تحدث إلي أحد الأساتذة قائلًا: يا دكتور إبراهيم أنت رجل كاتب، و لك جمهور يتابعونك، لِمَ لا تكتب عن وضعنا الحالي من تردى أحوال المعيشة؟
فقلت له: أفكر في ذلك مرارًا و تكرارًا، ولكن كانت لدي أفكار تخلج في بصيرتي، كنت راغبًا في استكمالها بالشكل الصحيح، و في الحقيقة ما نعيش فيه نحن اليوم من أزمات متعددة تهدد الوضع النفسي الاجتماعي للشعوب العربية لا نجد له حلًّا للأسف، و أبرز هذه الأزمات هي جائحة الكورونا التي عجزت الدول الأوربية الكبرى عن إيجاد لقاح للسيطرة علي هذه الوباء الفتَّاك الذي تُوفي الكثير بسببه، وتوفي الكثير من الخوف منه، و سبب انهيارًا في الوضع الاقتصادي والعلمي في شتى البلدان.
و كذلك إحدى الأزمات التي أتعبت الشعب الليبي خاصة هي أزمة الانقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر مما أدى إلى توقف المصالح العامة للخدمات، وكذلك الأمور الشخصية، و ولذلك ترتفع درجات الحرارة، و يُعرَّض المرضى إلى الخطر، وتتلف الأدوية بسبب ارتفاع درجة الحرارة وانقطاع الكهرباء.
انقطاع التيار الكهربائي تسبب في إثارة الفوضى في البلاد بسبب أصوات المولدات الكهربائية التي يضطر الناس إلى تشغيلها لتأدية مصالحهم الشخصية، مثل: المحلات و المؤسسات و غيرها فإذا لجؤوا إلى هذه المولدات فهم يحتاجون إلى المواد النفطية، مثل :البنزين و النافته لتشغيل هذه المولدات، وللأسف أصبحت هنالك أزمة في هذه المواد النفطية أيضا! مما يؤدي لانقطاع التيار الكهربائي، وعطل سير السيارات الناقلة و تأخر توريد المياه اليي هي شيء أساسي في حياتنا؛ فأصبح الناس يشترون المياه لسداد رغباتهم من الشراب و الغسيل، و كذلك نقص السيولة الذي قد يتسبب في فقر المجتمع، و يجعل الشعب يلجأ إلي المرابحات و الرِّبَا و السوق السوداء.
فإذا ضربنا مثلًا عندما تريد إخراج ألف دينار يأخذ منك مكتب الصرافة ألفًا وخمسمائة بمقابل أن يعطيك ألف دينار، و هذا الأمر ليس بإنساني، وما هو إلا عمل استغلالي في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد لمَ لا تراعون ظروف الناس و تساعدونهم في محنتهم؟!
و كذلك الأزمة في الأدوية، وأصحاب الصيدليات و ينتهزون الأزمات و يرفعون أسعار الأدوية، وكذلك المصحات الطبية الخاصة ترفع أسعار الحجز، و من ثم الوصفة الطبية و الفحوصات و كل هذه الأشياء ترتفع أسعارها بتكاليف هائلة، ثم هم يلقون اللوم على ارتفاع الدولار، وحين نتجه إلي قطاع الصحة العام إنهم يعانون من قلة الإمكانيات من نقص الأدوية و المستلزمات الطبية و المعدات، و أحيانا عدم توفر الطاقم الطبي نفسه، أذكر في ذلك السياق أن ابن أخي تعرض لبطء في عمليه التنفس الطبيعي ذهبت به إلى المشفى؛ فقال لي الطبيب: إنه يحتاج الأكسجين الاصطناعي. فقلت له: افعل .. ماذا تنتظر؟! فقال: لا، ليس لدينا.. اذهب و اشترِ هذه الوصفه الطبية من صيدلية خاصة و لما ذهبت تفاجئت بالسعر الهائل! و لكن اضطررت لشرائها كي انقذ ابن اخي !
اعمل بإخلاص أيها الطبيب؛ فصحة الناس أمانة في عنقك.
و حتى المقاهي والمطاعم والفنادق السياحية هي الآن ليست لكل النزلاء و إنما لرجال الاعمال فقط لأن المواطن من الطبقة متوسطة المعيشة لن يستطع دخولها أبدا . و لو نتطرق بحديثنا إلى الجامعات الخاصة يرفضون دخول الطالب للامتحان النهائي للفصل الدراسي؛ لأنه لم يدفع الرسوم المالية؛ فكيف أنتم تطلقون على أنفسكم لقب المعلمين و المربين و لم تقتدوا بالمعنى المقصود منها؟!
و كذلك أزمة بطاله الشباب . عندما أجرينا دراسات علمية عن سبب البطالة اتضح لنا أنه بنسبة 79 % لا توجد وظائف للشباب، و للعلم هنالك نسبة كبيرة من الشباب خريجي الجامعات و من يمتلكون الشهادات العلمية العليا و لم يحصلوا على تعيين وظيفي، و نجدهم حاولوا أن يتطرقوا إلى لعمل الحر أو سائق تاكسي كي تسير عجلة الحياة على ما يرام . و كذلك أيضا نجد بعض الشباب ممن يتسكعون في الشوارع و الطرقات منهم من يحافظ على مبادئة و يرضى بنصيبه، و منهم من انحرف و توجه إلي تعاطي المخذرات و والداه يحاولان إقناعه بالطريق السليم، و منهم من يرغب في الزواج و لم يستطع، فهنا السؤال يطرح نفسه إلى متي سيظل الشباب على هذا الحال ؟
و كذلك أزمة اللحوم و الخضروات و المواد الغذائية و المواد الكهربائية، لا يراعون الفقراء والمساكين بستثناء القليل منهم ، كُنا نتفقد جيراننا هل لهم من طعام في هذه الليلة ، و الآن انقسم الناس إلى قسمين، منهم من يراعي ظروف جارهِ و يستحيي أن يراه قد اشترى الطعام، و الآخر يقول: نفسي نفسي، لا يهمني غير نفسي.
أين الإنسانية يا عرب؟! لمَ ضيعتمونها من بين أيديكم؟! و بِعتُم ضميركم و اشتريتم الاستغلال؟!
ياليت هذه الأزمات الاقتصادية و غيرها ظلت هي فقط، و لكننا نعاني من أزمة وهي أشد الأزمات و هي أزمة ضياع الإنسانية و الأخلاق و الجهل و التخلف و عدم الوعي. حتى المثقف و المتعلم نجده مغرورًا و متعجرفًا لمَ فعلت ذلك أيها المثقف؟! أَوَلَمْ تعلم إنك قدوة لمن أراد الاقتداء.
و الأزمة الاخري التي نعاني منها هي أزمة من يأخذ بأيدي الناس إلى طريق الصواب فقد أصبحوا قلة، الذين ينقظون الغارقين من غيبوبة الجهل، و الكثير منهم يعمل دون ضمير ثم أصبحوا معلمي الأجيال يحتاجون إلى من يرشدهم إلى الخير.
في الختام أقول ارحموا كي تُرحموا
بقلم الدكتور / إبراهيم محمود هارون
أخبار متعلقة :