انفجر إطار سيّارته الفخمة، وهو يقودها بسرعة جنونيّة خارج دولته العربيّة على قمّة جبل سياحيّ شاهق، تكسوه الأشجار الشّامخة التي ارتدت فساتينها الشتويّة البيضاء ، و تغطّيه الثّلوج ...
ولسوء حظّه فإنّ المنعطف القاسي الخطير أصبح قريباً منه، وسماكة الجليد مخيفة عليه....
وقد أدرك بلا أدنى شكّ بأنّه غير قادر على السّيطرة نهائيّاً على السيّارة المجنونة ،فلا يمكنه تخفيف سرعتها ولا إيقاف محرّكها بأحصنته القويّة ،والدّرب أمامه بهذه الحال المعقّدة ،وستدحرج بالتأكيد بعد أن تخرج عن الشّارع الجبليّ باتجاه الوادي، وسيموت متمزّقاً حتماً هو وزوجته الحسناء الشقراء الأجنبيّة النّحيلة ممشوقة القوام، وسيموت معهما أولادهما الأربعة المتفوّقون في دراستهم ،وسيضيع المبلغ الضّخم الذي سحبه من المصرف ووضعه في صندوق السيّارة ليكمل به ثمن البيت الذي اشتراه في حيّ راقٍ وسط العاصمة الأوروبيّة وسيتحطّم نقّاله الأغلى ثمناً الذي حصل عليه من خلال مزاد علنيّ فاز به بشقّ النّفس.....
وقد ندم أشدّ الندم بأنّه قضى حياته كافراً فلم يعتنق أيّة ديانة وهو في هذه اللحظات الحرجة التي يقترب فيها من الهلاك يحتاج إلى التضرّع والدّعاء إلى خالقه الذي لم يؤمن به إلّا بعد أن تعرّض للخطر الحقيقيّ من ثوان فقط.....
تدحرجت السيّارة بشكل مرعب بعد أن اصطدمت مقدّمتها بالصخور على جانب الطّريق .....
لكنّ صراخ زوجته الحسناء وأولاده وهم مرتعبون يطلبون النّجدة منه والذي ترافق مع صوت اصطدام السيّارة بصخور الشّارع الضّخمة جعله يستيقظ من نومه ويتخلّص من كابوسه المخيف وهو يتألّم من وجع في رأسه بسبب اصطدامه بالحائط القريب من سريره ......
نظر يمينه وهو متمدّد على سريره الخشبيّ القديم ويداه ترتجفان و قد أصابه الهلع وتسارعت دقّات قلبه ليجد المصحف الشّريف الذي يضعه دائماً بجانب رأسه فأسرع إلى ضمّه إلى صدره المضطرب ليأخذ منه الرّاحة والهدوء وراح يقبّل جلده العتيق و الدموع تنهمر من عينيه لترتاح فوق جلد ذلك المصحف المقدّس.......
نادى زوجته السّمراء القصيرة ممتلئة الجسم وقبّلها على جبينها أكثر من مرّة وقد كانت في نظره هذه المرّة أميرة الأميرات وجميلة الجميلات وممشوقة الممشوقات.....
وحمد الله الذي آمن به كثيراً ،بأنّه لايملك مالاً فجيوبه نظيفة من قذارته ،ولا يملك سيّارة بل يقتني حماراً هرماً، وبأنّه لم يغادر قريته الجميلة في الماضي و لا ينوي أن يغادر ترابها الطّاهر في المستقبل قريبه وبعيده.....
وحمد ربّه بأنّه لايملك نقّالاً ويكتفي وزوجته باستخدام الهاتف الأرضيّ....
وحمد ربّه أيضاً بأنّه لايملك بيتاً في المدينة وبأنّ بيته المتواضع مكانه في الوادي ،فهو لا يسكن الجبل كما يسكن غيره من الأثرياء في قصورهم فوق قمّته المرتفعة، وبأنّ الثلج لايهطل فوق بيته البسيط ولا على الطّريق التّرابيّ الذي يصلُ إليه.....
وحمد ربّه لأنّه لم يرزقه بأولاد لحكمة لا يعلمها إلّا هو فقد أراحه من حمل همومهم والخوف والحزن عليهم ....
فهذا الرّجل الريفيّ الطّيّب وبعد كابوس نومه المخيف الذي رآه في استراحته بعد الظّهر وبعد أن أشبع معدته من طبق البرغل بعدس(المجدّرة) الذي قدّمته له زوجته الماهرة في الطّبخ مع أوراق البصل الأخضر ورغيفي خبز التّنّور ،داهمته القناعة كلّها بسرعة أكبر بكثير من سرعة سيّارته الفخمة في الحلم وهي تهوي متدحرجة من قمّة الجبل باتجاه الوادي السّحيق.