انظار المهتمين برؤية الآثار والمغرمون بها بكافة انحاء العالم؛ مما يجعل مصر قبلة سياحية يحج إليها آلاف من السياح من مختلف دول العالم.ووكما تمتلك مصر تنوعا هائلا فى المناطق السياحية، بدا من أسوان والأقصر،- إذ تنصب فيهما ثلث آثار العالم- مرورا بالاهرامات و بشرم الشيخ والغردقة، وغيرها من المناطق المشهورة عالميا ،. وإن كانت التكنولوجيا الحديثة ساعدت الأفراد علي انتشار القوة الناعمة وكسرت الحواجز الجغرافية التي كانت تقوم حائلاً بينهم وبين القدرة على تواصلهم ، وانشاء مجالات التعارف ومحادثات بين أفراد من بلدان ومناطق جغرافية مختلفة، ومن ثم فقد أصبح وعي الأفراد يتشكل بعيداً عن وسائل الإعلام الرسمية التي تكرس بشكل أو بآخر نفوذ المؤسسات الرسمية مهما قيل عن استقلال مؤسسات الإعلام التقليدي. وحتي إن أصبح للأفراد دور أكثر أهمية في التأثير على نظرة الآخرين إلى السياسات المحلية في بلدانهم، فإن مصر تمتلك مؤهلات القوة الناعمة قبل دخولها عالم الاتصالات التكنولوجية وكانت تاتي إليها الافراد بمختلف الجنسيات للتعارف داخل أروقة الجامع الأزهر ومحراب الكنيسة ، إذ أن بعض أطياف القوة الناعمة لمصر التى تجاوزت الحدود الدولية منها إلي العالمية ؛ لتشكل الركيزة والقيمة المضافة للدولة، والتى كان لها من التأثير فى العالم العربى بل والدولى والعالمي ما لا تستطيع تحقيقه القوة الصلبة ؛ فالإمام الأكبر أحمد الطيب ؛قائد معركة التنوير والوسطية، وصدر للعالم كله علوم القرآن والسنة النبوية الشريفة،عبر الأزهر الشريف واحدا من أقوى مصادر القوة الناعمة؛ إذ لا يقتصر دوره على نشر تعاليم الدين الإسلامى الوسطى واللغة العربية فقط، بل إن لديه دورا ثقافيا وتنويريا وعلميا واسعا. ويدرس فى الأزهر أكثر من أربعين ألف وافد من مختلف دول العالم، وقد تخرج فيه الآلاف الذين أصبحوا سفراء للأزهر فى بلدانهم، وتولى الكثير منهم مناصب مرموقة فى أوطانهم، وظلوا على وفائهم وتواصلهم مع الأزهر، وتجسد ذلك فى رابطة خريجى الأزهر الشريف، والتى تعد بمثابة قناة للتواصل بين جامعة الأزهر وخريجيها فى كل أنحاء العالم.
والباب شنودة والبابا تواضروس مدارس دينية تمثل قوتين عظمتين من القوي الناعمة ،و الكنيسة المصرية واحدة من أقدم كنائس العالم، حيث تأسست فى القرن الميلادى الأول، وترتبط بعلاقات وثيقة مع الكنائس الأرثوذكسية فى العالم، وتعد الكنيسة المصرية فى المهجر قوة لا يستهان بها، حيث يصل عدد الكنائس التابعة لها خارج مصر 360 كنيسة، بالإضافة إلى العديد أديرة للرهبان وديرين للراهبات. ويمثل باباوات الكنيسة المصرية سفراء متميزين بالسماحة واللباقة للتعبير عن وجه مصر الحضارى كرمز للمحبة والتآزر والتآخي والمواطنة فى مختلف أنحاء العالم.
ويسهم أقباط مصر فى صياغة الفكر المصرى والعربى بما قدموه من مؤلفات واسهامات علمية وفنية وأدبية، كما يسهمون فى الحياة السياسية والبرلمانية بشكل فاعل، كما يمثل أقباط المهجر إضافة بارزة للقوة الناعمة لمصر، وعلي رأسهم الكاتب الصحافي محب غبور- رئيس تحرير جريدة صوت بلادي فهو يُعد حلقة الوصل بينً المصريين بخارج مصر وداخلها ؛ وهو المترجم الحقيقي الاحداث الخارجية حيث المصداقية والواقعية والقراءة المنطقية للأحداث-
فإن أقباط المهجر يقدمون دعم غير مباشر للدولة، لأنهم يقومون بالتأثير على صناع القرار فى البلدان التى يعيشون فيها؛ من أجل مساندة القضايا الوطنية التي تهم الدولة المصرية .
ومن أجمل القوة الناعمة المستوطنات والحفلات ؛ لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ".. "محمد عبدالوهاب ورياض السنباطى"..والاستمتاع بدراما "عادل إمام ومحمد صبحى".. "يوسف شاهين ومجدي أبوعميرة ومحمد عبد الحافظ "..".. ومصطفى مشرفة".. وقراءة دواوين محمود العقاد ومؤلفات طه حسين، وحضور صالونات توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وعزت الطيري وعماد قطري ".. "وحضور ندوات عبدالحليم محمود ومحمد متولى الشعراوى ومصطفى محمود".. "عبدالباسط عبدالصمد"..و محمد صلاح "محمود الخطيب ، والدكتور" جمال محمد علي" الذي يرسي لنا مبادئ الأخلاق في الإدارة الرياضية ". "مصطفى كامل وسعد زغلول"..". فمها بلغت القوة الصلبة تأثيرها إلا أن الأمم تبقى بقوة الفكر أكثر مما تبقى بقوة الردع والسلاح ؛ لأن قوة السلاح لا تحقق إلا تأثيراعكسيًا أو سطحيا ؛ لا يتجاوز أكثر من الخضوع الظاهرى للقوة.ولكن- أيضا – الإسراف في استخدام أدوات القوة الناعمة أخطر من التفريط فى أدوات القوة الصلبة لأننا بالقوة الناعمة نستطيع أن ندافع ،وننشئ أهدافًا وتبنى عقولا ، وإذ بالقوة الخشنة أداة دفاع وذب العدو عن ساحاتنا فقط ، ومن هنا تجددت ثقافة مصر-في الأونة الأخيرة -إلي استعمال القوة الناعمة أقوى تأثيرا من القوة الخشنة؛ فواجهت الفكر المتطرف بالدعوة إلحوار و بالدعوة إلى (السلام)، وواجهت (ثقافة الإرهاب والدم القوة) بـ (الفكر والثقافة والفن)، وواجهت (الفتنة ) بـ (بالتلاحم الوطنى). ومن ذي قبل نجحت قوة مصرالناعمة حيث حدودها الجغرافية؛ فتولت حركات التحرر السياسى فى إفريقيا، وأسهمت فى بناء منظمات دولية والجامعة العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومنظمة التعاون الإسلامى.،وساعد موقع مصر وتاريخها الحضاري السابق بأن تستغل هذه القوة الناعمة في الاستيعاب والاحتواء والتمصير لكل ما هو مستهجن . واستطاعت مصر بفضل القوة الناعمة أن تنتصر في كافة المواقف التي التى تعرضت لها؛ لأنها بحكم انتمائها العربى والإسلامى وانتمائها الإفريقى تستطيع الدفاع عن مصالحها دون اللجوء إلى القوة العسكرية واللجوء للحيل السلمية التي هي أدوات تنفيذ للقوة الناعمة ؛ والتي ولا شك أن اللجوء إلى القوة الناعمة أمر لا لابد منه إذ أن مصر- هي الآن- من أكبر القوى العالمية المؤثرة فى صنع عناصر السلام ليس في المنطقة العربية فحسب بل وفي والاستقرار العالمى.ولما كانت السياسة محصلة الثقافة تطلب حضور مصر السياسى فى المحافل الدولية، وأداء دور متميز فيه، يتطلب أن يعتمد هذا الأداء على رصيد من الإبداع والثقافة ،وتعتمد المشاريع الوطنية علي توافر أدوات وصيغ القوة الناعمة فكما انتهج محمد علي نهج استغلال القوة الناعمة في بناء مصر الحديثة، استطاع الرئيس عبد الفتاح السيسي باستخدام القوة الناعمة بالنهوض بمصر بعد مرورها بثورتين حيث يركز علي صناعة التعليم والفكر والصحة ، وسوف تجني مصر من جراء هذه الطفرات مكاسب كبيرة قرب حلول عام( ٢٠٣٠) ضمن خطة التنمية المستدامة .