الانتِظار... قطارٌ بلا صفّارة، يسحَقُ الأرواحَ المُنهَكة بصَمت، على سِكّةٍ طويلةٍ من الأشواك. إنه بائِعٌ مُتَجَوِّلٌ يوَزِّعُ الذكرَيات في مدينةِ الماضي البارِدة و ضَواحيها، حيث يبحَثُ جميعُ السُكّانِ عن حانة، و يُمَشِّطُ المَنطِقُ الشَوارِع باحِثًا عن تلك القُلوبِ المُتَسَكِّعةِ في ساعاتِ الاشتياقِ المُتأخِّر.
يُصابُ الوقتُ بالتُخمة فتَنامُ عَقارِبُ الساعة، و تستَيقِظُ العُيونُ الباكية بأمرٍ من الأرَق. تَزدَرِدُ الجُفونُ ألفَ دَمعةٍ و دَمعة عندما يَجوعُ الكِبرياء، و لا يبقى لنا سوى مُحاولاتِ الإنكار و التَظاهُرِ بالنسيان. نبحَثُ عن أطيافِهم في شَوارِعِ الوحدة، و نَمضُغُ الذكرَياتِ لنُسكِتَ قَرقَرةَ الأرواحِ الفارِغة. نَضَعُ أفضلَ الاحتِمالاتِ على الطاولة، فندخلُ مرّةً أخرى في لُعبةِ الرِهان مع الواقِع. نَخوضُ هذه اللُعبةَ العَقيمةَ رغمَ عِلمنا أننا سنَخسَر. و رغمَ أن الانتظارَ يَسحَقُ صُدورَنا كحجَرٍ ثقيل، إلا أنه ليس سَيئًا تمامًا. الانتِظارُ ليس سوى نُقطةِ المُنتصَف، حيث يَتِمُّ فَلقُ المُستقبَلِ إلى احتِمالَينِ وَحيدَين: إمّا الخَوض أو النهاية. إنه الثُقبُ الذي يُهَرِّبُنا من زِنزانةِ اللَحظة، إنه اللَحظةُ التي تستَمِرُّ في التَوَسُّعِ لتُنجِبَ ألفَ قصّةٍ جميلة في مَخاضِ الأملِ اللامُتَناهي. فما الحياةُ سوى انتِظار؟