بوابة صوت بلادى بأمريكا

مدحت سيف يكتب: دروس حياتية من التنمية البشرية (81- يتمتعون بخيراتها، ويريدون تدميرها!)

الإنسان الذي يملك هدفًا هو إنسان ينظر للمستقبل برؤية الحاضر ويسعي جاهداً إلى تحقيق هذا الهدف إذا كان هدفاً واضحاً ومحدداً ومعقولاً وله سقف زمني معروف لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يتم تحقيق هذا الهدف وما الوسيلة المثلي لذلك؟ تختلف الوسائل باختلاف قناعة الإنسان ومدى قدرته على قراءة المستقبل. لا شكْ أنّ النظرة الإيجابية للحياة تعطي دافعاً قوياً لتحقيق الغاية والتفاؤل عنصر قوي ومهم.

 للأسف هناك مقولة مشهورة ومتعارف عليها بين الناس وفي رأي مغلوط في شقها الثاني وهي (الغاية تبرر الوسيلة)، الغاية أو الهدف أمر مشروع لكل إنسان لكنّ الوسيلة يجب أن تكون وسيلة مشروعه وإنسانية وخالية من التعرّض لكرامة الإنسان ووجوده. فالذي يركّز على القيام بأمر خاطئ ربما يكون خاطئاً للوصول إلى نتيجة إيجابية وتبرير الفعل الخاطئ بالتركيز على النتيجة الجيدة، كيف تكون جيدة وهي قائمة على أرضِ غير صلبة، ومع هذا هناك شريحة من الناس يؤمنون بهذا التوجه لبلوغ أهدافهم من خلال أية وسائل لازمة، مهما كانت تلك الوسائل غير أخلاقية، أوغير قانونية، أو غيرإنسانية. بل يجب أن تكون الوسيلة قانونية وإنسانية وليست الغاية تبرر الوسيلة.

عزيزى القارئ:

تُرى هل من المعقول أن يحصل موظف على ترقية دون وجه حق على أكتاف زملائه في العمل، وهل من المعقول أن يسرق الإنسان لكي يحقق هدفاً من أهدافه، وهل من المعقول أن يقدم الإنسان شهادته ضد إنسان آخر زوراً وكذباً ليكسب شخصاً أو مكان، أو يوضع معلومات غير صادقة في السيرة الذاتية للحصول على وظيفة جيدة؟

في رأيي الشخصي هناك فرق بين سلوك الإنسان وسلوك الدول في الغاية تبرر الوسيلة فعلي الإنسان ألا يرتكب أفعالاً غير صحيحة للوصول إلى غايته، وعليه أن يصل إلى غايته بجهده وتخطيطه والسعي في النور وليس في الظلام وما أكثر الذين يحبون العمل في الظلام ومن وراء الكواليس التي تعشش عليها النرجسية والأنا. 

والغريب أن البعض يطبقون هذا المبدأ عملياً وينكرونه علانية!

أخشى أن نكون جميعنا نستخدم مبدأ ”الغاية تبرر الوسيلة“ بشكل متكرر عبر حياتنا اليومية ويتم تطبيقه من حولنا في كل الوقت دون أن نلاحظه إلا في الحالات التي تختلف فيها أهمية الغايات بالنسبة لنا عن اهميتها لدى غيرنا!

  إذاً، إذا كانت الأهداف صالحة ونبيلة، فمن المهم جداً أن تكون الوسيلة المستخدمة لتحقيقها هي أيضاً صالحة ونبيلة.

وأتعجب أيضاً من هؤلاء الذين تتغير وسائلهم بناءً على ظروفهم من القوة أو الضعف، فقد يسمحون بفعل ما كان يمنعونه سابقاً، ويمنعون ما كان يسمحون به سابقاً!

 

وإزاء الحدث العنصرى، وهو مقتل جورج فلويد على يد رجل شرطة، وما حدث من بعض المتظاهرين من تكسير وسرقات، أعجبنى ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس أنه "لا يوجد عذر أو مبرر للإجرام والنهب"، الذي ضرب عدداً من المدن الأميركية خلال أعمال الشغب العنيفة التي اندلعت خلال الأسبوعين الماضيين، وأضافت "أعتقد دوماً أن أعظم قوة لأميركا هي أننا بلد يمكنك أن تأتي فيه من ظروف متواضعة وأن تحقق أشياء عظيمة، ولقد عملنا بجد واجتهاد يومياً، بالرغم من تاريخنا المؤلم، لوضع لبنة فوق الأخرى لبناء كيان متحد ومثالي بالنسبة لنا جميعاً".

 

وأضافت رايس قائلة: "وأود أن أقول لهؤلاء (خصوم أميركا)، وخاصة في أماكن مثل الصين وروسيا وإيران، الذين ربما يرغبون في استغلال هذا النوع من الدعاية (العدائية السلبية)، يجب الابتعاد عن السخافات."

 وواصلت رايس موجهة كلامها لروسيا والصين وايران قائلة: إن "هذه ليست ساحة (ميدان السلام السماوي في بكين) حيث تم دهس المواطنين، الذين اختلفوا مع الحكومة". ولا يتشابه هذا الحادث مع "غزو شبه جزيرة القرم حيث قامت (موسكو) باحتلال أراضي (يمتلكها) جيرانها. كما أنها ليست الثورة الخضراء في إيران حيث تم قتل المواطنين عن عمد (لمجرد) أنهم لم يتفقوا مع الحكومة الثيوقراطية (حكم الملالي)".

 

ومضت رايس لتقول: "وحتى أود أن أقول لأصدقائنا في الخارج، في أماكن مثل أوروبا، حيث أرى مظاهرات لدعم ما يحدث هنا، شكرا لكم على دعمكم، ولكن يرجى النظر في المرآة"، وأوضحت رايس موجهة حديثها للمتظاهر الأوروبي: "اسأل نفسك، في بلدان بأوروبا وفي جميع أنحاء العالم، ماذا تفعل حيال عدم المساواة العرقية والإثنية لديكم؟ لقد تحسنت أميركا لأننا كنا على استعداد لمواجهة مشاكلنا. وسنواجه مشاكلنا مرة أخرى. ونحن نواجه مشاكلنا الآن".

 

واختتمت رايس قائلة: "إنني لست بحاجة حقاً إلى تلقي محاضرة من جانب فلاديمير بوتين وشي جين بينغ حول الاحتجاج السلمي بينما هم أنفسهم قاموا باستخدام قواتهم لقتل (أبناء شعوبهم) لمجرد تعبيرهم عن رغبتهم في انتقاد الحكومة. إن هذا لا يحدث هنا (في الولايات المتحدة)."

 

لكن الشطط فى الغضب إذا تعدى إلى تخريب الممتلكات، وطغيان الفوضى، والسلب والنهب، وإشعال الحرائق، وتهديد الأبرياء والعدوان عليهم، لم يعد غضباً فى حالة شطط.. فلقد انتقل عندئذ من الغضب المفرط إلى المؤامرة المنظمة والتخريب المخطط.


عزيزى القارئ، لا يمكن أن تغضب لكرامة الإنسان وأنت تدوس كرامة الإنسان.. ولا يمكن أن تنفجر وأنت تدافع عن الحقوق فتحرق فى انفجارك كل الحقوق، الأمر هنا قد تعدى تماماً كونه غضباً مشروعاً، وانقلب انتهاكاً لكل الحقوق المشروعة..

ومن الغريب فى هذه المظاهرات:

ومن الغرائب أيضاً، وبدلاً من خروج (أوباما) على الناس لمؤزارة تماسك الدولة واستقرارها وتعافيها الآمن من المأزق ، إذ به يدعوهم للاستمرار فى العصيان والتمرد والفوضى والتخريب والعدوان والسلب والنهب والحريق.. لأجل أن يصنع التغيير المطلوب؟ متجاهلاً تماماً أن الأمة الديموقراطية العتيدة لا تقبل التغيير إلا بعملية ديموقراطية دستورية سليمة، وأن تضميد الجراح الإنسانية للمضارين لا يمكن أن يستحيل لوسيلة لكسب الانتخابات لحزبه.

لأنه هناك فرق بين أن تقول أن المظاهرات السلمية حق دستوري وأن الغضب مشروع، وبين الدعوة للمظاهرات وهو يعلم أن عنف تخللها، أما الاخطر فهو أن يقول يجب أن نتظاهر وأن نصوت حتى نحدث التغيير،اى استخدام المظاهرات من آجل الاطاحة بترامب وليس من أجل العدل! إن ما يحدث هو استخدام روح المسكين جورج فلويد من أجل الانتخابات، فالتباكى على جورج هو دموع تماسيح وليست دموع بشر.

 

ومن غرائب الكيل بمكيالين:

عندما ادان الرئيس ترامب التخريب والنهب الذى يفعله المخربين اثناء التظاهرات (التى يكون اغلب المتظاهرين فيها سلميين ومحترمين ) بعد حادث مقتل الضحية جورج فلويد، اتهموه بأنه يقسم الأمة. وعندما  أدان  اوباما بكل قوه التخريب والنهب الذى حدث بعد حادث بالتيمور وقال هذا باللفظ " لا يوجد عذر لنوع العنف الذي شهدناه أمس. إنه يؤدي إلى نتائج عكسية".عندما يخترق الأفراد الحواجز ويبدأون في فتح أبوابهم للنهب، فإنهم لا يحتجون. إنهم لا يدلون ببيان. إنهم يسرقون. عندما يحرقون مبنى، يرتكبون الحرق العمد. وهم يدمرون ويقوضون الأعمال والفرص في مجتمعاتهم. وهذا يسلب الوظائف والفرص من الناس في تلك المنطقة " قيل عنه إنه بطل!

وأتعجب جداً من هؤلاء الذين يبيحون القتل والسبى والحرق والسطو والخطف والغزو والتفجير وفجأه اصبحوا دعاه لحقوق الانسان ويتباكون على جورج فلويد مع انهم لو كانوا هم الحكام لكانوا كفروه وجعلوه احد ضحياهم !!؟

 

ومن الغرائب أيضاً هو ان عملية تصوير الحدث كانت بدقة وكأنها فيلم سينمائي، وكان واضحا على ما يبدو من افراد الشرطة ان هناك تعمد شديد في القتل وترك الفيديو ينتشر في امريكا ليشعل الاخضر واليابس.

المفاجأة الاخرى ان التقرير الطبي اكد ان جورج فلويد كان مدمن ويتعاطى الافيون وعند تحليل دمه كان فيه جرعة قوية من الافيون، بل وادعاء ان العملة مزورة لم يكن صحيحاً فقد ثبت مؤخراً ان عملة الـ 20 دولار التى دفعها كانت سليمة.

وفجأة يظهر بايدن وكذلك نانسي بلوسي رئيسة مجلس النواب الامريكي والهان عمر ورشيدة التى وصفت ترامب بانه ابن... ويظهر اوباما وقادة الحزب الديمواقراطي لتحريض الشعب الامريكي ونشر الفوضى.

ومن المثير للضحك هو ان الذين يتهمون امريكا بالعنصرية ضد مواطنيها ويتفاخرون بأنفسهم، هم الذين دولهم تقع في مقدمة الدول التى تنتهك حقوق الانسان وحرية الاديان بشكل كبير جداً.

على ما يبدو أن التنوع أصبح عبء على امريكا، وأصبح نقطة ضعف، وبدأ التشرذم داخل المجتمع الأمريكي بصورة غير مطمئنة.

وللأسف الشديد يوجد كثير من المهاجرين لا يحبون البلد، ويريدون تدميرها. يعيشون فيها ويريدون تدميرها.

وما قاله حاكم ولاية مينيسوتا يعطى فكرة عن طبيعة الأحداث إذ قال:

80% جاؤا من خارج الولاية فى اتوبيسات ولم يعد الموضوع متعلق بمقتل جورج فلويد بأى حال من الأحوال، الأمر يتعلق بمهاجمة المجتمع المدنى وغرس الخوف في مجتمعنا العظيم.

 

وللرئيس ترامب أو أن أقول:

(عندما يبدأ النهب، يبدأ تطبيق القانون بحزم) بدلاً من (عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار).

وفى النهاية هذه كلها دروس لنكتشف من المخلص ومن الغير مخلص لهذه البلد.

ولدروسنا بقية...

 

أخبار متعلقة :