بالعربية (القبّالة) وباللغة العبرية (قابالاه) ، وتعني مجموعة التفسيرات والتأويلات التَصوّفية في الديانة اليهودية . وكلمة (قابالاه) العبرانية تعني (قَبِلَ واستلم) ، ويُقصَد بها حاخامات(حكماء) الديانة اليهودية في استلامهم العقائد التصوّفية لتفسيرات كتاب (التلمود) اليهودي المقدّس . وتتم الإشارة إلى مَن يمارسون طقوس (القبّالة) من الحاخامات بكلمة (موقوباليم) أي العارفين بالفيض الإلهي للربّ (يَهْوَه) . ومصطلح كلمة (قابالاه) يعني القبول والتصوّف المتعلّق بالقضايا التشريعية للديانة اليهودية (هالاكاه) حيث يتناول قضيتين اثنتين في فهم (التلمود) اليهودي المقدّس وهما:
1 - قضية ثيوصوفية من (ثيوس) اللاتينية والتي تعني (إله أو ربّ) ، ويرتبط مفهومها في الديانة اليهودية بالمفهوم النظري (ثيورجي) الذي يدل على تدخّل الربّ في الأمور الدنيوية والبشرية ويضفي عليها صِبغةً خارِجةً عن الطبيعة المعروفة لدى عموم البشر كما هو الحال في (المعجِزات) الإلهية.
والمفهوم القبّالي في الديانة اليهودية يعني القوة غير الطبيعية الكامنة في قدرة (الحاخام) المُتَصوِّف العارف لأبعاد الفعل الإلهي والمشارِك في فعله عن طريق القوة غير الطبيعية التي يسعى الحاخامات (الحكماء) للاستحواذ عليها بالتمرّن الطويل.
2 - قضية الوصول إلى الاختبار التَصوّفي واكتساب المعرفة من ممارسات التصوّف ( la sofia ) والتي توصل إلى الحكمة (حوخماه) من خلال ترتيب اسم الربّ (يَهْوَه) عبر أساليب خاصة بالحاخام القبّالي وسريّة أو غامضة Mystic في اكتشاف عالَم الأسرار الخفية وإجادة الفنون التصوّفية التي تتناقلها (الحكماء) الحاخامات العارفون منذ أيام السبي الآشوري في (بابل) من أعمال (هاروت وماروت) اللذين كانا يُعلِّمان أسرارَ السحر البابلي المرتبط بقوى الجِنّ Demonology وبأسرار الملأ الإلهي الأعلى Angelology وبثنائية الظواهر الطبيعية (الليل والنهار) والظواهر البشرية(الروح والجسد) والظواهر الأخلاقية (الخير والشرّ).
وتتحدث (القبّالة) عن التصوّف في الديانة اليهودية الذي يوصل ممارسيه المؤمنين (انشي ايموناه) إلى أسرار العرش الإلهي (يوردي ميركافاه) بعد إتمامهم العلوم بأسرار التوراة (رازي هاتوراة) ، لأن (التوراة) الإلهية كتبها الربّ بنارٍ سوداء خفية وعليها نَصٌّ مكتوبٌ بنارٍ بيضاء ، وأن النصّ الذي حمله كبير أنبياء بني إسرائيل (موسى) في لَوْحَيّ جوهر العهد كان مكتوباً بالنار البيضاء فوق توراة الربّ المكتوبة بالنار السوداء والتي تخصُّ اليهود (شعب الربّ) من بني إسرائيل.
ويستطيع الخبير بأسرار (التصوّف القبّالي) أن يَفصِل بين حروف الأبجدية العبرانية المقدّسَة ليُسَخِّر بالحكمة معادلها الرقمي (غيماتريا) في الوصول إلى أسرار الدروب النورانية العشرة ( Sefirotics ) . لأن الربّ بدأ الخلق بإيجاد العقل ( هابرياهBeriah ) للإنسان اليهودي قبل أن يخلق أعمدة الكون الأربعة (الجِنّ والملائكة والإنس والشياطين) ، إذ أن الخلق الكوني كله يقوم على هذه الأعمدة الأربعة ، لأن ظهور الربّ (يَهوَه) يحدث بتناسقٍ مع الحروف الأربعة من اسمه وكان أوّله في عالم الانبثاق ( أتزيلوثAtsiluth ) كما دلّت عليه (التوراة) في سِفر العدد:
"فأنزل أنا وأتكلم معك هناك وآخذ من الروح التي عليك وأضع عليهم فيحملون معك".
وكان ظهوره الثاني في عالم العقل(هابرياهBeriah ) واتحاده مع السكينة(شيخيناهShekhinah ) كما جاء في سِفر الملوك"
"بكل مَن دُعي باسمي ولمَجدي خلقته وجبلته وصنعته".
وظهر في العالم التكوين (يتزيراهYetsirah ) الذي فيه مسكن الملائكة المُقرّبين العشرة كما جاء في سِفر الخروج:
"هاأنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجيء بك إلى المكان الذي أعددتُه".
بينما كان الظهور في العالم الرابع (آسياه Asiyah) الذي هو موطن الفوضى لسيطرة الشرّ حتى تختفي السكينة من النفوس ويتلاشى الإيمان في القلوب ، ويحين الوقت لمجيء ( المسيّا المُخَلِّص ).
وتقول (الحكماء) الحاخامات القبّاليون أن الملوك الذين حكموا أرض (ادوم) قد مَلَّكوا أطفال (إسرائيل) وكلّفوهم مهمة استلام مشاعل النور وتسليمها فيما بينهم ليُنيروا العالم بالعلوم وبالمعرفة ، ولهذا فإن كل واحدٍ من أطفال (إسرائيل) اليوم تَحفُّهُ سبعون من ملائكة الربّ فتحرسه وتحميه حيثما اتجهَ أو استقر . ولما علا تابوت الملك (طالوت) وارتفع إلى السماء وسط النار التي تحيطه ، نادى صوتٌ عظيم هَزَّ أركان الدنيا كلها وهو يقول:
" قومي يابنت صهيون واستنيري لأنه قد جاء نورك ، ومجد الربّ قد أشرق عليكِ وحدكِ لتنيري ، لأنه هاهي الظُلمة تغطي الأمم من غيرك ، والظلام يلبسهم جميعاً . أما أنتِ فيشرقُ عليكِ الربّ من نور (يهوذا) ونوره عليكِ يُرى فتسير الأمم وراءكِ والملوك تسجدُ لضياءِ إشراقك ".
وإن الربّ التلمودي (يَهوَه)يحكمُ أعمدة الكون الأربعة بحروف اسمه المقدّس:
- (ي) يحكم الماءَ بالجِنّ.
- (ه) يحكم النارَ بالشياطين.
- (و) يحكم الهواءَ بالملائكة.
- (ه) يحكم الترابَ بالإنس.
ومن تلازم الماء والتراب أخرج الربّ الطين الذي جعل منه آدم القديم (آدم قدمون) ، ويعتبر (الحكماء) الحاخامات القبّاليون أن الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد وظواهر الطبيعة والأحداث التاريخية ، ماهي إلا رموز ودلائل التبدلات الديناميكية التي تحدث في داخل الربّ أثناء حلوله في (شعبه المختار) فيتيح لليهود مشاركته في حياته الإلهية وفي سلطته على الكون.

