ما هي الثقافة ، أو ما هو تعريف الثقافة ، في الحقيقة لم أجد لها التعريف المحدد لأنها متسعة اتساع الفضاء ، فقط أستطيع أن أقول أنها الاستنارة العقلية التي تولد الفكر السليم ومنه إلى السلوكيات على مستوى الفرد والمجتمع والشعب بل والدولة كلها ، كل واحد في حدود مجال علاقاته وارتباطه بالآخر ، وهي لا تأتي من الفراغ أو لها قفزاتها غير المحسوبة أو دون أن يكون لها الأساس السليم الذي لا يرتفع درجة إلى بوضع القدم فوق السلم ، درجة درجة حتى يصل إلى الدرجة التالية ومنها إلى المستوى الأكبر أو الأفضل ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن أقول أن تصل إلي النهاية ، لأن الثقافة لا يمكن أن تكون لها نهاية ، فهي ترتفع وترتفع إلى مالا نهاية حيث لا درجة علمية أو شهادة كالتي تنهي الدراسة في أي اتجاه محدد . ثقافة البشر في مجتمع هي التي تحدد مدى نجاح هذا المجتمع ورقيه ، وثقافة الدولة ككل هي التي تحدد نوع التعامل مع دول العالم أجمع إن كانت تعطيها مكانة عليا أو مكانة سفلى أو لا مكانة على الأطلاق ، وما أضيفه أن الثقافة ليس لها مستوى يمكن أن يُحافظ " بضم الياء " عليه في المجتمع وخاصة مجتمعاتنا الشرقية ، فهناك عوامل كثيرة تلعب دورها إن كانت تزداد أو تهوي إلى الهاوية ، أهمها نوع الحكم في فترة من الفترات ، وسيطرته على العقول بأي أسلوب سواء بالإقناع أو التخويف ، ومن المؤكد أننا أحسسنا هذا في بلادنا في المنحنى المتعرج لسيرها ، ولماذا نذهب بعيدا وقد رأينا هذا وكم انخفض المنحنى بشدة في الفترة بين عامي 2011 وبداية عام 2013 ، والتوابع التي تلت هذه الفترة باختلاف العقول من المسئولين الذي تولوا رئاسة القطاعات المختلفة وقد يكون أهمها القطاع التعليمي والثقافي ، وكما يقولون الشئ بالشئ يذكر فقبل أن أُزيد في هذا المجال الذي يأخذنا إلى الأفق ، يجب أن أعرُج على الثقافة العالية للدولة التي ظهرت عند رحيل الرئيس السابق حسني مبارك ، والتي وضعت الدولة في مرتبة ثقافية مستنيرة أما العالم ، الموقف المشرف للحكومة المصرية أسعدني جداً وقد كرمت الرئيس الراحل بالحداد وجنازة عسكرية مُهيبة وتحدثت وسائل الإعلام بحرية عن مواقفه الوطنية ، وهذا ما يليق ببلد نفخر دائماً بأنها صاحبة حضارة ، وكل ما نستطيع أن نقوله الآن ، رحم الله حسني مبارك بكل حسناته وسيئاته . وينقلني هذا الموضوع إلى موضوع آخر في يدنا أن نكرم صاحبته وهي لا تزال على قيد الحياة فهذا أوقع من الحداد والجنازة المشرفة ، السيدة سوزان مبارك ، أعتقد أنه لا يوجد أحد يعرف الحق أو صاحب أخلاق ينكر دورها في مشروع القراءة للجميع ، ومكتبة الأسرة التي نشرتها على امتداد مصر وحتى أعماق الصعيد ، نعم مكتبة الأسرة مشروع قومي يجب أن لا ننساه ، بل يجب أن تحييه وزارة الثقافة من جديد بعد أن خلا من رواده وقد عششت العناكب فوق أرففه ، أصحاب الفكر المتدني ظنوا أنه بأهمالهم هذه المكتبات حملوا نياشين الوطنية ، ولما لا فالتي أسستها السيدة سوزان مبارك زوجة الرئيس الذي خرج من الحكم ، ورجموه أصحاب الأفكار الضيقة هو وعائلته ، لماذا أُهملت هذه المكتبات حتى أصبحت كومة من الأتربة والغبار ؟!! ، حقيقي عقول تبحث عن عقول !! ، ياسادة من أجل الوطن ، من أجل الشباب ، من أجل الأسرة اهتموا بمكتبة الأسرة مرة ثانية ، أنظروا إليها كما كانت قبل ، " مشروع قومي " ، ففي عام 1994 كانت البداية لمرحلة ثقافية مهمة ، إذ انطلقت مكتبة الأسرة حاملة الفكر والوعي لجميع أفراد المجتمع المجتمع المصري ، وتمكن قطاع كبير من متوسطي الحال والفقراء من تكوين مكتبات قوية ومهمة ، وتحت شعار " القراءة للجميع " تدفق الإبداع إلى الشارع المصري ، وربما لو قمنا وقتها باستطلاع لاكتشفنا أن نسبة القراءة وصلت إلى درجة كبيرة أعتقد أنها لم تتكرر في السنوات الأخيرة .. لكن أين ذهب ذلك ؟! ، الكل يعرف أنه منذ 25 يناير 2011 بدأ المشروع يعرف المشكلات ، ربما كانت هناك بعض محاولات الإنقاذ ، لكن لم يكتب لها النجاح ، وهنا ربما وجب علينا تأمل الهيئات التى كانت مشاركة فى تمويل هذا المشروع الضخم من قبل وهى المجلس الأعلى للشباب والرياضة ، وزارة التعليم ، وزارة الحكم المحلى ، جمعية الرعاية المتكاملة ، وزارة الإعلام ، وزارة الشباب ، لماذا انسحبت هذه الهيئات وتوقفت عن تقديم الدعم؟!! ، إن ما حدث لمشروع «مكتبة الأسرة» يضعنا أمام أنفسنا ويكشف فى أحد جوانبه طريقة التفكير التى كانت سائدة من قبل ولا تزال ، وهى أن المشروعات القومية مرتبطة بأشخاص وليس بمؤسسات ، فالجميع يعرف أن سوزان مبارك كانت تتبنى هذا المشروع ، وعندما انتهت انتهى معها تقريبا وأصبح يعانى نقص التمويل ومشكلات أخرى كثيرة . العالم يتغير واستطاع الشر والجهل أن يفرض نفسه على الواقع ، وليس أمامنا سبيل لمواجهة هذا القبح سوى بالكتاب الذى يجب أن يعود مرة أخرى متاحا ومنتشرا، ولو استطاع وزير الثقافة أن يضع حلولا تعيد مكتبة الأسرة إلى مكانتها الأولى لكفاه ذلك الأمر، فهل يستطيع؟ ، أتذكر أنني وليس للفخرأنه في عام 2008 أهديت لمكتبة الأسرة 800 نسخة من روايتي " فتاة القمر " . سيدتي دعيني أقدم لك الشكر على هذا المشروع القومي الجميل وليت وزارة الثقافة تكرمك عليه في حياتك وتعيد له الحياة مرة أخرى ، فهذا أفضل من حداد لا معنى له بعد الرحيل حتى لو كان مشرفا لمكانة مصر . إن الثقافة بمقوماتها الممتدة إلى صناعة السينما والمسرح والدراما والأدب والفنون ، هي القوى الناعمة التي تحافظ على الاتزان الاجتماعي خارجيا وداخليا ، وكيف أن وجودها المصري الكاسح خلق محبين للشأن المصري والحالة المصرية وطالبى علم ودراسة وعلاج فى المؤسسات المصرية وراغبى إقامة وسياحة على الأراضى المصرية كما خلق امتدادا مصريا ثقافيا وإبداعيا فى المحيط العربى والأفريقى والدولى حتى باتت اللهجة المصرية سفيرا فوق العادة يجيدها القاصى والدانى ويستخدمها غير المصريين بفرح ويرحبون بأصحابها متى حلوا ، ولا يمكن لأحد أن ينكر دورها في مواجهة الإرهاب كسلاح ماض وحتمي ، وتجفيف منابعه وكخط دفاع صلب لمنع تسلل هذا الفيروس للأجيال المقبلة ، فالمواجهة العسكرية التى تديرها قواتنا المسلحة وكذا جهود شرطتنا فى تتبع خلايا الإرهاب والتطرف وتوجيه الضربات الاستباقية لها ، ستقضى على الجيل الحالى من الإرهابيين وستقطع خطوط اتصالهم بداعميهم فى الخارج ، لكن البذرة الإرهابية موجودة وقائمة فى فكرة شيطانية والقائمون عليها بالرعاية والتوجيه والدعم سواء كانوا فى الغرب أو فى الشرق ، لابد من مواجهتهم بأفكار مضادة وثقافة مضادة وإبداع مضاد بالتوازى مع العمليات العسكرية الجارية ، فهل يمكن أن نقول ونحن مطمئنون أن الجهود الثقافية لإدارة الحرب الفكرية والإبداعية والفنية على الإرهاب على نفس الموجة مع جهود القوات المسلحة والشرطة؟ وحتى نوضح أكثر، هل تقوم الوزارات والهيئات المعنية بجهودها فى التوعية من خلال الوسائط الفكرية والثقافية والتوعوية والفنية والأدبية بشكل حاسم ومكثف على غرار القوات المسلحة والشرطة؟ هل لدينا ما يماثل هذا فى الأزهر الشريف بوسائله ودعاته ومناهجه ومؤلفاته؟ بأن نرى قوافل دعوية فى المحافظات والقرى والنجوع وأن نرى رجال الدين المتنورين يأسسون عشرات الصفحات على مواقع التواصل للاجتماعى لمخاطبة الشباب ويستحدثون برامج على القنوات الفضائية لإيصال العلم الصحيح ولمواجهة خطاب التطرف والإرهاب؟ وهل لدينا ما يماثل هذا فى وزارة الثقافة من خلال سلاسل كتب المواجهة على غرار ما كان يحدث فى التسعينيات؟ وهل لدينا مثلا من خلال هيئة قصور الثقافة مهرجان للمسرح فى الأقاليم أو مسابقة على مستوى مراكز ومدن مصر يكون موضوعها مواجهة الإرهاب بالمسرح مع إطلاق طاقات شباب المسرحيين فى طول مصر وعرضها ليبدعوا نصوصا وموسيقى وفرجة مسرحية لمواجهة الإرهاب؟ ، وبدلا من الصراخ المستمر عن إعادة هيكلة ماسبيرو وعدد موظفى ماسبيرو، يتجه القائمون على ماسبيرو لإحياء أفلام التلفزيون ومسرح التلفزيون كنوع من الإنقاذ لمؤسسة التليفزيون المصرى وفى إطار الحرب الحتمية والضرورية على الإرهاب ، على أن تجمع أفلام التليفزيون كبار وشباب المؤلفين والمخرجين والفنانيين لإطلاق خطاب جديد بلغة الواقع الراهن لمواجهة جذور التطرف والإرهاب ، وأن يتم تسويق هذه الأعمال بشكل جيد فى الداخل والخارج . صدقونى ، نحن جميعا نفرح ونفخر بجهود القوات المسلحة والشرطة فى مواجهة الإرهاب ، لكننا فى مجالات عملنا وتخصصنا لا يكفى أن نقف ونصفق للجيش والشرطة فى معركتهما مع الإرهاب على الأرض بينما نحن لا ندير معاركنا على أرضنا التخصصية فى الإعلام أو الشأن الثقافى والفنى أو فى تجديد الخطاب الدينى، فجميعها مجالات تحتاج لتخطيط وإدارة ومواجهة للفكر المتطرف حتى نحمى أجيالنا المقبلة من هذا الفيروس الخطير، خاصة وأن هناك دولا وأجهزة استخبارات كبرى تستخدمه لتدمير مجتمعاتنا
الثقافة والأخلاق وجهان لعملة واحدة
************************* ******
دائما أقول أن أخلاق مجتمع أو شعب تنبع من ثقافتهم وأن ثقاقة مجتمع أو شعب تنبع من أخلاقهم . الأخلاق كانت تدرس في المدارس فخرج العباقرة ، أحتفظ بكتاب قديم وله قيمة عظيمة عندي يحمل اسم " الأخلاق " كان مقررا للصف الثالث الثانوي ، تأليف أحمد أمين ، الأستاذ المساعد بكلية الأداب بالجامعة المصرية ، حينذاك ، وتم طباعته سمة 1934 ، والغلاف بسيط ووقور ، ينم عن محتواه القيمي الرائع . كانت مادة الأخلاق مقررا مهما يتم تدريسه فى المدارس الثانوية ، فخرج العباقرة فى كل المجالات، الطب والهندسة والعلوم، وفى الأدب والغناء وحتى الرياضة، وفى القلب منها كرة القدم ، وكانت مصر رائدة ، ومؤثرة فى محيطها الإقليمى، فى كل المجالات ، وكانت قوتها الناعمة فى الشعر والأدب، من قيمة وقامة أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، وطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وكانت «هوليوود» الشرق سينمائيا، وقدمت قامات فى الغناء والموسيقى، وهل محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، سوى نموذجين عظيمين، شرفا مصر.!! بينما كانت ملاعب كرة القدم تزخر بقامات كبيرة لعبا وأخلاقا وثقافة .
نعم، كانت المدارس فى الماضى ، تهتم بتدريس الأخلاق ، جنبا إلى جنب مع ممارسة الرياضة ، والاهتمام بالأدب ، والفن والموسيقى والرسم ، وأيضا ، الاهتمام بالتدبير المنزلى ، فخرج العباقرة ، فى كل المجالات ، وكانت قوة مصر الناعمة ، لا حدود لها ، وتأثيراتها بالغة الأثر الإيجابى ، فى تحسين صورة مصر الكبيرة العظيمة . وعندما تخلت المدارس عن تدريس «الأخلاق» وانهارت العملية التعليمية تحت أقدام الدروس الخصوصية ، والاستهانة بالمدارس الحكومية ، تراجعت قوة مصر الناعمة ، فى الأدب والشعر والسينما والغناء والرياضة ، فظهر حسن شاكوش وحمو بيكا ومجدى شطة، ورفاقهم ، يدشنون للسفالة والانحطاط والقبح بين الشباب ، تحت مسمى أغانى المهرجانات ، ووجدنا عبدالله جمعة وشيكابالا ومحمود عبدالمنعم كهربا، ورفاقهم، يأتون من الأفعال الوقحة فى ملاعب كرة القدم ، ما يندى له الجبين ، وأساءوا لصورة مصر على الملاعب الإماراتية، وسط مشاهدة جميع المسؤولين عن الرياضة فى مصر، ووضعتهم على المحك ، والمطلوب اتخاذ قرارات عقابية رادعة لمنع تكرار هذه التصرفات ، ولا ندع المجاملات الصارخة تلعب دورها ، وتمر الوقائع مرور الكرام . أود أن أؤكد علي أننا نمر في تلك السنوات الثقال بأزمة ثقافية و أخلاقية و قيمية و فارق حضاري قد ازداد بشكل سريع جداً ليبعد بنا عشرات السنوات عما ينبغي أن نكون عليه الآن ، تصدرت الرداءة و ساد التدني بالمجتمع و تفشت الملوثات السمعية و البصرية بسبب تطورات العصر و تغيرات أذواق الجماهير . نعم على المسؤولين عن الثقافة فى مصر، دورا بارزا وجوهريا خلال هذه المرحلة ، فى مواجهة العبث المنتشر، فى كل مناحى الثقافة ، الأدب، والسينما والغناء، وتصدير صورة سيئة عن مصر فى محيطها العربى والإقليمى ، سؤال تصحبه الدهشة ، ماذا حدث ؟، وأين دور المعنيين عن الثقافة والرياضة فى مصر؟!، وأين خططهم وبرامجهم لمواجهة العبث والارتقاء بالذوق العام..؟! ، أيها السادة تخلوا عن كل ضمير سئ ، تخلوا عن الكسل والتواكل والرقود حيث لا يجب الرقود ، إرضوا الله والوطن ولا تدعوا شمس الثقافة تغيب أبدا عن سمائنا
إدوارد فيلبس جرجس
**********************
أخبار متعلقة :