أ.د صبري فوزي أبوحسين يكتب : الأدب الكوروني في مجموعة (مس كيلوباترا) للكاتبة وداد معروف

أ.د صبري فوزي أبوحسين يكتب : الأدب الكوروني في مجموعة (مس كيلوباترا) للكاتبة وداد معروف
أ.د صبري فوزي أبوحسين يكتب : الأدب الكوروني في مجموعة (مس كيلوباترا) للكاتبة وداد معروف


الأدب الكوروني في مجموعة (مس كيلوباترا) للكاتبة وداد معروف
إعداد الأستاذ الدكتور/صبري فوزي أبوحسين
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات  _ مصر
كتبت في بدء ظهور وباء الكورونا: أظن أن قادم الأيام سيخرج لنا-إن شاء الله تعالى- ما أسميه (الأدب الكورونيCornish literature). إنه تركيب وصفي، وصف فيه الأدب بالكورونية، نسبة إلى الفيرس"كورونا/كوفيد-19"، والوصف هنا قد يكون زمنيًّا، أي: الأدب الذي أبدع في زمن ابتلاء الكون بالكورونا. وهذا غير مقصود في بحثنا. وقد يكون الوصف فنيًّا أي الأدب الذي انفعل بكورونا وعبر عنه وصوره، وهو ذلك الأدب الخارج من رحم المعاناة الإنسانية مع هذا الفيرس، الذي عبر الحدود، وغزا الدول الممالك ودخل السلطنات، ولم يبق بيت مدر ولا وبر إلا دخله وأصاب منه. وقد تحقق ما قلته فكثرت الإبداعات الخاص بهذا الوباء مضمونًا وحالة وشكلاً، وكثرت الدراسات الأدبية والنقدية المتابعة لهذا الأدب الكوروني!
ومن الإبداع القصصي الكوروني المصري الرائد، والذي عاشرته تجارب أربع في مجموعة الأديبة وداد معروف (مس كيلوباترا)، التي جاءت في سبع وعشرين قصة، تنوعت بين القص القصير، والقص القصير جدًّا،  ومنها أربع أقاصيص كورونية، هي: (عندما عطست أم رامي)، و(من عربة الإسعاف)، و(وعي)، و(كوافير هيا)... 
و(المبدعة وداد محمود معروف) مثقفة مصرية، خريجة  كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم دراسات عليا في الإعلام، وحاصلة على الماجستير في الإعلام. وقاصتنا حاضرة في منتديات الثقافة المصرية بكل فعالية، فهي عضو عامل باتحاد كتاب مصر، وعضو عامل بقصر ثقافة دمياط الجديدة، وتعمل بالتربية والتعليم. وهي مبدعة فاعلة منجزة؛ ففي الأدب القصصي لها خمس مجموعات قصصية، هي: (ريشة من جناح العشق سنة ٢٠١٤م)، و(كارت شحن عام ٢٠١٦م)، و(لكنني أنثى عام ٢٠١٧م)، و(همس الملائكة عام 2018م)، و(فستان فضي لامع سنة 2019م)، إضافة إلى مجموعة قصصية مخطوطة سادسة، ومجموعة قصصية للأطفال، ورواية بعنوان (الأستاذ) قيد الكتابة. وقد نُشر لها في جريدة الأهرام، و في جريدة الجمهورية، و في مجلة الثقافة الجديدة، ومجلة المختلف، و جريدة الدستور، و في مجلة رواد، وجريدة المحرر، وفي مواقع إليكترونية عديدة مثل: نادي القصة السعودي، والرابطة التكنو إبداعية، و المنار الثقافية الدولية، وأسرار الأسبوع و القدس العربي وعديد من المواقع الأدبية. كما حضر إبداعها في الدرس الجامعي والبحث النقدي الأكاديمي، ونال كثير من إبداعها قراءات نقدية متنوعة من أبرز نقادنا المعاصرين. إنها كاتبة مصرية جادة أصيلة تنتمي إلى المدرسة المصرية المعاصرة في دنيا الأدب، الخضراء الحالمة البناءة المعطاءة.
وأعيش في هذه المقالة مع أقصوصتها(عندما عطست أم رامي)، وقد أبدعتها الكاتبة بتاريخ 27/3/2020م.  التي جاء نصها:
"بلغت الإصابات بفيروس كورونا حتى الآن ألف حالة، شفي منها ستمائة، ومازال في الحجر الصحي منها مائتان وخمسون، بينما بلغت الوفيات خمسين مواطنا".
- كفَى يا شيرين، أغلقي التليفزيونَ تعبتُ. لاحظي أني خارجٌ الآن لعملي في السنترال! وحتى أصل إليه سأنحشر وسط ركاب، اللهُ أعلم بحالهم! بعدها سأجلس على مكتبي، وستفد عليَّ أمة (لا إله إلا الله): هذا يريد توصيل الخدمة، وذلك يشتكي من الخدمة، وتلك تريد زيادة السرعة...
- شيرين: لازم أعرف كل شيء عن الفيروس. التوعية مهمة لنا؛ لنحتاط. إيطاليا أهملت فخرج الفيروس عن السيطرة ويحصد الآن الآلاف هامَةً .... هامَةً ! 
- ألَمْ تكفِكِ مقاطعُ الفيديو على كل التطبيقات؟! خذي راحتكِ. أنا نازل لعملي.
 لبس قُفَّازيه، ووضع الكمامة على وجهه، وحمل في يده زجاجة المُطهِّر.
 ناولته شيرين ورقة بطلبات البيت؛ ليجلبها معه من السوق عند عودته؛ فحظر التجوال سيبدأ من السادسة مساءً، ولن يستطيع بعد ذلك أن ينزل من البيت لجلْب أي شيء نسيه كما كان يفعل من قبل.
 أغلق الباب خلفَه، تصادف خروج جاره من باب شقته، أشار له بيده محييًّا، ونزل درجات السُّلَّم، قال لنفسه: لن ألمس الدرابزين كما كنت أفعل من قبل، لا أعرف من لمسه ومن منهم مصاب من عدمه. احتكت يده بالحائط سهوًا، وقف ليضع عليها المُطَهِّرز
 وهو يخرج من باب العمارة، تفاجأ بدخول أم رامي جارتهم، عطست في وجهه، تزلزل كيانه صرخ فيها قائلاً:
- ما هذا يا أم رامي؟ هكذا في وجهي، لا منديل معك ولا كمامة فوق أنفك! 
ارتبكت المرأة، وقالت: 
- مشيت في الشمس، ومن عادتي أن تستخرج الشمس مني ثلاثَ عطساتٍ متتابعاتٍ كلما مشيت فيها. 
- ومتتابعات؟!  يا ألله! وهل ستعطسين مرتين أيضًا؟! 
جرى من أمامها عائدًا لشقته يعيد تعقيم نفسه.
 اندهشت شيرين لعودته، تبعته حتى حوض الغسيل؛ لترى ما أعاده؟! غسل وجهه خمس مرات بالصابون مع تكثيف الرغوة، بعدها سكب نصف زجاجة الكولونيا على يديه ومسح وجهه ورقبته وملابسه، ربما يكون أصابها رذاذ من عطسة أم رامي.
ضحكت شيرين، وقالت له:
- كفَى أنت أيضًا يا وائل. ستتأخر عن عملك. تقلَّص وقت العمل في زمن الكورونا وأصبح نهاية الدوام في الواحدة والنصف، وقد اقتربت الساعة من التاسعة والنصف! مازال أمامك مواصلة بالسرفيس.
- بزهق قال: منك لله يا أم رامي، حتى بعد أن غسلت وتعقمت، مازال الفأر يلعب في صدري من عطستك، عندما أصل عملي سأتصل عليك لتخبريني بعد أن تتحسسي أخبار أم رامي هل حرارتها مرتفعة أو لا؟! وهل عندها أي أعراض كورونا؟!