يثير الجدل في هذه الأيام عن الحصانة البرلمانية وقرب تنفيذ الاستحقاق الأخير لخارطة المستقبل ، فبالرغم من وجود الحصانة في جميع برلمانات العالم إلا أن التاريخ المظلم للحصانة في مصر دفع الكثيرون للمطالبة بإلغائها ، فقد استغل بعض النواب السابقين خلال العقود السابقة تلك الحصانة للتهرب من التجنيد ، والتهرب من الضرائب والحصول على القروض وتهريب المخدرات الذين أطلق عليهم سابقاً ( نواب الكيف) كذلك اقتحام أقسام الشرطة ، والحصول علي قروض وأراضي .
كما عاصر مجلس النواب أيضا من عرفوا بـ ( النواب الصايعة ) والذين دأبوا على أن يكون لهم تواجدا شعبيا إيجابيا بين أبناء دائرتهم الذين أعطوهم أصواتهم، فمنهم من حرص على اعتلاء خشبة المسرح وإنتزاع الميكرفون للصياح بأعلى صوته ( سلام مربع للجدعان، وسلام خصوصي لأبن الدايرة ) ، بل إن الأمر وصل ببعضهم للرقص بالسنج والمطاوي أمام الراقصات . وكانت أخر فضائح الحصانة وأغربها النواب الذين عُرفوا بنواب ( العلاج على نفقة الدولة ) الذين أهدروا مايقرب من مليار جنيه على الدولة وكل ذلك تحت مظلة ( الحصانة البرلمانية ) كما لا ينسى البعض بأن دورة برلمان 2005 م كان يضم قائمة من الأعضاء المتهمين في قضايا جنائية وأخلاقية وتأديبية وبلطجة ..الخ الذين لوثوا سمعة المجلس الموقر بسبب قضاياهم المختلفة والمخجلة . فالحصانة البرلمانية هي نوع من الحماية القانونية والسياسية التي تكفلها الدساتير لنواب الشعب ، ليتمكنوا من عرض أفكارهم كاملة في البرلمان دون خوف من تأثير السلطة التنفيذية. ولكن لكثرة القضايا التي تورط فيها بعض نواب البرلمان السابقين والتي لا صلة لها بمهامهم النيابية التي منحت لهم من أجلها الحصانة البرلمانية ، لذلك يطالب البعض برفع تلك الحصانة ، لأنه في حاله رفعها عن أعضاء المجلس ستمنع كثيرين من أصحاب المال ورجال الأعمال والمفسدين من الترشح لعضوية البرلمان ، بل سيفتح الباب أمام المخلصين الشرفاء والمؤهلين من أصحاب الفكر والسياسة لتقديم خدمات للوطن بلا مقابل أو منافع شخصية .
لقد عبر بعض النواب الفائزين والجادين في السنوات السابقة عن رغبتهم في إلغاء الحصانة لكونها الضمانة لبرلمان سليم ومنهم الدكتور / سمير غطاس المرشح الفائز بجدارة من الجولة الأولى على مقعد الفردي بدائرة مدينة نصر ، حيث قال نصاً وحرفاً : بأنه سيتنازل عن الحصانة في أول جلسة لمجلس النواب المقبل.
وحسب رؤيتي الشخصية بأن التجربة أثبتت أن منح أعضاء البرلمان حصانة ، أدى إلى ارتكاب البعض منهم مخالفات عديدة بسبب عدم تعرضهم للمساءلة القانونية ، كما إن الدعوة لإلغاء الحصانة عن نائب البرلمان يعتبر مطلبا معقولا في تلك المرحلة من أجل القضاء على استغلال بعض النواب لهذه الحصانة لتحقيق مكاسب شخصية ، وخدمة أهدافه الخاصة ، منوهاً إلى أن الأصل فيها هي حماية عضو مجلس النواب تحت القبة ، ليتمكن من القيام بدوره في الرقابة وفضح الفساد المستشري ومناقشة وإصدار القوانين والتشريعات.
وبناء على ما تقدم سرده نجد هناك اختلاف وتباين في الآراء بين قيادات وممثلي القوى السياسية ورجال القانون حول فكرة إلغاء الحصانة البرلمانية لأعضاء مجلس النواب ، ففي الوقت الذي أيد فيه البعض الفكرة، مبررين ذلك بأنها أدت لارتكاب مخالفات في الدورات السابقة ، رفضها البعض الآخر . وإزاء ما تم سرده نفضل إلغاء الحصانة البرلمانية خارج البرلمان لغلق أبواب الفساد أو ما يسمى بالحصانة الجنائية والاكتفاء بالحصانة تحت القبة فقط، . حتى ولو أدي الأمر بإجراء تعديلاً دستورياً ، لأن هناك بعض النواب تعودوا على استغلالها لتحقيق منافع غير مشروعة ، والتعامل مع أجهزة الدولة التنفيذية على كونها ملكية خاصة لهم .
وأخيراً : نتطلع بأن يكون البرلمان القادم برلماناً قوياً ونموذجاً مشرفاً ، وأن يُصدر حزمة من التشريعات الإيجابية ومعالجة القضايا الحيوية التي تعود على الشعب المطحون بالخير والرفاهية . فمازال في ذاكرتي شكل الدورات البرلمانية السابقة وخاصة فترة حكم الإخوان الأبالسة التي شعرت فيها بالمرارة والإحباط من مستوي تدني أسلوب الحوارات من البعض أثناء الجلسات العلنية التي يطلق عليها باللغة العامية ( الردح بالصوت الحياني ) ناهيك عن الشتائم والسباب ، ومناظر لبعض الأعضاء وهم شاردين أو شبه نائمين ، بالإضافة إلي المحادثات الجانبية لبعضهم لبعض أو استخدام الهواتف النقالة ، أو قزقزة اللب والفستق دون ضابط أو رابط ، بل وصل الحال بقيام أحد النواب برفع حذائه على نائب أخـر .
بقلم : ألبير ثابت فهيم
أخبار متعلقة :