أنا موجود فأنا أفكر ، ومن حقي أن أدون ما أفكر فيه ، حتى وإن بدا غريبا على البعض ، فأنا متأكد أن البعض الآخر والأكثر سيفهم ما أقصده ، المقصود من الصفر العقلي ، أنه الدرجة العقلية التي يولد عليها كل البشر ، وهي الدرجة المعلقة التي تقترب أو تبتعد بين السلوك الحيواني ومبادئ الإدراك البشري ، وأقول " ادراك " وليس فكر لأن الفكر لا يكون موجودا في هذه المرحلة ، وأضع خطا أسفل " مبادئ " ، لأن الإدراك البشري أيضا لا يكون قد وصل إلى مرحة الكمال ، لكنها " مبادئ فقط " . جميع الدراسات تقول أن الطفل حتى سن الثامنة وقد ترتفع إلى العاشرة لا يكون مسئولا عن تصرفاته ، وهذه نلاحظها كثيرا وخاصة الآن ، فكم من أطفال قتلوا أنفسهم ببراءة بعد أن شاهدوا عبر الشاشة البطل في أحد الألعاب يلقي بنفسه من النافذة ولا يصيبه أي خدش ، أو هذه الألعاب الاكترونية التي تنتهي بأن الطفل يشنق أو يؤذي نفسه ، ولقد حدثت كثيرا خلال الشهور اللماضية . هؤلاء الأطفال بالتأكيد اندفعوا إلى أذى أنفسهم بحكم لا مسئولية إدراكهم ، فهم كما قلت في درجة الصفر العقلي الذي لم يتعدى مبادئ الإدراك البشري ويقترب لأسفل من السلوك الحيواني ، هؤلاء الأطفال مهما فعلوا فلا مسئولية عليهم لأنهم حتى في درجة الصفر العقلي لم يصلوا بعد إلى مبادئ الأدراك البشري الكامل . لكن المشكلة بل المآساة بل الكارثة أن يكبر الطفل ويصل إلى مرحلة الرجولة ويتعداها إلى الكهولة ثم إلى النهاية وهو لا يزيد فكره عن درجة الصفر .
البعض قد يحاول أن يزعزع وجودية الصفر العقلي ، بالرغم من اعتقادي اعتقادا راسخا بأنه قد يكون نصف بشر العالم إن لم يكن أكثر يحكمهم هذا الصفر ، وغالباً الأغلبية تقع في دول العالم الثالث ، ففي كل دولة على مستوى العالم ستجد العقل الصفري تزداد أو تنقص نسبته حسب البيئة ودرجة التعليم والثقافة وفكر الإنسان نفسه وقد يتدخل الفكر الديني أحياناً بالسلب أو بالإيجاب.
من حيث كينونة الصفر العقلي حسب التاريخ الزمني فهو موجود منذ بدء الخليقة وقد تكون نسبته في القدماء أضعاف أضعاف الموجود الآن . وقد يكون أول من حصل على درجة الصفر العقلي بامتياز هو " قايين " الذي قتل " هابيل " وقد تكون هذه أول جريمة قتل في التاريخ ، أنا في الحقيقة قد ألتمس له العذر ، فمن الجائز أنه لم يكن يعلم ما هو الموت ، فربما حين ضرب أخيه لم يكن يقصد قتله لكنه اعتداء ناتج عن غضبه الذي تولد من حقده وحسده كانت نتيجته الموت ، لكن أيضا استبعد هذا الفكر لأن هابيل كان يعمل بالصيد ومن المؤكد أن قايين شاهد أن الحيوانات التي كان يصطادها كانت تموت باستخدام وسائل الصيد التي كانت موجودة في ذلك الوقت ، أو على الأقل حتى لو استخدمت وسيلة للصيد لم تؤدي إلى قتلها فمن المؤكد بعد ذلك كانوا يقتلونها بأي وسيلة للانتفاع بلحمها وجلدها ، عموما أن قتل هابيل جاء نتيجة العنف من جانب أخيه الذي أفضى إلى الموت ، وسلوكيات قايين تقول أنه لم يخرج عن الصفر العقلي الذي اقتربت درجته من السلوك الحيواني . إن الصفر العقلي بتطبيقه على الإنسان والذي قلت أنه درجة معلقة بين السلوك الحيواني ومبادئ الإدراك البشري يطالبنا بأن نوضح كيف يعيش به البعض من البشر طوال حيواتهم ، فلو تركنا الحد الأدنى الآن منه وهو السلوك الحيواني وذهبنا إلى مبادئ الإدراك البشري ، وهي أعلى درجة يمكن أن تتحقق من خلاله ، فلن نندهش إذا عرفنا أن هذه المبادئ ، هي التي تحقق لمن يحمل درجة الصفر العقلي أن يحافظ على حياته ، فهو يعرف أنه لو عبر الطريق والسيارات تسير عليه يمكن أن تصطدم به وتقتله ، وأيضا أنه لا يجب أن يقف أمام القطار ، أو يلقي بنفسه في النار ، أو أنه عندما يشعر بالجوع يجب أن يأكل أوالظمأ فيشرب ليعيش أو يعاشر النساء لينجب حتى لو كانت هذه المعاشرة بطريقة حيوانية إلى حد كبير ، أو أنه في حالة الحاجة إلى قضاء حاجته ماذا يفعل حتى وإن كان يفعلها بطريقة لا تخرج عن السلوك الحيواني في العراء ، وتوجد بعض القبائل الأفريقية حتى الآن يعيشون عرايا بدون ملابس ، فالرجل يمكن أن يبول وهو سائر ، ويمكن أن يتلاحم الذكر والأنثى ويصعدون إلى أعلى شجرة يتلويان عليها كالثعبان ليمارسا الجنس ، إذن مبادئ الإدراك البشري هي التي تعطيهم كيف يعيشون حياتهم حتى لو كانت بطريقة بدائية ويظلون عليها حتى النهاية . الصفر العقلي يعطينا مفهوما جيدا عن أسلوب تعامل الله مع البشر قديما ، كانت معاملة قاسية لأنهم لم يحاولوا أن يزيدوا مقتنيات عقلهم أو فكرهم عن الصفر العقلي ، وأبسط الأمور في إسلوب عبادتهم التي كان يحكمها الضمير الذاتي أو حتى بعد أن كان الأنبياء ، كم من المرات يبدلون عبادتهم من عبادة الله الذي كان يوضح لهم ذاته وقدراته من خلال الأنبياءوالأعمال فيسيرون على الصواب فترة ثم سرعان ما ينقلبون إلى البعل والأصنام ، كيف يمكن أن يكون لإنسان فكراً يجعله يقدم ابنه مشويا في جهنوم للآلهة ، إنني عندما أقرأ في تاريخ البشر القدامى أتأكد بأن الجميع لم يخرجوا عن الصفر العقلي ودرجته التي تقترب بل تلامس السلوك الحيواني ، لكن هذا كان وقتهم ، لكن ما هو المبرر أن ينتقل هذا الصفر العقلي خلال الأزمنة الطويلة ليظل معنا حتى الآن ، بالرغم من التطور الرهيب الذي حدث ، معقول أن يصل بعض البشر إلى القمر والمريخ وبعض البشر لا يزالوا يعيشون بالصفر العقلي دون أدنى تقدم فكري ، هل من المعقول أن نرى هذه الانجازات البشرية الرهيبة في كل مجال وقد أبدعت فيها العقول وقفزت حتى الحدود العليا من الفكر الذي يبدوا أن الله قد تركه مفتوحا أمام من يحب النبوغ ، والبعض الأخر يعيشون على الصفر العقلي بل أنهم كثيرا ما يشتاقون إلى الهبوط لأسفل حتى يلامسون أقل درجاته وهي السلوك الحيواني، لا أستغربها وأمثلتها أمام عيني كل يوم بل كل لحظة وتنبئ أنها ستسير إلى الغد وبعد الغد أيضا ، لان التطور الفكري لا يأتي بين يوم وليلة ، ولا يأتي من تلقاء نفسه ، لكن باختيار البشر أنفسهم ، وكما ذكرت ، حتى الآن يوجد الكثيرين الذين استساغوا الركود والجلوس في دائرة الصفر العقلي وكأنهم ينظرون إلى الدرجة الأعلى كما لو كانت مرضا أو وباءً أو قنبلة قد تنفجر في وجوههم . الصفر العقلي كائن في مجتمعاتنا حتى هذه اللحظة ولا يوجد ما يمنع من وجوده غداً وبعد الغد والله أعلم ، لكن التركيز كله على وجوده الآن وبصورة بارزة كجدارية ضخمة لصورة قبيحة فجة تؤذى النظر في الذهاب والمجئ ، وعندما أقول مجتمعاتنا المقصود منها كل المجتمعات البشرية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، فليس معنى أن بعض المجتمعات برزت فيها العقول وأبدعت الأفكار أنها خالية من الصفر العقلي ، بل هو كائن ، وعلى سبيل المثال ، الصورة المكشوفة أو الجدارية القبيحة والسلوك الإنساني الشائن الذي نراه في بعض الدول التي بلغ فيها التقدم إلى ذروته متمثلة في العلاقات الجنسية الشاذة ، بشر عادوا إلى الصفر العقلي القديم لهؤلاء الذين كانوا يبدلون العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة إلى علاقات مثلية شاذة وقد هبطت عن السلوك الحيواني نفسه ، لأننا لا نجدها في الحيوان وكأنه يعف أن يأخذ درجة الصفر في مثل هذه العلاقات المشوهة بين الذكر والذكر والأنثى مع الأنثى وغيرها من الصور التي تقول بل تصرخ أن كل من يفعلها من المؤكد أنه يعيش فقط على مبادئ الإدراك البشري من أجل الإبقاء على الحياة ، أما السلوكيات فلم تزد عن مستوى السلوك الحيولني . أنا لا أدعو إلى نبذهم عن المجتمع ، لكن أطالب بعلاجهم النفسي أو الجسدي ، وبهذا العلاج يمكن أن ترتفع الدرجة الفكرية إلى ما فوق الصفر العقلي الذي دفعهم إلى هذا السلوك . إن من يتابع سلوكيات البشر في كل المجتمعات باختلاف أماكنها لا بد وأن يصطدم بالصفر العقلي ، فالذين حتى الآن يتمسكون بالثأر في جنوب صعيد مصر ، وغالبا ما يكون على أتفه الأسباب ، أعتقد أنه لا نقاش في صفرهم العقلي ، فكر من المستحيل أن يكون قد قفز خارجه ، هو كما هو منذ جريمة قايين مع أخيه هابيل ، وربما يزيد ، جريمة تبدأ بمقتل بشخص واحد لأي سبب وغالبا ما يكون تافهاً ثم تمتد إلى وقوع المئات من الذين ليس لهم ذنب ولا جريرة ، وقد بلغ الانحطاط الفكري بعقولهم أنهم قد ينتظرون المولود حتى يأتي ليأخذوا بثأرهم منه ، اليس هذا شيئا مضحك وكأننا نشاهد حيوانات تقوم ببعض الحركات بالتدريب وليس بالفكر العقلي . كيف لا يكون الصفر العقلي موجودا في هؤلاء الذين حتى الآن يرفعون شعار " الله أكبر " للحصول على موافقة منه للقتل والذبح والتدمير وبوهيمية الجنس ، إن الموضوع لا يحتاج إلى نقاش أو تجميل أو تورية أو خجل أو كسوف ، لا بد أن يعترف الجميع بأن الفارق الوحيد بينهم وبين بشر العالم البدائي لا يختلف حتى لو حصلوا على أعلى الشهادات ، وهم بالفعل يحصلون !!، كيف يحصلون عليها ؟!، السبل المزيفة كثيرة ، لغز كبير قد يكون حله في يد من منحهم هذه الشهادة ، ليفسر لنا كيف تصل البشاعة بمن يطلق عليه " بني آدم " ، أن تمتد يده إلى عنق آخر ليذبحه ذبح الشاة أو البهيمة ، وهذا ما يدفعني للتفكير بأن العقل الذي جعلهم يستوعبون بعض العلم الذي أهلهم للحصول على شهادة هو عقل شيطاني بحت يسكنهم ، لكن العقل البشري الخاص بهم لا يزيد عن الصفر العقلي القريب جدا من السلوك الحيواني وهو الذي يسيرهم في الحياة ، ولماذا نذهب بعيدا وسلوكياتهم القائمة على البدائية واضحة جدا حتى في إسلوب قضاء حاجتهم التي يستخدمون فيها البوصلة في الخلاء ليغوطون في جهة مخالفة للقبلة ، سلوكياتهم في إسلوب تناول الطعام بإيديهم ، في إسلوب تعاملهم مع النساء بطريقة بهائمية ، هؤلاء في المجتمع الآن ولا نتحدث عن قصة خيالية أو المجتمع البدائي الذي كان ، كيف تحدث هذه المجادلات التي نراها في كل مناسبة دينية والتي يتبناها بشر حاصلون على شهادات عليا بأن التهنئة بالعيد للعقائد الأخرى حرام ؟! ، ما هذه الفتاوى التي لو سمع بها الجنين في بطن أمه لقهقه ؟!. يجب أن يعترف العالم الآن بأن الصفر العقلي موجود في الكثير من البشر ، في كل القطاعات وفي كل الجهات ، وهم الذين يسوقون العالم نحو الخراب ، الموضوع يجب أن يُأخذ بجدية قبل أن يستفحلوا في كل سلوكياتهم التي أصبحت شاذة وغريبة وكأننا نعود إلى بدء الخليقة وتكوين العالم ، لا يجب الانتظار حتى يخرج علي العالم أكبر صفر عقلي مثل هتلر ونازيته التي تسببت في موت الملايين والتي حرقت اليهود في الأفران ، أو الدولة العثمانية التي أبادت الأرمن ، أو هؤلاء الذين صلبوا المسيح . الآن أنظر إلى العالم وأنا لا أعرف إن كنت سأنظر إليه غداً أم لا ، لكن سأتحدث بما أراه الآن ، وبالميزان الذي أزن به سلوكيات البشر وإلى ما وصلت إليه وما تُنبِأَ عنه مستقبلا ، بكل الأسف أقول ، أن الصفر العقلي الذي بدأ به التاريخ وهو قتل قايين لهابيل وما تلاه من سلوكيات في كل الاتجاهات والكائنة أمامنا الآن لن يتوقف ، هو نفسه الذي سيكون غداً وسيظل حتى نهاية التاريخ دون شطوح أو مبالغة في الظن ، ليس من الضروري أن يكون العالم الذي وصل إلى هذه التكنولوجيا شبه المعجزية وما سيصل إليه مستقبلا من تقدم أكبر ، أن نفترض أنه سيلغي الصفر العقلي للكثيرين ، سيظل موجودا وحتى النهاية بصورة قد تزيد عن قديمه ، وأن هؤلاء البشر الذين يحملونه ستزداد نسبتهم وأعدادهم إلى الأكثر ، ستتحول العقول إلى ماكينات مبرمجة من حيث العلم والقدرات ، وفي المقابل ينحدر الفكر البشري كسلوكيات إلى أسفل وأسفل ، لا تندهشوا فلست بمخمور ولا فاقد العقل ، فقط ضعوا بعض الفكر في رؤوسكم وانظروا إلى الخلفيات التي تحدث الآن وليس إلى الواجهات المبهرة لتعلموا أنه إذا كان العالم يتقدم علميا على يد البعض القليل ، فالفكر البشري الإنساني يتأخر كثيرا على يد الكثيرين ، وما أعتقده تماما وأتنبأ به أن نهاية العالم ستأتي على يد أصحاب الصفر العقلي ، سيتركهم الله كي يفنوا بعضهم البعض حتى ينتهي العالم كله ، فلقد أصبح الفساد عنوانا كبيرا ، والصفر العقلي سينتشر انتشار فيروس الكورونا !!!!.
إدوارد فيلبس جرجس
********************
أخبار متعلقة :