د. صلاح هاشم يكتب : الحماية الاجتماعية للسجناء .. التجربة المصرية

د. صلاح هاشم يكتب : الحماية الاجتماعية للسجناء .. التجربة المصرية
د. صلاح هاشم يكتب : الحماية الاجتماعية للسجناء .. التجربة المصرية

 تتعرض الدولة المصرية من وقت لآخر إلى حملة انتقادات وتشويه من قبل وسائل إعلام غربية ومنظمات حقوقية تتعمد تجاهل مساعي الدولة لإحراز تقدم في شتى المجالات وعلى رأسها مجال حقوق الإنسان بل وتُصدر تقارير كاذبة تستهدف النيل من أمن الوطن والتشكيك فى أى إنجاز تحققه الدولة..إلا أن الدولة ماضية فى طريقها نحو البناء والتنمية مستمدة قوتها من تماسك شعبها ووقوفه صفًا واحدًا خلف قيادته السياسية الواعية. 

والمطلع على مثل تلك التقارير التى تفتقد لأبسط قواعد المهنية والموضوعية، يكتشف زيف ما جاء بها من معلومات وبيانات وأرقام لا تمت للحقيقة بصلة..  فليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يتم فيها توجيه انتقادات لملف حقوق الإنسان فى مصر بُغية تشويه سمعتها أمام المجتمع الدولي..وعلى الرغم من أن ملف حقوق الإنسان يُعد شأنا داخليا لا يتأثر بأى ضغط خارجي إلا أنه من الضروري تفنيد تلك الادعاءات ورصد كافة الجهود المبذولة من قبل الدولة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، بما يليق بمكانة مصر وطموحات شعبها الذى قام بثورتين فى 2011 و2013 لإعلاء قيم الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية والاجتماعية.

ومن بين الادعاءات الواردة فى تقارير بعض وسائل الإعلام الغربية والمنظمات الحقوقية المُغرضة، اللجوء واسع النطاق لعقوبة الإعدام، وتزايد حالات الاختفاء القسري، فضلا عن سوء معاملة السجناء واعتبار الافراج عن المسجونين مؤخرا عمليات "استثنائية" وأن آلاف السجناء السياسيين مازلوا وراء القضبان. ونحن من خلال هذا التقرير نفند هذه الادعاءات المشبوهة .. 

أولا- بخصوص ما يتعلق بعقوبة الإعدام 

إن المشرع المصرى قرر عقوبة الإعدام لعدد من الجرائم التى رأى أنها تنطوى على قدر بالغ من الخطورة والجسامة، وقد استخدم المشرع هذه العقوبة فى أربعة قوانين فى مصر وهى: قانون العقوبات ،  قانون مكافحة المخدرات، قانون الأحكام العسكرية، قانون الأسلحة والذخائر.

وقرر المشرع المصرى فى قانون العقوبات عقوبة الإعدام لطائفة من الجرائم، ومن هذه الجرائم ما يقع ماساً بأمن الدولة من جهة الخارج (المواد 77 وما بعدها من قانون العقوبات)، ومنها ما يقع ماساً بأمن الدولة من جهة الداخل (المواد 86 وما بعدها عقوبات) ومنها ما يقع ماساً بالأفراد.

كما أوجب القانون المصرى عدة ضمانات للحكم بعقوبة الإعدام تُقلل من أى احتمالات الخطأ، وهى: وجوب صدور حكم الإعدام بإجماع آراء المحكمة (وليس بأغلبية أراء أعضاء المحكمة)، وجوب أخذ رأى مفتى الجمهورية (يبطل الحكم إذا أصدرته المحكمة دون أخذ رأى المفتى )، وجوب عرض القضية على محكمة النقض لإعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة سواء كانت موضوعية أو شكلية، حيث يتم فحص أوراق الدعوى منذ بدايتها ومراجعة محاضر جلسات محكمة الجنايات وما بها من تقاريرطبية ومعاينات وأقوال الشهود وفحص الأدلة وجميع ما حوته الأوراق، وتقضى من تلقاء نفسها بنقض الحكم فى آية حالة من حالات الخطأ فى القانون أو البطلان، وإذا ما قضت محكمة النقض بنقض الحكم وإعادة المحاكمة من جديد ورأت محكمة الإعادة الحكم بالإعدام للمرة الثانية فعليها أيضا أن تتبع تلك الإجراءات مرة أخرى وهى أخذ رأى المفتى وإصدار الحكم بإجماع الآراء.

وتجدر الإشارة إلى وجود ضمانات أخرى قررها المشرع لأحكام الإعدام وهي ما نصت عليه المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض 57 لسنة 59 والتى تضمنت أنه إذا كان الحكم صادرا حضوريا بعقوبة الإعدام يجب على النيابة العامة ان تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة برأيها فى الحكم وذلك فى الميعاد المقرر قانونا "ستون يوما"..وهنا يرى المُشرع وجوب عرض الأحكام الصادرة حضوريا بالإعدام على محكمة النقض دون أن يتوقف ذلك على الطعن فيها من قبل أطراف الدعوى الجنائية ، وذلك لجسامة عقوبة الاعدام والحرص على أن يكون الحكم مطابقا للقانون والواقع، بل تقوم النيابة بعرض الحكم على النقض حتى لو كان الحكم فى نظرها لايطعن عليه. 

هذا فضلا عن ضمانة أخرى وهى ضرورة تصديق رئيس الجمهورية على أى حكم إعدام صادر من محكمة سواء عسكرية أو مدنية متى صار الحكم باتا ونهائيا واستنفد كل طرق الطعن (تم تأييده من قبل محكمة النقض)، حيث يرفعها وزير العدل لرئيس الجهمورية للتصديق، وينفذ الحكم إذا لم يصدر الأمر بالعفو كليا عن العقوبة أو إبدال العقوبة فى ظرف 14 يوما. 

وأخيرا وبعد كل هذه الضمانات والضوابط التى قررها المشرع نظرا لجسامة عقوبة الإعدام، تزعم وسائل إعلام ومنظمات حقوقية مغرضة أن أحكام الإعدام تُنفذ على نطاق واسع، متناسية التزام السلطات القضائية الكامل بسيادة القانون، وتوفير الضمانات الكاملة لأي متهم لممارسة حقه في الدفاع عن نفسه، وغيرها من الإجراءات واجبة الاتباع.

وعليه، فإن مثل هذه المنابر الإعلامية قد حادت عن معايير الموضوعية والمهنية عند إطلاقها لهذه الادعاءات التى تُعد تجاوزا غير مقبول في حق النظام القضائي المصري والقائمين عليه. 

ثانيا- تزايد حالات الاختفاء القسري

وبشأن ما يُثار حول تزايد حالات الاختفاء القسري في مصر، وجب  الإشارة إلى أنه خلال أحداث يناير 2011 حدثت حالات اختفاء لعدد محدود من الأفراد وتنامت تلك الأعداد خلال الاضطرابات التى شهدتها البلاد فى عامي 2012 و2013 ، غير أن التقارير والبلاغات التى قُدمت منذ عام 2014 حتى الآن تتسم بنقص كبير فى المعلومات بدءا من أسماء المدعى اختفائهم أو ظروف الاختفاء أو توقيته بدقة أو الجهات التى يزعم ارتكابها هذا الجرم.

وعلى الرغم من عدم جدية الشكوك فى  صحة العديد من هذه الادعاءات فقد حرص المجلس القومى لحقوق الإنسان على التحقق من جميع الشكاوى التى وردت إليه حول الاختفاء القسري، مؤكدا أن أغلب الحالات أما عرضت على النيابة العامة ومودعه بالسجن أو هاجروا خارج البلاد والتحقوا بالتنظيمات الإرهابية.

هذا وقد نفت وزارة الداخلية مرارا وجود حالات اختفاء قسري وأكدت أنه لا يوجد قيد الاحتجاز طرفها سوى السجناء أو المحبوسين بقرارا من النيابة العامة على ذمة قضايا تمهيدا لتقديمهم إلى المحاكمة أو الإفراج عنهم، وأنه ربما يكون من بين المُدعى باختفائهم قسريا عناصر غادرت البلاد للانضمام للمنظمات الإرهابية العاملة فى عدة بلدان عربية وأجنبية أو عناصر هاربة مطلوب القبض عليها تنفيذا لقرار النيابة العامة. 

وبشأن مزاعم الاختفاء القسري للباحث "أيمن هدهود" قبل وفاته، نفت كافة الجهات المسئولة هذا الادعاء، ومنها المجلس القومي لحقوق الإنسان الذى أكد فى بيان رسمي أن لجنة الشكاوى والرصد بالمجلس لم تتلق أي شكاوى من قبل أحد من ذويه تُفيد بتعرضه للاختفاء القسري.

ثالثا- سوء معاملة السجناء   

تعمد الإعلام الغربي وبعض المنظمات الحقوقية فى تقاريرها المُسيسة الترويج لوجود انتهاكات لحقوق الإنسان داخل السجون المصرية، معتبرة  الإفراج عن المسجونين مؤخرا عمليات "استثنائية" وأن آلاف "السجناء السياسيين" مازلوا وراء القضبان، وهو أمر تخطى المعقول وبه تجاوز في حق وسيادة مصر على أرضها، فتلك التقارير وغيرها لم تُقدم أدلة منطقية تؤكد صحة ما يتم نشره على المواقع الإلكترونية، ولم تُشر إلى حجم الجهود والإنجازات المبذولة على أرض الواقع بهدف تهيئة حياة ومعاملة كريمة لجميع المصريين، وعلى رأسهم "السجناء". 

رابعاً- جهود الدولة المصرية في حماية حقوق السجناء 

أغفلت تلك التقارير أن مصر تُعد من بين الدول الأعـلى في التصديق على الاتفاقيات الدولية الـ18 الخاصة بحقوق الإنسان بتصديقها على 10 منها، متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية التى صدقت فقط على 5 اتفاقيات، فضلا عن أن مصر شاركت فى إعداد وصياغة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان فى 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.  

هذا إلى جانب مشاركة مصر الفاعلة منذ نشأة الأمم المتحدة في جميع الهيئات التابعة لها في مجال حقوق الإنسان سواء تلك القائمة على ميثاق الأمم المتحدة أو القائمة على المعاهدات الدولية العشر الأساسية لحقوق الإنسان، إلى جانب مشاركة مصر فى آلية المراجعة الدورية الشاملة (The Universal Periodic Review (UPR منذ أن أسسها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عام 2006 .

كما خصص دستور 2014 والذى يُعد الأكثر تقدمًا في تاريخ الدساتير المصرية في مجال حقوق الإنسان والحريات، أكثر من 125 مادة يتم ترجمتها إلى نصوص قانونية تُطبق من خلال السياسات التى تتبنها الدولة لتأكيد على الحقوق الأساسية للإنسان في مجالات الحريات الخاصة والعامة والسياسة والاجتماع والاقتصاد وتجريم إهدار الكرامة الإنسانية وانتهاك الحياة الخاصة والتعذيب والتمييز، والتأكيد على كافة حريات التعبير والنشر والإبداع والاعتقاد والتنقل والملكية والعمل والإضراب وسيادة القانون. ويمكن رصد جهود الدولة في هذا السياق من خلال المحاور التالية: 

أ‌- الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تنظم معاملة السجناء والمحتجزين

وضعت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي فى سبتمبر 2021، ضوابط وخطط للتعامل مع السجناء وغيرهم من المحتجزين - والتى لا يتم تسليط الضوء عليها فى مثل تلك التقارير المغرضة - وجاءت على النحو التالي:

• أوصت أعضاء النيابة العامة بالإشراف والتفتيش على السجون وأماكن الاحتجاز ودور الملاحظة والرعاية، بجانب قبول شكاوى السجناء، وفحص كافة أوراق وسجلات السجن.

• أكدت على الاستمرار فى تطوير وتحديث منشآت السجون وإنشاء سجون جديدة لتقليل الكثافة في السجون في إطار التحسين المستمر في مستوى إعاشة السجناء ورعايتهم صحيا.

• طالبت بالتوسع في إنشاء فصول محو الأمية والتوسع في إقامة ندوات دينية وثقافية لنزلاء السجون بالتنسيق مع وزارة الأوقاف والهيئة العامة لقصور الثقافة لتنمية الجانب الديني والثقافي لدى النزلاء. 

• أكدت على أهمية إشراك منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات الحكومية في إعادة إدماج المفرج عنهم بالمجتمع وتقديم الدعم اللازم لهم ولأسرهم.

• وأتاحت الزيارات من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وفق الضوابط القانونية ذات الصلة.

ب‌- تعديل قانون تنظيم السجون 

لم تتطرق التقارير المُسيسة والانتقائية إلى موافقة مجلس النواب فى مارس 2022 على مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون، وذلك في إطار خطة الدولة لتطـوير المؤسسات العقابية من حيث مسمياتها، وأبنيتها، وإدارتها على نحو يهدف إلى ترسيخ قيم ومبادئ حقوق النزلاء بها، لتوفير الحماية المجتمعية لهم، وإصلاحهم وإدماجهم بالمجتمع، والاستفادة من تأهيلهم في برامج وخطط التنمية عن طريق دعم حقوق النزلاء التعليمية باستكمال دراستهم لمن لديهم الرغبة وأداء الامتحانات المقررة عليهم داخل مراكز الإصلاح والتأهيل العمومية، وتشجيعهم على الاطلاع .

يهدف هذا التعديل إلى إعادة تحديث الهياكل التنظيمية للقطاعات والإدارات الرئيسية بوزارة الداخلية ومسايرة التطورات الحديثة من خلال تغيير مسمى السجون الوارد في القانون إلى مراكز إصلاح وتأهيل عمومية أو مراكز إصلاح جغرافية أو مراكز إصلاح وتأهيل خاصة، وكذلك تغيير اسم السجناء إلى نزلاء، ومأموري السجون إلى مديري مراكز تأهيل، مع إعطاء حقوق جديدة للنزلاء مثل تسليمهم المذكرات والمكاتبات شخصيا

ويأتي تعديل قانون تنظيم السجون في إطار تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان التى ترسخ لها دولة 30 يونيو التى أدمجت حقوق الإنسان في مسيرة التنمية، حيث يعكس هذا التشريع تبنى المؤسسات العقابية لفلسفة جديدة قائمة على تحويل أماكن الاحتجاز التقليدية إلى أماكن نموذجية لإعادة تأهيل السجناء من منطلق أحقية المحكوم عليهم بألا يعاقبوا عن جرمهم مرتين، وبذلك تستهدف تحويل فترة العقوبة للسجناء إلى فتره للاستثمار في البشر.

و جاء افتتاح مركزى الإصلاح والتأهيل فى وادي النطرون ومدينة بدر  ليؤكد جدية الدولة فى حماية حقوق السجناء وحرصها على إصلاح المنظومة العقابية، حيث أصبحت مراكز التأهيل والإصلاح تضم أماكن لائقة للاحتجاز وتوفر مشروعات وحرف يدوية وتتيح تعليم وتثقيف ومحو أمية للنزلاء، وقد تم تشييد المركزين وفقًا لأرقى النظم المعمارية والاستعانة بمفردات التكنولوجيا الحديثة، وتم تزويدهما بكافة الأجهزة الطبية الحديثة التى تتواكب مع العصر لتقديم رعاية اجتماعية وصحية لكافة النزلاء.

ويؤكد مجلس حقوق الإنسان  بمصر على أن تلك المراكز الإصلاحية تأتي في إطار عملية متدرجة لإغلاق السجون القديمة وبناء مراكز إصلاح وتأهيل حديثة تتوافق مع المعايير الدولية  وأن افتتاح هذين المركزين يشكلان المرحلة الأولي في عملية التغيير الشامل لمفهوم المؤسسات العقابية في مصر.

كما حرصت وزارة الداخلية على إرسال القوافل الطبية إلى المؤسسات العقابية بكافة أنحاء الجمهورية بهدف إجراء الكشف الدورى على النزلاء واكتشاف الأمراض المزمنة وعلاجها وصرف الأدوية اللازمة مجانا ، مع متابعة حالات المرضى بشكل دورى مستمر.

هذا ويولي قطاع الحماية الاجتماعية بالوزارة اهتماما خاصا بتمكين وحماية المرأة النزيلة من خلال العديد من البرامج التأهيلية وأوجه الرعاية المختلفة التى تمتد إلى رعايتها اللصيقة لرضيعها حتى بلوغ سن العامين وتوفير المناخ والأماكن الملائمة لاستقبال أطفالها خلال الزيارات لتفادي إى تأثير سلبي على هؤلاء الأطفال من الناحية النفسية، بالإضافة إلى التعاون والشراكات مع منظمات المجتمع المدنى لتدريب النزيلات على الحرف والمهارات المختلفة.

كما يحظى ذوي الهمم من نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل بأوجه رعاية كبيرة من خلال استحداث عنابر جديدة لهم وتجهيزها على النحو الذي يلائم حالتهم، إلى جانب توفير وسائل الإتاحة بمرافق المراكز ورسم خطط للمعاملة والعلاج والتوجيه بما يتناسب مع حالتهم الصحية والبدنية.

هذا إلى جانب تدريب الدراسين بأكاديمية الشرطة على احترام حقوق الإنسان من خلال محاكاة بعض المواقف (الاستيقاف- ‏القبض -التفتيش-الترحيل- معاملة المساجين)، فضلا عن التدريب على الوسائل الحديثة في التحريات، وآليات تأمين المظاهرات السلمية والتعامل مع الشغب ‏والاعتصام وتعطيل المرافق العامة أو التعدي عليها.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن هناك زيارات مستمرة يقوم بها وفود حقوقية وممثلي وكالات أجنبية وصحف عالمية إلى السجون المصرية بالتنسيق مع قطاع الحماية المجتمعية للوقوف على أحوال السجناء وتفقد أوجه الرعاية التي تقدم إليهم. وتأتي هذه الزيارات في محاولة من وزارة الداخلية للرد على الإدعاءات وحملات التشكيك التي تصدر من بعض الأبواق الإعلامية الغربية ضد وضع السجناء في مصر.

ج- تفعيل لجنة العفو الرئاسي

أوصت القيادة السياسية خلال حفل إفطار الأسرة المصرية فى 26 إبريل 2022، بإعادة تفعيل "لجنة العفو الرئاسي" التي تم تشكيلها كأحد توصيات «المؤتمر الوطني للشباب» عام 2016 ، والتى بدأت بالفعل عملها ، وأطلقت منصة إلكترونية لتسجيل طلبات العفو عن الشباب المحبوسين على ذمة قضايا، ولم تصدر بحقهم أى أحكام قضائية.

 وتواصلت اللجنة مع مختلف الأحزاب والقوى السياسية وأعدت قائمة عاجلة من السجناء المقترح الإفراج عنهم،  مُعلنة عدم استبعاد أي أحد غير مَن تلوثت أيديهم بدماء المصريين، أو المتهمين في قضايا الفساد والتخريب والعنف ضد أبناء مصر وشعبها، على أن توسع قاعدة عملها بالتعاون مع الأجهزة المختصة ومنظمات المجتمع المدنى المعنية.

وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية قد أعلنت عن الإفراج عن 46 ألف سجين بمقتضي عفو رئاسي خلال الفترة من 2014 إلى 2018 ، كما تم الإفراج الشرطي عن 54 ألف خلال نفس الفترة ، وبهذا يصل عدد السجناء الذي تم الإفراج عنهم سواء بالعفو الرئاسي أو الشرطي في عام 2019إلى 34ألف و490 سجينًا.

كما شهد عامى 2020 و2021 الإفراج عن أكثر من 45 ألف سجين في المناسبات والأعياد المختلفة وفي عام 2022، تم منح عفو رئاسي عن 3273 سجينا.

 د- المبادرة الرئاسية "مصر بلا غارمين وغارمات" 

أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة "سجون بلا غارمين وغارمات"  فى 2018 بهدف الحفاظ على كيان الأسرة المصرية، والتى أولاها صندوق تحيا مصر اهتماما خاصا حيث رصد لها 42 مليون جنيه ليصل عدد المُفرج عنهم نحو 6400 حتى 2019. ثم أطلق الرئيس فى يونيو 2020 مبادرة أخرى تحت اسم "مصر بلا غارمين وغارمات" ليعلن انتهاء عصر الغارمات. 

وتم مؤخرا حصر الأحكام النهائية الصادرة ضد الغارمات بجميع المحافظات خلال أعوام (2019-2020-2021)، حيث بلغ عددهن 729 غارمة صادر ضدهن أحكام نهائية بإجمالي عدد 1222 قضية في مختلف محافظات الجمهورية، على أن يساهم البنك المركزي بنحو 61 مليون جنيه لسداد ديون الغارمات في القضايا المذكورة.

وفي 17 إبريل 2022 وجه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بحصر الغارمين في السجون وتوفير قواعد بيانات كاملة عنهم تتضمن توزيعهم الجغرافي وأسباب الغُرم لتحديد المستحقين وتوفير آليات أمنة للاستدانة، الأمر الذى يعكس عزم الدولة على إيجاد حل جذري لهذه الظاهرة.

وتجدر الإشارة إلى تشكيل اللجنة الوطنية لرعاية الغارمين والغارمات بتكليف من الرئيس حيث عقدت أول اجتماعاتها في يوليو 2020 بهدف وضع استراتيجية قومية لمعالجة هذا الملف بشكل نهائى وبما يحقق رؤية مصر بأن تكون سجونها بلا غارمين أو غارمات.

هـ- مشروعات ومبادرات دعم وحماية أسر السجناء  

من جانبها، تُولي وزارة التضامن الاجتماعي أهمية خاصة لرعاية أسر نزلاء السجون والمفرج عنهم بقصد معاونتهم على مواجهة مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن الرعاية اللاحقة للمُفرج عنهم بهدف مساعدتهم مادياً ومعنويا على استعادة مكانتهم والاندماج في إطار المجتمع، فضلا عن الحد من أى خطورة إجرامية قد يشكلونها على المجتمع المحيط بهم.  

وفى هذا الإطار، تُنفذ وزارة التضامن الاجتماعي مشروع دعم وحماية الأسر المعرضة للخطر "سند"  الذي يهدف إلى الدعم النفسي والتأهيل الاجتماعي والتمكين الاقتصادي لأسر السجناء والمُفرج عنهم بعفو رئاسي من خلال تمويل المشروعات الصغيرة أو متناهية الصغر بتسهيلات ائتمانية كبيرة.

هذا ويُوفر مشروع "سند" لأسر السجناء الخدمات الصحية، بالإضافة إلى إعفاء الأبناء من المصروفات الدراسية وإعطائهم الأولوية فى الحصول على الدعم النقدي من برنامج "تكافل وكرامة" الذى تنفذه وزارة التضامن منذ 2015.

ذلك فضلا عن إطلاق عديد من المبادرات التى تمكّن الأسرة من إيجاد دخل مناسب لها يحميها من الوقوع فى الدين، مثل مبادرة "دكان الفرحة"  لتجهيز الفتيات الأولى بالرعاية، ورفع العبء عن كاهل أمهاتهن، وبرنامج "مستورة" للسيدات المعيلات وللفتيات من سن 21 حتى 60 عاما، حيث يتم تقديم برامج تمويلية للمرأة من خلال بنك ناصر الاجتماعي لإنشاء مشروعات صغيرة تسهم فى تحويلها من متلقية للدعم، إلى عنصر فعال وطاقة منتجة.  

وختامًا، تُعد كل هذه الجهود والإجراءات التى اتخذتها الدولة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية بهدف إعلاء حقوق الإنسان وتوفير حياة كريمة لمواطنيها بمثابة أبلغ رد على مزاعم وأكاذيب الوسائل لإعلامية المغرضة والمؤسسات الحقوقية المشبوهة.

ونحن في هذا الصدد نوصي بضرورة إصدار قانون للعقوبات البديلة يعكس فلسفة جديدة تنطوى على الحد من العقوبات السالبة للحرية وتتسق مع الاتجاه العقابي الجديد في العالم، حيث يتم وضع عقوبات بديلة لعقوبة الحبس فى الجنح بناءً على تقرير للحالة الاجتماعية، وبإشراف وزارة العدل، وتشمل هذه البدائل، الخدمة المجتمعية، ومراقبة ضمن برنامج تأهيل سلوكي، إضافة إلى المراقبة الإلكترونية، وحظر ارتياد أماكن محددة، الأمر الذى يساعد فى رفع تصنيف مصر فى التصنيف الدولي لحقوق الإنسان، كما يرد وبقوة على كل محاولات التشكيك والتدخل السافر فى ملف حقوق الإنسان..حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه.

 

 

* كاتب المقال :

أستاذ التنمية والتخطيط بجامعة الفيوم 

ورئيس المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية " دراية "