د. ماري ملاك تكتب عن: الشخصية النرجسية واسرارها

د. ماري ملاك تكتب عن: الشخصية النرجسية واسرارها
د. ماري ملاك تكتب عن: الشخصية النرجسية  واسرارها

عندما نتكلم عن سمات الشخصية النرجسية, فلا بد أن نذكر ان –الأنانية- تمثل السمة المحورية الأساسية التي تتمركز حولها وتنطلق بقية السمات.

فالنرجسي عاشق لنفسه متيم بها يرى أنه الأفضل والأحسن والأجمل والأذكى.. يرى الناس أقل وأدني وأبعد من أن يكونوا منافسين له في شيء ولذا فهم ليسوا جديرين بأي شيء فهو الأجدر والأحق وعليهم أن يخضعوا له وأن يتباروا في إرضائه وأن يتنافسوا في خدمته. أنه يستبيح لنفسه إستغلال الناس وتسخيرهم،ويعتبر ذلك تفضلاً منه عليهم أن يعطيهم الفرصة ليكونوا قريبين منه وفي خدمته، وينكر عليهم حقوقهم وما يستحقونه من أجر أو مجاملة فهم الذين يجب عليهم أن يجاملوه وأن يودوه وأن يهادوه.

والنرجسي ليس لديه مساحة حب للأخرين.. الحب كله موجه لذاته.. ولهذا فهو لا يعطي، وإذا أعطى-وهذا نادر- يطلب إسترداد أضعاف ما أعطاه..كل شيء محسوب لصالحه، فلا ينشغل بالتفكير في الأخرين وفي إحتياجاتهم ولا يأبه لمشاغلهم فهو مشغول بنفسه كل الوقت.

ويُسمي علماء النفس هؤلاء الأشخاص بـ"النرجسيين"، نسبةً إلى شخصية من عالم الأساطير الإغريقية، شابٍ يُدعى "نرجس" أو "نرسيسوس"؛ وقد وقع في حب نفسه عندما رأى انعكاس وجهه في مياه إحدى البحيرات.

 النرجسي يهتم كثيراً بمظهره، حريص جدا على أناقته، يدقق في إختياره لملابسه، كيف يبدو في عيون الأخرين، كيف يثير إعجابهم، وكيف يجمعهم من حوله. ولهذا يستفزه التجاهل ولا يحب النقد ويرفض التوجيه ولا يريد أن يسمع إلا المديح وكلمات الإعجاب وكلمات التقرب ويصدق النفاق.

وهو حريص كل الحرص على صحته وبصورة مبالغ فيها، يأكل بحساب وينام بحساب ويمارس الرياضة البدنية لا يستمتع بها وإنما يحافظ أكثر على صحته وليعيش أطول..

ونكرر هو لا يعرف الحب ولا يستطيع أن يحب.. وإذا كان الأباء الطبيعين يتمنون أن يروا أولادهم في حال أفضل منهم، فإن النرجسي هو الوحيد الذي يغار من أبنائه ويدخل في منافسه معهم ليتفوق عليهم ليبدو شابا وأكثر جمالاً وجاذبية  وليتمتع أكثر بالشهرة وإقبال الناس عليه.. فإحدى مشاكل النرجسي هي الشهرة.. فهو يريد أن يتطلع إليه كل الناس وأن يحاولوا التقرب منه ويجب أن يرى نظرة الإنبهار في عيون الأخرين وأن يروا في عينه نظرة التعالي.. فهو بالقطع مغرور ومتكبر.

تتجسد معالم هذه الشخصية عندما " يتضخم مفهوم الذات عند الشخص ويفرط في الاعتداد بها ويعجب بنفسه وبقدراته وإنجازاته وممتلكاته ودراسته وتخصصه.
وأصحاب هذه الشخصية يعتبرون في الطب النفسي " مرضى (لديهم اضطراب في الشخصية) وهم رغم الإنجاز الذي يحققونه في الغالب ( في المناصب والألقاب والجاه والثروة ) إلاّ إنهم يعانون داخلياً من عدم الاستقرار النفسي  وتقلب المعنويات وسرعة انحرافها وتذبذبها بين التعالي واحتقار الذات وكثيراً ما يمرون بفترات اكتئاب أو قلق أو أرق.
و يجب الاعتراف بأن بعضنا أو لفيفاً منا من يقف عاجزاً عن كيفية التعامل مع تلك الشخصية ؛ والتي وضعت نفسها في قفصٍ من التعالي والغرور وتعظيم الذات ولا تريد الخروج من ذلك القفص لجهلها أن الحرية بخارجه لا بداخله !

فأرباب هذه الشخصية يميلون إلى الغرور والتباهي والكبرياء ويسعون لتضخيم أنفسهم أمام الآخرين ويتطلعون للفت أنظارهم بأي إنجاز يقومون به ، ويتفنّنون في استعراض أعمالهم وأحوالهم ويكثرون الحديث حول ذلك (بمناسبة وبدون مناسبة) ،ويهتمون بالشكليات والمظاهر وينسبون لأنفسهم حسنات الآخرين وإنجازاتهم ويحسدونهم عليها ويغارون بدرجة كبيرة من كل من حولهم ولا يريدون لأحد أن يبرز بجوارهم وليسوا مستعدين للبذل والعطاء للآخرين.

علاقاتهم انتهازية استغلالية تبرز فيها المصلحة الشخصية ولا يهمهم فقد صديق أو خسارة موقف ؛ المهم هو تحقيق أكبر قدر من المكاسب الذاتية ولا عبرة بمشاعر الآخرين وأحاسيسهم .

إذ كيف تتعامل مع من تتواضع له ويتكبر عليك ؛ وتُحسن إليه ويتنكر لفضلك ؛ وتجهد نفسك في أحيان كثيرة لتقديم كم هائل من الخدمات و التضحيات  ؛ ولا تجد منه أدنى شكر أو عرفان أو تقدير لما قدمته بل تجد بعض من طغى في النرجسية والغرور من ينكر ما قدمت له بشيءٍ من اللؤم ؛ ولا يرد لك أي شيء من الجميل لأنه لا أرض للعطاء لديه تُلقى فيها بذور الوفاء لتنبت ثمار شكر الناس والإحسان إليهم .

 للأسف فأرباب هذه الشخصية يقابلون النصيحة والتنبيه من الغير بالتعالي والغرور وهذا هو المتوقع مع مثل هؤلاء لأنهم ينقصهم الاستبصار بحالهم فهم لا يدركون مدى أنانيتهم وعجبهم ولذا فعلاج هؤلاء صعب جداً ."

فيكون من واجبك تجاه صاحب هذه الشخصية أن " لا تهجره كل الهجر ولا تبغضه كل البغض ، أبقِ بعض الصلة بينك وبينه فلعله يستفيد فيما بعد من توجيه تقدمه له سواء مباشر أو عن طريق رسالة أو صديق آخر قد يقبل منه أكثر منك ؛ ومهما كان فيه من سلبيات فإنك ستجد فيه إيجابيات تفيدك أو تفيد غيرك ."

ومن الممكن توجيه رسائل غير مباشرة لصاحب هذه الشخصية تحفزه على العطاء وأنه لا بد له منه حتى يستطيع التفاعل مع أفراد مجتمعه الذي ينتظرون منه على الأقل إشعارهم بأنهم أحسنوا وقدموا ما بوسعهم ؛ وبأن الحياة الإنسانية مذ عرفتها الأرض أخذٌ وعطاء لا أخذٌ فقط ! 

بقي أن نشير إلا أن كل منا له شخصيته الاجتماعية الفريدة وعالمه العجيب الذي يتميز عن غيره ، لذلك لن يرضى أحدٌ عن الآخر ذلك الرضى التام ؛ فلكلٍ له عيوبه ومساوئه ويبقى الخيار الوحيد أمامنا تعلم كيفية التكيف مع الشخصيات المحيطة والمتأثرة بنا أو المؤثرة علينا ، كما يجدر بنا النزول عن رغبات النفس وحظوظها الشخصية بأن نسلط المزيد من الضوء على حسنات غيرنا ونسدل الستار على مساؤهم .