الحلقة 1
يمكن تعريف الإرهاب من ناحيتين السيكولوجية والسوسيولوجية ، فالإرهاب من الناحية السيكولوجية هو إشباع لرغبات عدوانية مكبوتة في اللاشعور ، فعندما تزداد الشحنات النفسية لهذه المكبوتات تتجه نحو الأنا مطالبة إياه بإشباعها ، لكن الأنا لا يستطيع أن يشبعها بشكل فعلي ، نتيجة عدم مشروعيتها في الواقع ونتيجة عدم مطابقتها لضوابط الأنا الأعلى ، فيتجه الأنا إلى مواضيع استيهامية تتشابه مع المواضيع الواقعية للمكبوتات العدوانية ، فيحقق لها الإشباع الاستيهامي .
أما التعريف السوسيولوجي للإرهاب فهو ممارسة الإلغاء والإقصاء ، نتيجة وجود توتر اجتماعي يكون نتيجة اصطدام بين مصالح طبقية مختلفة في جميع المجالات أو يكون نتيجة اصطدام بين مرجعيات فكرية أو دينية أو مذهبية أو عقائدية أو إيديولوجية ، فيشكل الآخر كينونة غريبة وأجنبية على الذات الجماعية ، يسكن هذا الآخر في الجماعة على نحو غريب على حد تعبير "جوليا كريستيفا" يقتسم معها نفس الفضاءات النفسية والاجتماعية ، ويقتسم معها عوالم مشتركة ، لكن في هذا الاقتسام والمشاركة يحدث الاحتكاك والتصادم بين الذوات الجماعية ، فيحضر الإرهاب كوسيلة لإنهاء التوتر والاصطدام من أجل الاحتواء وممارسة الهيمنة والوصاية .
هناك شكلين من الإرهاب : هناك ما أسميه الإرهاب المازوشي والإرهاب السادي . فالإرهاب المازوشي هو العنف الموجه نحو الذات الفردية كالانتحار الفردي أو نحو الذات الجماعية كالعمليات الانتحارية التي تمارسها الجماعات الدينية المتطرفة، أو تلك العمليات الانتحارية التي قام بها الجنود اليابانيون في الحرب العالمية ، وفيه تتلذذ الذات بنوعيها الذات الفردية والذات الجماعية بتعذيب نفسها . أما الإرهاب السادي فهو الموجه إلى الآخر كذات فردية أو كذات جماعية فتتلذذ الذات العنيفة بممارسة العنف اتجاهه .
وضمن أشكال الإرهاب هذه، هناك نوعين من الإرهاب:
أولا الإرهاب المادي : وهو الذي يمارس فيه الجسد ضربا أو جرحا أو قتلا على الجسد الآخر، أو تدمير منشئات أو مؤسسات.
ثانيا الإرهاب المعنوي وهو الذي يتمثل في ممارسة العنف على نفسية الآخر إما بالسب و الشتم والقذف أو الاحتقار أو الإذلال أو العنصرية والإقصاء والتهميش.
وضمن هذين النوعين أيضا من الإرهاب نجد أنواعا أخرى من الإرهاب تأخذ المجال والفضاء الاجتماعيين الذي يمارس فيهما ، مثلا كالإرهاب الديني الذي تمارسه الحركات الدينية أو تمارسه الدولة، أو الإرهاب السياسي الذي تمارسه الدولة أو الأحزاب السياسية على بعضها البعض، أو الإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه الشركات الصناعية والاقتصادية الكبرى وذلك باحتكار السوق بواسطة اللوبيات في الرأسمالية المتوحشة ، أو الإرهاب الذي تمارسه العصابات الكبرى المنظمة كالمافيا .
ويكشف التاريخ البشري عن وجود عدة أنواع من الإرهاب قديم بقدم البشرية ذاتها ، ويذهب في هذا الصدد " إيريك فروم " أنه كانت هناك شعائر وممارسات تشكل أنواعا من العنف لدى الشعوب القديمة ، الغاية من هذه الممارسات العنيفة التدميرية هو تجسيد الرغبة في تأكيد حياة الجماعة وهويتها ووحدتها وإعادة بناء الذات ضمن منطق التاريخ . بل أحيانا نجد نوعا من العنف المقنن ، حيث يرى في هذا الصدد "تولرا فارنييه" أنه يمكن لهذا الإرهاب أن يأخذ شكل مشاجرات أوحروب أو مواجهات مسلحة ، وكل هذه الأشكال لا تبدو أنها مجرد انفجار فوضوي وعشوائي للعنف بل هذا الإرهاب هو إرهاب مقنن مثل باقي الممارسات الاجتماعية الأخرى. ويميز " فارنييه " بين نوعين من الإرهاب الاجتماعي :
- الإرهاب الاجتماعي الداخلي ويكون مؤطرا ضمن قواعد من خلاله يكون خاضعا لمجموعة من الطرق والتقنيات . وهذا النوع من العنف يتخذ كل الأساليب المشروعة والغير المشروعة في ممارسته يهدف فيه إلى إقصاء الآخر المعارض من بنية الجماعة كالحروب الأهلية أو العنف السياسي الذي يمارسه إرهاب الدولة أو الإرهاب الذي تمارسه الحركات الدينية المتطرفة .
- الإرهاب الاجتماعي الخارجي وتشكله الحروب بين الدول والشعوب وهو العنف الأكثر شراسة، تستعمل فيه هو أيضا كل الأساليب والوسائل المشروعة والغير المشروعة، ويباح فيه كل شيء إلى درجة يصعب معها تصديق ما يحدث .
يتبـــــــــــــــــــــــــع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة 2
إن كلا الإرهابين : الارهاب الاجتماعي الداخلي ، والارهاب الاجتماعي الخارجي الذي تحدث عنهما "تولرا فارنييه" يحضران معا في قلب التاريخ الإنساني ، وهو تجسيد للمنظومات الرمزية ، كنظام القيم والعقائد والأساطير والدين والمصالح المادية ، وهو محاولة للخروج من توتر واصطدام هذه الأنظمة العقائدية والاجتماعية فيما بينها .
إن صيرورة التاريخ تؤكد أن المجتمعات العربية ،هي الآخرى قد مرت كباقي المجتمعات البشرية بنفس أنواع الإرهاب التي ذكرتها سابقا، والذي كان يأخذ هويات متعددة وعلى سبيل المثال عهد القبيلة / اللادولة الذي كان يجسد فيه الإرهاب السياسي والاقتصادي والقيمي/ والعقائدي .
لقد عاشت المجتمعات العربية نوعين من الإرهاب:
أولا الإرهاب السياسي الذي مورس في حقبة سنوات الرصاص، ويجسده إرهاب الدولة لحظة الانقلابات السياسية في العراق وسوريا وليبيا وتونس ومصر والمغرب وموريتانيا، وارهاب بعض السياسيين في الأحزاب السياسية اتجاه بعضهم البعض مثلا حزب البعث العربي في العراق أوحزب الاستقلال في المغرب وهذا الإرهاب يتم في إطار إقصاء الآخر نتيجة المعارضة السياسية أو لتصفية حسابات شخصية.
ثانيا الإرهاب الديني وهو الإرهاب الذي مارسته الجماعات الإسلامية المتطرفة والتي لازالت تحاول أن تمارسه، وهو الإرهاب الأعنف والأكثر دموية حاليا بالمقارنة مع أشكال الإرهاب الأخرى التي مورست من قبل.
وفي هذا الإطار سأتحدث عن الإرهاب الديني الذي تمارسه الجماعات الإسلامية المتطرفة. فالجماعات الإسلامية المتطرفة تمارس نوعين من الإرهاب في المجتمعات العربية كالذي حدث مرارا في المغرب والجزائر وتونس ومصر والعراق وسوريا :
النوع الأول هو الإرهاب المادي وهو يشمل الضرب والجرح والقتل وتدمير المنشئاءات بمختلف أنواعها. وهو موجه للمجتمع ككل دون تحديد ، كما أنه موجه لمرافق مؤسسات الدولة ولتجهيزاتها ، أولمكونات بنيتها التحتية، لزعزعة أمن الدولة ، كما أن هذا الشكل من العنف موجه لكل المخالفين للإديولوجيا الدينية للجماعة الدينية المتطرفة .
ثانيا- الإرهاب العقائدي والفكري وهو يشمل تهمة التكفير الموجهة للمسلمين المختلفين مع الجماعة الدينية المتطرفة، حيث تصفهم بالكفار وتقصيهم من حضيرة الإسلام. ويشمل هذا الإرهاب أيضا القتل واغتيال السياسيين أو المفكرين التي ترى فيهم التي ترى فيهم الجماعات الدينية المتطرفة عدوا وخصما دينيا ، وأكبر ممثل للإرهاب الديني في هذا الإطار تنظيم القاعدة وتنظيم النصرة والإخوان المسلمين وتنظيم دولة الخلافة الإسلامية .
ثالثا- الإرهاب الصامت والغير المباشر وهو يشمل العنصرية و المقاطعة ورفض الحوار مع الغير والتشويش والتشكيك وهدم شرعية الآخر بمختلف الأساليب الغير المباشرة والغير الصريحة. وتمارسه بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تعلن السلم و تنبذ العنف ، ولكن لا تستطيع في بعض المواقف أن تخفي رغبتها في ذلك كالتواطؤ بالصمت مع الإرهابيين المتطرفين وعدم إدانتهم مثل ما تمارسه جماعة العدل والإحسان ، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، أو الحركات الإسلامية في الجزائر وتونس .
يتـبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقــــــــــة 3
أود أن أشير إلى أن هناك ثلاثة انواع من الإرهاب التي تمارس في كل الفضاءات الاجتماعية وضد الجميع بدون تمييز . في هذا الإطار لايمكن الحديث عن الإرهاب دون الحديث العنف الذي هو أداته الإجرائية الذي يأخذ شرعية عند أصحابه لا يمكن الحديث عن شرعية العنف إلا بالنسبة لمن يمارسونه ونجد في هذا الإطار نوعين من الشرعية الممارسة للعنف :
أولا الشرعية الاجتماعية للعنف وهي التي تعطي للبعض الحق في ممارسة العنف على الأشخاص الخارجين عن نظام القيم والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع ، وذلك من أجل الحفاظ على استقرار المجتمع وعلى نظامه ، ومن هنا نجد أن الجماعة حسب " رالف لينتون" تسعى إلى اتخاذ إجراءات عنيفة متعددة لتسوية مشكلة الخروج عن نظام المجتمع قبل أن يستفحل الأمر ، وهذه الإجراءات العنيفة هي التي تحد من وجود الإساءات العلنية القليلة داخل المجتمع ، وهي تختلف من مجتمع إلى آخر وتتم حسب موقف المجتمع اتجاه تلك الإساءة المرتكبة .
ثانيا الشرعية السياسية وهي التي تعطي الحق للدولة ورجالاتها من ممارسة العنف على الأشخاص الخارجين عن القانون ويرى " ماكس فيبر " أن أي تجمع سياسي لا يرقى إلى مستوى الدولة إلا إذا مارس حق ممارسة العنف اتجاه الأشخاص الخارجين عن القانون ، وإذا لم تقم الدولة بذلك فقد تسود الفوضى والاضطراب وتفقد الدولة هبتها.
ثالثا الفتاوي الدينية التي تشرعن الإرهاب ضد المسلمين وغير المسلمين من اجل فرض تصور ديني معين على الناس . ومن هنا أرى إن الذين يؤسسون لشرعية العنف سواء من منطلق الشرعية الإيديولوجية السياسية أو من منطلق الشرعية الدينية هي باطلة أصلا ، لان هذه الشرعية ناتجة عن استيهامات تعيش على أمجاد التاريخ المنكوب وعلى مستقبل إحياء طوباوية الفردوس المفقود.
لنأخذ مثلا الشرعية الدينية لممارسة العنف والإرها ب التي تؤسسها الفتاوي الدينية. فهذه الفتاوي الدينية التي يبنى عليها الإرهاب من طرف الحركات الإسلامية المتطرفة هي أصلا باطلة بحكم منطق الدين نفسه ومرجعيته النصية وبحكم آليات التأويل الفقهية نفسها، سواء في كتاب الله عز وجل أوفي الأحاديث والأفعال النبوية الشريفة. فنصوص القرآن الكريم تدعو إلى استخدام الحوار والجدال بالتي هي أحسن لقوله عز وجل(( وجادلهم بالتي هي أحسن )) وإلى استخدام الرقة واللطف في التعامل لقوله عز وجل (( وإن كنت فظ غليظ القلب،لانفضوا من حولك)) الذي تدعو كذلك - أي هذه النصوص - إلى التسامح مع الأعداء لقوله عز وجل(( والذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)) وإلى عدم قتال الآخر إلا في حالة الاعتداء(( وإن اعتدوا عليكم فاعتدوا عليهم ....)) كما تدعو هذه النصوص القرآنية إلى حرية التدين لقوله عز وجل (( لا إكراه في الدين )) أما أفعال الرسول (ص) فهي تدل كلها على التسامح والتعاقد مع أصحاب الديانات الأخرى كاليهود والنصارى، و الذين عاشوا في الخلافة الإسلامية معززين مكرمين مع المسلمين.
يتبــــــــــــــــــع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقـــــــــــــــــــــــــة 4
إن التأويل للنص الديني الذي تمارسه هذه الجماعات المتطرفة في كل مجالات الحياة الاجتماعية هو تأويل إيديولوجي برغماتي، يؤسس المعني الذي يخدم المصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذه الجماعات الدينية المتطرفة ( نجد أنفسنا هنا أمام إسلام سياسي وليس عقائدي صرف) إن هذا التأويل يتجاوز حتى آليات الاجتهاد الفقهي ومنطقه والذي هو نقل حكم الأصل إلى الفرع نظرا لاشتباههما في العلة ، كما أن هذا التأويل الذي تقوم عليه هذه الفتاوي يتجاوز منطق نزول النص، ويتجاوز كذلك منطق الأصل ذاته في كينونته ومنطق الحدث نفسه في حداثته ، وفي إمكانية ارتباط الفرع بالأصل سواء على مستوى منطق الزمن والمكان والموضوع والظرف والإستتناء في علاقة كل ذلك بالمصلحة العامة للمجتمع وللأمة. إن التأويل الذي تمارسه هذه الجماعات الإسلامية للنصوص الدينية في باقي المجالات الاجتماعية، هو شاذ عن التأويل الديني في التاريخ الإسلامي، فالتأويل الديني في التاريخ الإسلامي لا يخرج عن مدرستين إسلاميتين هما :
أولا المدرسة البيانية التي ترى أن التأويل هو التفسير للنص الديني أي تفسير معنى النص بلفظه ، وتقيم تطابقا كليا بين الدال والمدلول، فيصبح جوهر اللفظ هو معناه وهوية معناه هو منطوقه اللغوي، إن بنية التفسير بالنسبة لهذه المدرسة هو الكشف عن المعنى القائم في اللفظ، وفي هذه الحالة لا تضيف شيئا جديدا على المعنى القائم في اللفظ، فالمعنى مغلق على ذاته في النص محدود بحدود ألفاظ النص وكما يرى ابن تيمية أن الدلالة الرمزية للمعنى لا تخرج عن منطق اللفظ بما يشير إليه ويدل عليه من معنى. إذن فالتأويل هنا هو التفسير، أي طلب المعنى من اللفظ ، ويقول ابن تيمية في هذا الصدد إن التأويل : (( هو التحقق الفعلي من الخبر إن كان الخطاب خبرا فهو التحقق الفعلي من المعنى المخبر به وإن كان طلبا هو التحقق من المعنى المطلوب )) . أما آلية الاستدلال التي تمارسها هذه المدرسة على شرعية ومصداقية هذا التأويل/ التفسير هو منطق اللغة العربية الذي هو النحو العربي باعتباره منطق البيان العربي الذي يخالف أصلا الاستدلال بالمنطق الأرسطي بحيث يعتبر أبو حيان التوحيدي أن النحو العربي هو منطق اللغة العربية ، فالنحو العربي كما يقول المناطقة هو منطق، ولكنه مسلوخ من اللغة العربية في حين يقول فقهاء اللغة أن المنطق هو النحو ولكنه مفهوم باللغة.
ثانيا المدرسة الهرمينوطيقية وإن صح التعبير المدرسة التأويلية / البرهانية ، فتأويل النص الديني عندها هوا لبحث عن المعنى الخفي وراء اللفظ الذي ليس هو المعنى القائم في اللفظ حيث يقول ابن رشد في هذا الصدد في التأويل الديني (( معنى التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل ذلك بعادة العرب في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه أو سببه أولاحقه أو قارنه أو غير ذلك من الأشياء التي تعددت في تعريف أصناف الكلام المجازي )) أما آلية الاستدلال التي تمارسها هذه المدرسة لإعطاء شرعية ومصداقية للتأويل هو الاستدلال المنطقي البرهاني الذي يقوم في الأصل على قواعد المنطق الأرسطي.
ولهذا أرى أن أي فتوى دينية وأي تشريع سواء كان قانونيا وضعيا أوفقهيا ، عليه أن يقوم على معرفة سيكولوجية باستشارة علماء النفس في ذلك لمعرفة الأضرار النفسية الناتجة عن هذا التشريع ، كما أن على هذا التشريع القانوني أو الفقهي ، أن يقوم أيضا على معرفة سوسيولوجية باستشارة علماء الاجتماع لمعرفة الأضرار الاجتماعية لهذا التشريع على استقرار المجتمع وتقدمه . ذلك أن التشريع القانوني أو الفقهي يكون الهدف منه ، هو الحفاظ على صحة وسلامة الفرد والمجتمع من الناحية النفسية والاجتماعية ، والعمل على تحقيق مصالح العامة للناس. لهذا أرى أن هذه الفتاوي باطلة وليست لديها أية قيمة دينية أو نفسية أواجتماعية ، فهي مضرة بالمجتمع وبالإنسانية ككل من الناحية النفسية والاجتماعية ، لأن أصاحبها يجهلون تماما أو يتجاهلون فلسفة الإسلام في التسامح والتعايش والحوار والإقناع.
يتبــــــــــــــــع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة 5 والأخيرة
إن العنف الذي تمارسه الجماعات الدينية ضد الناس هو سلوك مرضي شاذ لا أخلاقي ولا إنساني فهناك وسائل سلمية للحوار والمعالجة والتفاهم و إزالة التوتر والصراع يمكن أن تحل مكان العنف و الإرهاب.
وفي هذا الإطار أحدد هنا مجموعة من الخصائص يتميز بها الإرهابي وهي :
أولا في الغالب ما يكون الإرهابي الذي يمارس العنف ، قد تعرض هو الآخر إلى عنف سابق فأحدث ذلك انجرا حية في أناه لايعالج إلا بالانتقام ، والفرصة الوحيدة المتوفرة لديه في هذا الإطار هو التلذذ السادي الانتقامي بقتل الآخرين .
ثانيا إن من طبيعة الإرهابي الذي يمارس العنف ضد الناس أنه ذو بنية سيكولوجية عدوانية ، فهو مضطر ليمارس العنف على الآخر من أجل إذلاله و إخضاعه لسيطرته وهيمنته .
ثالثا إن الإرهابي الذي يمارس العنف ضد الناس هو ذو شخصية سلطوية تملكية استحواذية ، فهو يسعى بواسطة العنف لأن يمتلك المجتمع باعتباره يدخل ضمن الأشياء التي يملكها .
رابعا إن الفضاء الاجتماعي الذي يعيش فيه هذا الإرهابي هو فضاء عنيف وعدواني لا يمكنه أن يندمج فيه ويتكيف معه ويسايره إلا بممارسة العنف .
من هنا يمكن أن أقول أن الإرهاب لا يأتي من لا شيء وإنما هناك أسباب موضوعية أدت إلى وجوده بالرغم من الأهداف السياسية والاجتماعية الذي يقوم عليها هذا الإرهاب والذي تقوم بإخفاء هذه الأسباب.
هناك إذن مجموعة من الأسباب سيكولوجية وسوسيولوجية واقتصادية أدت إلى ظهور الإرهاب في مجتمعاتنا العربية بعدما كان يعتقد الكثير أن مجتمعاتنا العربية محصنة ضد هذه الظاهرة النفسية/ والاجتماعية المرضيتين ، وهذه الأسباب هي كالتالي :
بالنسبة للأسباب السيكولوجية المنتجة للإرهاب ، نجد ما يلي :
أولا- أن الإرهابي هو معوق نفسيا نتيجة تعرضه لمثيرات خارجية ، قامت بزعزعة التوازن النفسي للجهاز النفسي ، وأربكت العلاقات الوظيفية داخل أنساق الجهاز النفسي ، أي العلاقة الوظيفية السيكولوجية بين اللاشعور والأنا والأنا الأعلى ، الممثلة في الوظائف السيكولوجية التالية : كالكبت ، أوالتقمص أوالتوحد أوالإسقاط أو التسامي أو التعالي أو آليات منطق التبرير .
ثانيا – إن شخصية الإرهابي تعاني من بعض الأمراض النفسية ، التي تصاحبها حالات العنف ، كالبار انويا الفصامية أو الهذيانات أو الهلاوس ، التي يشعر فيها الإرهابي المريض أنه معرض لعنف خارجي ، فيكون رده في حالة الأزمة النفسية المرضية بعنف آخر مضاد هو القتل .
ثالثا – إن الإرهابي هو في الأصل ضحية للعنف ، بحيث قد مورس عليه العنف داخل الأسرة أوداخل المدرسة أوفي المجتمع ، وهذا العنف يخلق لديه عدوانية مدمرة اتجاه العالم الخارجي ، يكون الموضوع الوحيد لهذا العنف هو الانتقام بواسطة القتل .
رابعا- وفي حالة أخرى يكون عنف الإرهابي هو وسيلة لحماية الأنا من هجوم مفاجئ من كل الذين يمارسون عليه السلطة والهيمنة والوصاية في فضاءات الإرهابي المختلفة .
أما بالنسبة للأسباب السوسيولوجية المؤدية للإرهاب ، نجد ما يلي :
أولا أن الإرهابي يكون مدمنا على العنف فيألفه في معيشه اليومي نتيجة وجوده باستمرار في فضاءات اجتماعية ، يشكل العنف جزءا من مكوناتها الأساسية والبركماتية لتحقيق أهداف معينة ، كفضاء الأسرة أو فضاء المؤسسة التعليمية أو فضاء المجتمع .
ثانيا أن الإرهابي تلقى تنشئة اجتماعية عنيفة وسيلتها الوحيدة في تنميط السلوكات وتحقيق الأهداف هو العنف بمختلف أشكاله.
ثالث أن الإرهابي يعيش الهشاشة الاجتماعية ويعاني من التهميش والإقصاء فتكون وسيلته لتعويض ذلك هو السعي نحو دخول الجنة عن طريق ما يعتقده ، الجهاد في سبيل الله.
أما الأسباب الإقتصادية المؤدية للعنف هو الفقر والحاجة ، بحيث نجد أن الجماعات الدينية الإرهابية نشأت في أحياء فقيرة في كل مدن الوطن العربي.
إن الإرهاب سواء كان ماديا أو معنويا له انعكاسات سلبية نفسية واجتماعية على الناس .فيما يتعلق بالانعكاسات النفسية على الناس ، نجد أن العنف الممارس ،يؤدي إلى انجرا حية مؤلمة في أنا كل منهم ، بحيث نجد أن هذه الانجراحية لا يلغيها منطق النسيان الخاضع بالضرورة لآليات الإقصاء التي يمارسها منطق الزمن ، وهذه الانجراحية النفسية للأنا ، تجعل الناس لا يثقون في بعضهم البعض، ولا يأمنوا شر بعضهم البعض ، ولا يشعرون على الإطلاق بالأمان والاستقرار الاجتماعي مما يؤدي في النهاية إلى نفور واشمئزاز وكراهية بعضهم البعض .
كما أن الإرهاب يخلق إعاقات سيكولوجية للناس بسبب فقدان الأمان والاستقرار النفسي في حضن المجتمع ، مما يجعلهم معرضين لأمراض نفسية عصابية كالاكتئاب والوسواس القهري والفوبيا والقلق.
أما الانعكاسات الاجتماعية ، ففي الغالب نجد أن الإرهاب الذي يسود في المجتمع في الغالب ما يؤول أمره إلى الإفلاس الأمني وعدم الاستقرار. كما يؤدي إلى الخوف من الآخر وعدم الثقة به ، وهذه الفوبيا الاجتماعية ستؤدي بالناس إلى عدم الاندماج في المجتمع بشكل سليم .
*******************************************
الدكتور عبد الجبار شكري( المغرب )
أستاذ باحث في علم الاجتماع وعلم النفس
- باحث مشارك في مختبر الأبحاث والدراسات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة/المغرب
- عضو باتحاد المثقفين العرب
- عضو بالاتحاد الدولي للأدباء والشعراء العرب
- عضو بمؤسسة الشعراء والأدباء والمبدعين العرب
- عضو بالموسوعة الحديثة للشعراء والأدباء العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار متعلقة :