تحلّ هذه الأيام الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو 2013، تلك الثورة المجيدة التي خرجت فيها الملايين من أبناء الشعب المصري في مشهد غير مسبوق، مطالبين بإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين التي حاولت اختطاف الدولة، فأسقطوهم بإرادتهم الحرة، مؤكدين أن الشعب هو مصدر السلطات.
في هذا اليوم الفاصل، استعاد الشعب المصري العظيم، مدعومًا بمؤسساته الوطنية، دولته من براثن الفوضى والانهيار. كانت ثورة 30 يونيو انتفاضة لإنقاذ الوطن من مشروع ظلامي يهدد الهوية والدولة والمجتمع، ويعيدنا إلى الخلف قرونًا من التراجع والانقسام. إنها ثورة تاريخية غيّرت مسار الأمة، ووقفت لها شعوب العالم وقادته إجلالًا واحترامًا.
نحن نؤمن أن من بديهيات العدالة الإنسانية أن جميع البشر خلقوا متساوين، وأن الخالق قد وهبهم حقوقًا غير قابلة للانتزاع، من بينها الحق في الحياة والحرية والسعي وراء السعادة. ولضمان هذه الحقوق، تُقام الحكومات لتستمد شرعيتها من رضا المحكومين، فإذا انحرفت هذه الشرعية أو أصبحت تهديدًا لمصالح الشعب، فإن من حق الشعب تعديلها أو إلغاؤها وإقامة نظام أكثر عدالة.
لذلك، كانت ثورة 30 يونيو ضرورة وطنية وأخلاقية، لم تقتصر على حماية مصر فقط، بل كانت أيضًا حائط صد لحماية الشرق الأوسط والعالم من مشروع إرهابي عابر للحدود تقوده جماعة الإخوان وشركاؤها.
لقد أثبتت التجربة أن الأحداث إذا لم نربطها ببعضها ونستخلص منها الدروس، فإنها تتحول إلى مجرد ذكرى، خصوصًا في عصرٍ تطغى فيه الأخبار المتلاحقة وتشتت فيه العقول. ومن هنا تأتي أهمية التذكير الدائم بجرائم هذه الجماعة، التي تحاول عبر بث الشائعات وتشويه الحقائق أن تمحو من الذاكرة الوطنية سجلها الإجرامي في حق مصر وشعبها.
لقد كان عام حكم الإخوان من أسوأ فصول التاريخ المصري الحديث. فشلت الجماعة في إدارة الدولة، وفجرت حالة من الاستقطاب الحاد، واحتكرت السلطة، وضربت عرض الحائط بمبدأ الفصل بين السلطات، وأطلقت العنان لممارسات همجية غير مسبوقة، وقد تحمل المصريّين كثير من المعاناة حيث أخفقت الجماعة في كافة المجالات.
رسخ حكم مرسي وجماعته حالة من الاستقطاب الحاد، وقسم المجتمع بين مؤيد لمشروع النهضة الذي يمثله هو وجماعته دون أن يقدموا دليلاً واحداً علي هذا المشروع الوهمي مجرد كلام مرسل لكسب أصوات المواطنين في صناديق الاقتراع دون تقديم رؤية حقيقية لكيفية إدارة الدولة.
كما شهدت مصر خلال حكمهم أعمالاً فوضوية وهمجية منها قاموا بحصار المحكمة الدستورية العليا، وحصار مدينة الأنتاج الإعلامي ، وتهديد الإعلاميين والصحفيين ، وقتل الصحفي الحسيني أبو ضيف ، والأعتداء علي الكاتدائية المرقسية بالعباسية (المقر البابوي) ، وحادث قتل بعض المواطنين الشيعة بالجيزة وغيرهم .
أصدر الرئيس المقصي مرسي العديد من القرارات والإعلانات الدستورية وعمل هو جماعته بسرعة كبيرة علي ترسيخ الأخونة، وأطاح بسيادة القضاء وقام بعزل النائب العام، وتركيز كافة السلطات في يده لمحاولة الاستحواذ علي السلطة وإخماد كل أصوات المعارضين لهم ، مما دفع المصريين للخروج في مظاهرات عارمة إلى الاتحادية والتحرير لإسقاط الإعلان الدستوري الباطل الذي تسبب في إثارة غضب الرأي العام وعبر عن ضيقه بإحراق بعض مقار لحزب الحرية العدالة الذراع السياسي للجماعة وقتها.
كما وصل الأمر بالجماعة إلى الإفراج عن سجناء جهاديين من ذوي الفكر المتطرف والخطورة الإجرامية استوطنوا سيناء وسعوا إلى تكوين إمارة إسلامية متطرفة بدعم من جماعة الإخوان المسلمين ، ونفذت هذه الجماعات فعلاً خسيساً بالإجهاز علي 16 شهيداً من الأمن وقت الإفطار في رمضان، فضلاً عما تكشف بعد إقصاء رئيسهم من كون هذه الجماعات الإرهابية السند لجماعة الإخوان في حروبها الإرهابية ضد الدولة ، وقضية التخابر مع دولة أجنبية ضد مصر .
قامت قيادات الجماعة الإرهابية بالتآمر على مصر، وكانت الضربة التي سددها القضاء وفقاً لصحيح القانون للرئيس المقصي هي الإشارة إليه بالاسم وعدد كبير من قيادات جماعته بالتعاون مع حماس وحزب الله في واقعة اقتحام سجن وادي النطرون والتخابر .
ومن أخطائهم الكارثية المعالجة السلبية للغاية لملف بناء سد النهضة ، كشفت عن الافتقاد لأسس التعاطي مع الأزمات الممتدة منها أو الناشئة، فضلاً عن سوء إدارة الحوار مع القوي السياسية وبثه علي الهواء بما ساهم في توتر العلاقات مع الجانب الإثيوبي وأجهض أسس الحوار السياسي معه ومازلنا نعاني تداعياته للآن .
ناهيك عن تدني المستوي الخدمي وارتفاع أسعار السلع والخدمات دون تدخل حكومي يسعي لوقف جشع التجار، تكررت وبشكل متواصل أزمات البنزين والسولار، والانقطاع المتكرر للكهرباء.
كان هناك اتجاه واضح من جماعة الإخوان المسلمين نحو تغيير هوية مصر الثقافية، والعمل علي ارتدادها لحساب توجهات رجعية ، بدءً من منع عروض الباليه بدار الأوبرا، إلى إقصاء قيادات الثقافة والفنون والآداب، وإحلال قيادات تدين بالولاء للجماعة الداعمة للحكم.
ومحاولاتم طمس هوية مصر الثقافية والحضارية لصالح فكر متطرف دخيل على الشخصية المصرية الأصيلة المعتدلة.
لكن الشعب المصري العظيم، بوعيه العميق وحسه الوطني المتجذر في تاريخه، أسقط هذا المشروع الظلامي، وصحح المسار، ووقف بقوة في وجه محاولات الفوضى، ليبدأ مع ثورة 30 يونيو مرحلة جديدة من بناء دولة عصرية حديثة، تسعى للريادة وتحقيق أفضل المعايير العالمية.
لقد انتقلت مصر من مرحلة تثبيت أركان الدولة إلى مرحلة البناء والتنمية، وأثبتت قدرتها على استعادة دورها الإقليمي والدولي، وصارت نموذجًا في الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها في منطقة تموج بالصراعات.
إننا اليوم، إذ نستذكر هذه الثورة المجيدة، لا بد أن نحذر من عودة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، فهي جماعة لا تؤمن بالأوطان، ولا تقبل بالديمقراطية، وتُضمر العداء للدولة ومؤسساتها. مشروعهم قائم على التخريب والتكفير والولاء للتنظيم وليس للوطن.
هذه الجماعة لا تزال تمثل تهديدًا حقيقيًا لمصر والمنطقة والعالم، وتحاول بأشكال خبيثة التسلل مجددًا إلى وعي الشباب وعقول البسطاء عبر الأكاذيب والتضليل.
وعليه، فإن مسؤوليتنا الوطنية والتاريخية تفرض علينا التذكير الدائم بخطورتهم، ومجابهة فكرهم الإرهابي بكافة الوسائل القانونية والفكرية، لحماية الوطن واستمرار المسار الذي اختاره الشعب بوعي وحكمة.
لذلك فإننا ندعم الدولة المصرية لمواجهة كافة التهديدات والتحدّيات التي يمر بها الوطن، وأن الأمر يتطلب عملًا وجهدًا متواصلين ليبقي في أمن واستقرار، حفظ الله مصر وشعبها العظيم.

