تركيا كانت تأمل في أن يصب التحول في الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي في مصلحتها لأنها كانت ترى يمكن ان تكسب نفوذآ إذا وصلت حكومات شبيهة بحكومة الأخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وتونس وسوريا.
إن وجود جماعة الإخوان المسلمين في الحكم كان يعطي لتركيا أملا كبيرا في إستعادة الإمبراطورية العثمانية السابقة, بأعتبار أن أردوغان وحزبه الحاكم جزء من التنظيم العالمي للجماعة الإرهابية , وفي نفس ذاته وضعت الولايات المتحدة وأسرائيل آمالا كبيرة علي وصول الإخوان للسلطة لمساعدتها في تحقيق المزيد من المصالح ليس في مصر فقط ولكن في الشرق الأوسط بأكمله.
لكن عزل مرسي بثورة شعبية وتضامن الجيش المصري ووقوفه مع الشعب المصري ,وكشف مخططات الأخوان الإرهابية والتصدي بصدور عارية، لجميع العمليات الإرهابية التي قامت بها جماعة الأخوان المسلمين وحلفائها داخل القطر المصري في سيناء وغيرها وجه ضربة قوية لأحلام تركيا في لعب دور قيادي ومؤثر في منطقة الشرق الاوسط ,وتأكد للمجتمع الدولي وجود دور تركي وقطري فيما يحدث من عنف وتطرف وإرهاب بمصر , ومحاولتها زعزعة الاستقرار والأمن في كافة مؤسسات الدولة المصرية , لكن الإرادة الشعبية وعظمة وبسالة الجيش المصري كانت حائط الصد وحجر الزاوية والحصن المنيع في وجه هذا المخطط العثمانلي
الرئيس التركي رجب طيب أردغان يدرك أن صحوة بعض الشعوب العربية قطعت الأذرع السياسية للإخوان في كل من مصر والسودان، وقلّمت أظافرهم في الجزائر، ولم تتبق سوى النهضة في تونس وحزب العدالة والبناء في ليبيا، وهذا ما دفعه لتحريك الغنوشي نحو لعب دور سياسي في الملف الليبي ، من منطلق القرب الجغرافي بين تونس وليبيا أولا، ولاستثمار العلاقات الوطيدة بين إخوان تونس وليبيا ثانيا , أضافة أن الرئيس التركي يعلم جيدآ أن ليس لدى فائز السراج الأخواني قوة حقيقية، وأن السراج في حاجة ماسة للدعم التركي ليكون قوة عسكرية موازنة لقوة المشير حفتر
أردغان يعلم جيدآ أنه إذا خسر السرّاج المدعوم من تركيا في صراع السلطة الليبي، فسيخسر أردوغان أيضاً رهانه على حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط , ذلك لأن العقود المبرمة لن تستمر إلا تحت حكومة السرّاج . في المقابل لو انتصرالمشير خليفة حفتر وقضى قوات السراج والمليشيات الإرهابية ، فإن أول ما سيقوم به هو إلغاء الإتفاق مع تركيا. وهذا الإجراء سيكون سهل التنفيذ، لأن البرلمان الليبي في طبرق لم يكن متورطًا في الإتفاق و لم يوافق عليه
أردوغان إتجه إلى ليبيا كمحاولة أخيرة، لتحقيق حلمه في أن تصبح بلاده مركزاً إقليمياً للطاقة، حيث إن السيطرة على الحكومات تأتي من خلال التحكم في موارد الطاقة , لاسيما بعد إتفاقيات مصر واليونان وقبرص بشأن ترسيم الحدود البحرية وتحول مصر لمركز إقليمي لنقل الطاقة إلى أوروبا عبر المتوسط، بدلاً من تركيا، مما أغلق أبواب الحلم التركي , وكان شرق المتوسط هو الحلم والأمل، ولكن مصر إنتزعت الممر الاستراتيجي للغاز في المنطقة بعد ترسيم الحدود". أتجة أردغان إلى ليبيا أيضا لاسيما مع إستمرار القرارات الأمريكية بفرض عقوبات أقتصادية وسياسية على إيران، وبالتالي لا يمكنه نقل الغاز التركي سواء منها أو عبرها
مع عودة إخوان الدم والإرهاب والتطرف بوجهم القبيح بصورة أخرى ,وذلك من أجل اسقاط الأمة العربية والإسلامية في وحل التآمر والخيانة كان تسارع الخطوات التركية في تدخلها الأمني والاستخباراتي والعسكري السافر في ليبيا والذي هدفه إشعال فتيل الحرب وزيادة الصراع والتوتر في منطقة الشرق الأوسط بشكل خطير . ومنها يمكن أن تنطلق شرارات حرب إقليمية لا حد لها، لأنَّ طليعة التدخل كان الإرهابيون وأرسال مليشيات مسلحة من سوريا الى القطر الليبي.
إذ يمثل شرق المتوسط مجالآ حيويآ للسياسة الأمنية التركية. ويتضح ذلك في التنافس الإقليمي حول التنقيب عن الغاز قبالة السواحل القبرصية والليبية.
إذ أن جائحة كورونا لم تمنع العثمانلي في مواصلة مساعيه لبسط نفوذه في ليبيا بدعم حكومة الوفاق الليبية.
إن ما أقدمت عليه تركيا يمكن أن يكون له تداعيات سلبية كبيرة على الأمن والاستقرار والسلام في عموم المنطقة وما حولها .
إن الخطوة التركية تلك تبدو مستحيلة النجاح والتي تهدف بشكل سري على السيطرة على ليبيا، والانطلاق منها لتهديد جمهورية مصر العربية وتونس والجزائر، واستعادة أمجاد الخلافة العثمانية ، لأنَّ هذه الخطة تصطدم بمصالح قوى عربية وإقليمية ودولية كبرى لها مصالح في المنطقة، لكنَّ تمكُّن تركيا في تحقيق جزء كبير من خطتها (بمعنى السيطرة على طرابلس العاصمة ومساحة كبيرة نسبياً من الأرض المحيطة بها ) هي في حدِّ ذاتها مسألةٌ بالغةَ الخطورة. حيث سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب الأهلية الليبية لسنوات طويلة لا أحد يعرف متى تنتهي، بما يعنيه ذلك من بقاء ليبيا في حالة الدولة الفاشلة المجزأة والمترهلة , ، وبما يعنيه أيضاً من إهدار المكاسب التي حققها الجيش الوطني الليبي، وعودة الفوضى المطلقة والإرهاب والقتل والتدمير والخراب، واستفحال الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وتجارة البشر، إلى ما كانت عليه في سنوات مضت , ليس هذا فحسب بل إعادة تنشيط الإرهاب والإرهابيين بشكلٍ كبير وعودتهم إلى الحدود الغربية لجمهورية مصر العربية التي تصل إلى نحو (1250كم) وإلى حدود الجزائر وتونس غرباً والحدود الشمالية لدول الصحراء مثل (تشاد والنيجر ومالي) وامتداداتها الواسعة إلى بقية الصحراء الإفريقية الكبرى، وصولاً إلى الساحل الغربي لإفريقيا في نيجيريا حيث تتواجد قوات بوكو حرام الإرهابية، وبوركينا فاسو وغيرها
بهذا الصدد أن خطوة أردوغان الرعناء وجرى ليبيا الى حرب أهلية ستكون لها تداعياتها الخطيرة في المنطقة...، وهذا ماأشار إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ودعا المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتحمل مسؤولياتهم تجاه هذا العبث والتدخل السافر والغير مقبول من تركيا في الأراضي الليبية والأراضي العربية بشكل عام
لأنَّ توسُّع التدخل العسكري من قبل القوات الإرهابية في ليبيا سيثير موجة غضب شديد وسخط عارم في أوروبا، أما روسيا فسيكون غضبها مضاعفاً لأنها اللاعب القوي والمؤثر الآن في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط ، إضافة إلى ايطاليا وفرنسا اللتين لن تفرطا في مصالحهما النفطية الضخمة في ليبيا من خلال شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية . كذلك الإتحاد الأوروبي القريب من مصادر الغاز والنفط.
الكاتب والمحلل السياسي
عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
أخبار متعلقة :