كان العام المالى ٢٠١٩/ ٢٠٢٠ نصفه الأول قصة فى النمو والتنمية المصرية على جبهات عدة واعدة ومعطاءة، ونصفه الثانى رفرفت فيه جائحة الكورونا بما فيها من بلاء ووعود بالهلاك. كان على النصف الثانى أن يأخذ، ليس فقط من النصف الأول وإنما من رصيد من التراكم التنموى خلال ست سنوات من العمل الشاق. الآن علينا أن نبدأ عاما جديدا ٢٠٢٠/ ٢٠٢١، وعلى النصف الأول منه أن يعوض الكثير مما جرى خلال النصف السابق عليه حتى يستقيم ميزان التنمية فى مصر، ويكون النصف الثانى موعدا للانطلاق، ونبقى القدرة وقوة الدفع باقية ومستمرة وهادرة. مع بداية العام المالى الجديد كان أيضا موعد الانفتاح على الحياة، والعودة إلى «المعتاد الجديد» الذى هو قدر كبير من الحياة الطبيعية مع قدر آخر على الاحتراز والتحوط. لايزال الفيروس يرتع فى كثير من مناطق العالم، يتناقص تأثيره فى بعضها، ويتزايد فى بعضها الآخر، وبينما تعلن دول عن الحالة «صفر» من الفيروس، فإن دولًا أخرى تعلن عن عودته مرة أخرى. وبينما تخرج الإعلانات عن قرب إنتاج اللقاحات وانتقالها من التجارب «السريرية» إلى التجارب على الحالات الحرجة من المرض؛ فإن أخبارا أخرى تقدم معلومات أخرى عن المرض، وأنه لم يعد يصيب فقط الجهاز التنفسى وإنما يمكنه الذهاب إلى أعضاء أخرى من جسم الإنسان، إلى البنكرياس والكبد. الحيرة هنا مشروعة عما إذا كان الدواء القادم سوف يواجه حالات جديدة لم يعرفها من قبل؛ وهل يا ترى سوف يكون على جميع الدنيا أن تبدأ من جديد رحلة للبحث عن لقاح؟!. فى مصر، فإن الحيرة لا تبدو مجدية، فقد كانت لدينا معادلة صالحة جربت من قبل، وهى أنه بإمكان مصر أن تعمل من أجل التنمية بينما تحارب الإرهاب؛ وهذه المرة فإنها سوف تستمر فى التنمية بين تحارب، مع بقية للعالم، الجائحة أيا كان موعدها وشكلها، وأحيانا فوقها أزمات أخرى متنوعة تجرى فى الجوار القريب وتهدد مصالح حيوية لمصر.
قبل يوم من «نصف العام الآخر» تأتى دائما ذكرى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣؛ وبالصدفة البحتة واكب الموعد هذا العام صدور كتاب جديد «الشتاء العربي» لمؤلفه «نوح فيلدمان» من جامعة «برينستون» الشهيرة. من اسم الكتاب نعرف أنه يقف ناقدا من التسمية الشهيرة «الربيع العربى»، فصار الربيع شتاء، وهو فصل يحمل فى الفكر الغربى معانى البرودة الشديدة وتساقط الثلوج وتوقف المحاصيل عن النماء. الكتاب بالطبع فيه الكثير من التفاصيل، ولكن فى عنوانه «حجة» تقول إن الأحداث التى جرت فى مطلع العقد الماضى فى المنطقة العربية كانت فريدة من نوعها، لأن المعتاد فى المنطقة أن أقدارها كانت دائما فى يد آخرين من الغرباء؛ ولكن ما حدث فى الأحداث الثائرة والفائرة فى المنطقة كان أن الجماهير العربية استعادت قرارها إلى أيديها، ولكن، وهذه هى المفاجأة، أنها دارت لكى تسلمها إلى الإخوان المسلمين أو إلى القوات المسلحة أو فى حالات إلى الفوضى والانقسامات الطائفية. الإشارة هنا تعود بنا مرة أخرى إلى الادعاء السابق خلال التسعينيات من القرن الماضى حول ما سمى «الاستثناء العربيطى» من الموجة العالمية الديمقراطية؛ ربما لأن طبائع البلاد وثقافتها هكذا، وأن الشعوب لا تتحمل العبء والثقل الديمقراطى وتعقيداته. ما هو غائب عن الكتاب وبعض العروض الناقدة له هو أن تيارا شعبيا آخر ذهب فى اتجاه الإصلاح الذى يبدأ بتثبيت أركان الدولة، ثم أخذها فى اتجاهات إصلاحية عميقة وصعبة تؤهلها لكى تكون جزءا من المنافسة العالمية. جرى ذلك بقوة فى السعودية والأردن والكويت والمغرب وعمان والبحرين والجزائر، وما زالت تونس تناضل من أجل منع الإخوان من السيطرة الكاملة على الدولة.
فى مصر، ربما كانت بداية هذا التيار الإصلاحى الذى يبدأ بالدولة الوطنية التى دون تثبيت أركانها لا ديمقراطية ولا رخاء ولا قوة خشنة ولا قوة ناعمة يكون لها وجود. هذا التيار لا يزال يدافع عن الدولة فى مواجهة الآلة الإخوانية وتوابعها وأشكالها من الإرهابية والإعلامية لتقويض الدولة من جذورها. فى الأصل الإخوان لا يبحثون عن مواطنين، وإنما عن رعايا يجرى قيادتهم من عقولهم وقلوبهم بنظرة دينية أممية عالمية تتصور عنصريا أنها أستاذة على العالم، وهى الغارقة فى الجهل بالتقدم البشرى فى عموم التاريخ وفى القرن الواحد والعشرين على وجه الخصوص. الكفاح المصرى هنا له أهمية بالغة، وكما حدث فى عصور سابقة فإن النموذج المصرى له تأثيرات واسعة النطاق فى المنطقة العربية كلها. من هنا فإن وقوف المصريين مرفوعى الرؤوس بعد الجائحة واستمرار مسيرتهم للبناء بيد، ومواجهة توابع البلاء بيد أخرى، يجعل ما سوف تقوم به الدولة المصرية خلال الشهور الستة القادمة بالغ الأهمية، ليس فقط لاتزان الميزان فيما يخص العام المالى الحالى، وإنما لاعتدال الأمور فى عصر تجرى فيه التقلبات بسرعة مخيفة دوليا وإقليميا.
بداية «النصف العام الآخر» كانت قيام الرئيس بافتتاح عدد من المشروعات المتعددة بينها قصر ومطارات جديدة تعزز الطاقة الكبيرة لحركة السفر من وإلى مصر؛ وبعد أن كان لدينا فى القاهرة مطار دولى واحد سوف يصير هناك ثلاثة مضافا إليها مطار العاصمة الإدارية شرقًا و«سفنكس» غربًا. استمرار هذا الدفع مع ربطه بما سبق وما سوف يلحق من مشروعات وموقعهم من «رؤية ٢٠٣٠» ترفع الروح المعنوية وتعزز الطاقة الإيجابية فى اتجاه التقدم المصرى بوجه عام. هى مهمة إعلامية من ناحية، ولكنها مهمة سياسية فى المقام الأول لأن الرسالة المصرية الأساسية هى أننا نبنى فى كل الأحوال ووسط كل الأزمات. هى إحباط للقنوات المعادية وما تروجه من أن مصر ما هى إلا جثة هامدة. هناك أمور أخرى بدأت فى مصر لها علاقة بدعم الصناعة، وجذب القطاع الخاص للعب دوره فى عملية البناء الوطنى، خاصة فى تنمية مناطق بأكملها، وربما فى تحديث المناطق العشوائية لمعاونة الدولة فى تقليصها. ولا يقل عن كل ذلك أهمية الإعلان الواضح والصريح، أن مرحلة الكورونا حتى ولو كانت لا تزال بصماتها باقية فإنها ليست قيدا على التقدم المصرى وقوة اندفاعه؛ ولعل إضاءة وتشغيل لوحات الإعلانات على الطرق المصرية، وخاصة داخل القاهرة، ربما تعطى إشارة بدء مرحلة جديدة من العمل الاقتصادى الوطنى. الثابت أن أعمدة الإعلانات مكلفة لأصحابها دون إعلانات، وتخفيض أسعار الإعلانات فيها إلى حد كبير خلال الشهور الستة المقبلة فضلا عن تعويض جزء من الخسائر سوف يعطى جرأة للعمل واندفاعا للإنجاز.
أخبار متعلقة :