خالد منتصر يكتب:الخلط بين التفكير العلمي والتفكير العقلي

لدينا مشكلة كبيرة فى تقبُّل العلوم والتفكير العلمى ومنهجه، هناك أسباب كثيرة لهذه المشكلة، على رأس تلك الأسباب أننا نخلط بين التفكير العقلى والتفكير العلمى، فأعظم الفلاسفة مثل أرسطو ونيتشه وكانط... إلخ، لا يمكن لفيلسوف منهم أن يصل إلى اكتشاف نظرية النسبية أو البنسلين أو الدى إن ايه بمجرد التفكير العقلى، ومستحيل مثلاً لكاربوف وكاسباروف وغيرهما من عباقرة لعبة الشطرنج أن يصلوا إلى معادلة فيزيائية أو نظرية الكم.. إلخ، لأن العلم له منهجه المنضبط وآلياته المختلفة، المنطق العلمى يختلف عن العقلى فى مبادئه والقواعد التى ينطلق منها ومجالات بحثه، لا ينقض العلم إلا علم مثله ولا يُبطل التجربة إلا تجربة أخرى، ولا يُبطل المنطق العلمى إلا منطق علمى آخر مبنى على التجربة والملاحظة والدلالات المادية، فهل تستطيع عقلياً، كما يقول كتاب جدلية التطور، تفسير وجود ذيل عند طفل مولود؟؟ مستحيل، أو تفسير وجود أعضاء حيوانية فى جسدك أو تفسير ظهور الخياشيم فى جنين؟

المنطق العلمى يمنحك المعنى ويفسر لك العلاقة التى تربطنا بهذه الأعضاء ويكشف عنها بالتجارب والمختبرات. المنطق العقلى منفرداً عاجز فى هذه القضايا وينطلق بالتفسير ليس من الدلالات ورصد الظاهرة، بل من الثوابت العقلية التى تربى عليها الفرد وتبناها لنفسه، وهى أنه لا يربطه شىء بباقى المخلوقات، ببساطة إن لم تعرف فلسفة العلم لن تفهمه أبداً، وستكرهه لأنه يزعجك. التفكير العلمى هو تفكير منظم يستخدم خطوات منهجية للوصول إلى نتائج دقيقة، التفكير العقلى هو تفكير عام يعتمد على المنطق البشرى، لكن هل من خلال هذا الكلام نقول إن التفكير العقلى أضعف، الإجابة: ليس أضعف، بل هو الأساس الذى ينبنى عليه التفكير العلمى، لكنه غير كافٍ لوحده إذا أردنا الوصول إلى الحقيقة الدقيقة القابلة للاختبار.

العلاقة بين التفكير العقلى والعلمى: التفكير العقلى أوسع وأشمل، ويستخدمه الإنسان يومياً فى قرارات الحياة، الأخلاق، العلاقات، وحتى فى الفهم العام للعالم. مثلاً: «أنا أظن أن فلاناً سيئ النية لأنه يتصرف بطريقة مريبة»، يظل هذا استنتاجاً عقلياً، لكنه غير مدعوم بأدلة علمية، التفكير العلمى فرع متخصص من التفكير العقلى، يضيف إليه المنهجية والتجريب والتحقق، فلا يكتفى بالمنطق وحده، بل يسأل: «هل يمكننى اختبار هذه الفكرة؟ هل يمكننى تكرار النتيجة؟». التفكير العلمى يبدأ دائماً من سؤال أو ملاحظة عقلية، العلماء يستخدمون «العقل» لابتكار فرضيات، لكن يختبرونها علمياً، التفكير العقلى مثل المحرك، والتفكير العلمى مثل نظام الملاحة الدقيقة. التفكير العلمى طريقة منظمة لفهم الظواهر باستخدام خطوات علمية واضحة، التفكير العقلى يعتمد على الفطرة، والمنطق، والخبرة الشخصية.

التفكير العلمى يعتمد على الملاحظة والتجريب والفرضية والتحقق منها بالتجارب، أما العقلى فقد يتأثر بالعواطف أو القيم الشخصية. التفكير العلمى يسعى للموضوعية ويعتمد على الأدلة القابلة للقياس، والوصول إلى حقيقة قابلة للتكرار والتجريب والنشر من خلال أدوات علمية وإحصائيات ومراجعة علمية، وشرطه أن تكون أفكاره قابلة للإثبات والتفنيد، ولكن التفكير العقلى أفكاره تبدو معقولة، وقد تكون صحيحة أو خاطئة، وتخضع للعقل المجرد.