كانَ الجو غائمًا جداً رغم أن الوقت كان ضحى، اهتزَّت أغصان الأشجار وجريد النخيل العالي أصبح كطواحين الهواء يتحرك سريعاً بينما هو ثابت في مكانه، دمعات رقيقة نزلت من السماء العالية تخبر أن هناك رياحًا قوية في الطريق إلينا ولكن من أي اتجاه؟ نحن لا نعرف سوى الانتظار حتى تظهر الأشياء جلية، نحن لا نعرف مصدر الرياح من أين تأتي من الشمال أم من الجنوب أم من قاع البحر أم من عند السماء ولكن الوضع لا يبشر بالخير أبداً. ولكن كان عليّ أن أسرع لإبلاغ البقية لأخذ الاحتياط اللازم من عواقب المطر أو هبوب رياح شديدة فلا زالت الصوامع غضة طرية. والقمح منتشراً في الحقول والتبن سوف يطير مع الرياح أينما ذهبت.
ولكن لو أسرعت لأوقظهم فسوف يهاجمنا الوقت ولا أحد ينقذ شيء، إن ذهبتُ بمفردي لا تنجدني يداي وحدي ولكن أين هم الأن هل هم لا يشعرون بأي شيء رغم كل هذه الدلالات. لابد وأن أتخذ قراري الآن. نعم سوف أجري إلى مخازني وصوامعي وآخذ كل التدابير اللازمة وأن تبقى الوقت ذهبت لأخبر الباقيين وأقدم لهم يد العون، على أن يبدأوا في أخذ التدابير وجريت مسرعاً نحو الحقول وشاهدت أحدهم وأخبرته أن يسرع ويخبر الأخرين لأخذ التدابير، لا زال هناك الوقت لتجميع البشر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ضحك الرجل ويبدو أنه لَم يبال بكلامي، لكن استكملت مسيري ووجدت الآخرين على نصبة الشاي جالسين ويحتسون القهوة والشاي والشيشة. أخبرتهم كانت ألعابهم وطلباتهم من المشروبات أهم.
لَم أكترث أكثر قررت متابعة الجري إلى أن بلغت حقولي ومخازني وفرشت الأغطية على أجران القمح وأكوام التبن ثم ذهبت إلى مخازني وكانت الصوامع كبيرة وجميلة وجديدة ولكن ماذا أفعل لها كيف أتدبر أمرها. حاولت قدر الإمكان وضع الحجارة بجوارها لتمنع هجمات الرياح أو هطول المطر الشرس. وتمر بضع ساعات حتى انتهيت من تأمين حقولي وأجران القمح وأكوام التبن وكذلك كنت أتابع المخازن والصوامع الجديدة.
و أخيرا بدأت الرياح تهب خفيفة و تزداد بين اللحظة و الأخرى و لَم تعط الأمطار إشارات أخرى فأحسست بالاطمئنان جداً و شعرت أن الأمور سوف تسير على ما يرام، لكن انتظرت قليلًا من الوقت و عندما قررت الرحيل بعد أن أرتاح بالي فبمجرد ما أن عرجت إلى أخر الحقل حتي هبت الرياح شديدة و ازدادت شدة و اكفهر وجه السماء و نزلت الأمطار , لكن لَم تكن قوية و لا مرعبة ,
لكن الرياح حملت كل الأغطية و طارت بها عاليًا فتناثرت أكوام التبن و ذهبت مع الرياح و كانت الرياح أشبه بعاصفة تحمل أسرابًا لا حصر لها من الجراد و اشتدت الأمطار على جرون القمح فصنعت أودية و مجارى مائية بين أجران القمح و غرق القمح وسط الحقول الموحلة وابتلعتها الأرض الموحلة وصرخت الجيران أن يأتوا للمساعدة لَم يتقدم أحد و أنا أتوسل إليهم تعالوا و هم لا يحركون ساكناً ؛ لكن لمحت في الأفق فكرة و عرضتها على الفور فقلت تعالوا و خذوا الحنطة ما استطعتم إليها سبيلاً فكلها لكم . الأفضل أن ننقذ الأرض للعام القادم بدلاً من أن يغرق القمح وتفسد الأرض.
تقدم البعض وتراجع الأخرون وظلوا واقفين متفرجين وأنا أتحسر علي دمار الأرض، لحظات و أسمع صوت فرقعة مكتومة و أذ بالصوامع الجديدة قد انهارت و المخازن قد دمرت فماذا أفعل؟ الأجران غرقت والصوامع والمخازن هدمت ولَم يكن هناك فرصة، كيف لقد أخطأت في تقدير المواعيد جددت المخازن الجديدة وهدمت الصوامع الصغيرة القديمة. شيدت الجديدة، لَم أعن بالمواعيد يا للخسارة كانت المحاصيل وفيرة جداً فقد اشتريت كل زمام الأرض ولَم يبق للجيران إلا القليل والذين احتفظوا بحقولهم ومخازنهم العتيقة ونجحوا مسبقاً في تشوين كل محاصيلهم مبكراً نجوا من هذه الكارثة ولهذا لَم يبالوا.
في الضحى عندما أخبرتهم بقدوم الريح ولكن الأرض الشاسعة الأن أصبحت أوحالًا وأكوامًا من الطين تحوي التبن والقمح والبوص والمخلفات الزراعية صنعت منها تلاً عظيماً وأغرب ما في الأمر أن أصبح يمر من خلاله مجرى مائي كانت الأمطار لاتزال تتساقط عليه. هدأت الأمطار التي لَم تكن غزيرة أبداً وقلت سرعة الرياح التي أعتدنا عليها منذ القدم ولا يشوبها أي تغيير ومرت الأوقات طبيعية جداً ولازال الفلاحون الفرحون يلعبون عند نصبة الشاي ومنهم من كان يحصد البرسيم للمواشي وآخرون يبتاعون أغراض بيوتهم وأنا هنا أنتظر وأتأمل أن تكون التلال في أرضيّ الشاسعة وقد حلقت طيور البوم والغربان تصطاد أفواج الفئران الهاربة من صوامعي الجديدة.
الاسم / سامح أدور سعدالله – مصر
أخبار متعلقة :