جاكلين جرجس تكتب :المرأة الأرمينية القوية تقود المجتمع

جاكلين جرجس تكتب :المرأة الأرمينية القوية تقود المجتمع
جاكلين جرجس تكتب :المرأة الأرمينية القوية تقود المجتمع
فى ذلك اليوم العصيب لم تجد تلك الفتاة الصغيرة سبيلاً للهروب من تلك الحفرة المكتظة بالدماء والجثث المغلفة برائحة الدماء والفزع، سوى أجساد القتلى الأرمن ممن ساقهم العسكر العثمانيون إلى الإعدام ، تسلقت جثثاً لم تعرف وجوهها، تضرعت و شكرت ربها على نجاتها من الموت بأعجوبة ؛ لكن كيف لعقلها الصغير أن يفكر فى خطة للهروب و الفزع يملأء وجدانها و جسدها يكسوه الرعب من شعر رأسها وحتى أصابع قدميها تتسأل فى وحدتها أين طريق النجاة ؟!، لا تعرف كيف ستتمكن من استكمال مسيرتها و حياتها مهددة و حافلة بالمخاطر مئات الأسئلة لم تجد لها اجابة سريعة تشفى غليلها مما أين أهلها و أين هى و ماذا تفعل فى هذه الصحراء الموحشة ؟! ؛لكنها اتبعت حسدها و قلبها الصغير يرتعش رعبًا وهلعًا و كأنها فى كابوس مرعب لا تستطيع أن تستفيق منه ؛ لكنها تلمست جسدها النحيل لتتأكد أنها لازالت على قيد الحياة ، واقع مُر لفتاة وحيدة فى صحراء قاحلة قاسية مرعبة تتلمس خطواتها بحذر خوفًا من أن تغرز قدماها الصغيرتان فى بركة الدماء أو تتعثر فى عظام الموتى اللذين لا تعرفهم تهرول مرتعبة تجرى بأقصى سرعتها لتبدأ رحلة الهروب ،سيراً من ولاية أضنة،حيث قُتل مئات من أبناء قوميتها .
   و تؤرخ كتب التاريخ بداية  القصة و كيف كانت رحلة عذابات الأرمن على يد الأتراك بداية من القرن السادس عشر وقتها كان الأرمن تحت الحكم العثمانى ، و خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر كأن ما حدث فى الرابع و العشرين من شهر أبريل عام 1915 كان أمس عندما بدأ الأرمن يُطالبون بإصلاح أحوالهم المعيشية و مساواتهم مع المسلمين ، بعدها تمت معاهدة برلين 1878 و نصت المادة ( 61 ) من الإصلاحات الأرمنية و حماية الأرمن من الاعتداءات التركية و الكردية و الچركسية لكن الإدارة العثمانية اعتبرت المادة ( 61 ) تدخلًا أوروبيًا فى شئونها الداخلية و رفضت تنفيذ هذه المادة مما دفع الأرمن إلى العمل الثورى لتنفيذها ؛ فما كان من الإدارة العثمانية إلا أنها واجهت الثورة الأرمنية بالملاحقات و الاعتقالات و فرض مزيدًا من الضرائب و كبت الحريات ، بعدها ارتكب الأتراك القوميون مذابح الأرمن لأسباب سياسية و اقتصادية واجتماعية و دينية ، فقد أرادوا تحويل الإمبراطورية العثمانية إلى دولة تركية قوامها الأتراك فقط ؛ ولذا ، رأى الأتراك أنه يجب التخلص منهم حتى يكون الاقتصاد فى أيدى الأتراك فقط ،واجتماعيًا لأن الأرمن لهم ثقافة ولغة و أبجدية مختلفة عن الأتراك .
   وانتهى المشهد العثمانى الأرمنى باقتراف المذابح الحميدية 1894 – 1896 التى راح ضحيتها حوالى 300 ألف أرمنى ، ثم تكررت المذابح فى عام 1909 فى منطقة قيليقية ،وفى عام 1915 حدثت عمليات الإبادة وراح ضحيتها حوالى مليون ونصف المليون أرمنى ، بعدها حدثت مذابح مطلع عشرينيات القرن العشرين راح ضحيتها عدة  آلاف .
بالطبع وقتها لم تسلم المرأة الأرمنية و اطفالها من عمليات الإبادة الممنهجة فقاموا بعزل النسوة الأرمنيات قبل قتل أزواجهن أمام أعينهن ،ثم جرت تعريتهن وكان الاغتصاب جزءًا لا يتجزأ من مشاهد الإبادة الجماعية حتى صلبهن ؛ فقد كان القادة يخبرون العساكر بأن يفعلوا بالنساء كل ما يتمنوه ، مما أدى إلى انتشار الاعتداء الجنسي على نطاق واسع، وتم بيع بعض النساء كعبيد جنس في بعض المناطق، مما شكل مصدراً هاماً للدخل للجنود المرافقين و أن حوالي ربع الفتيات الشابات، تعرضن للاغتصاب بشكل منتظم من قبل رجال الدرك العثماني ،بينما كانت أقصر طريقة للتخلص من النساء والأطفال في مختلف المخيمات هي حرقهم .
   عانى الشعب الأرمنى كثيرًا من ويلات تلك المذابح ويقاسى الأن شباب الأرمن فى محاولات مستمية للإعتراف بالمذابح التركية فى حق الأرمن الأجداد ؛ فبالرغم من نجاح اللوبي الأرمني في محاصرة تركيا، عبر انتزاع الاعتراف بهذه المجازر، حين بحثت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في جلستها المنعقدة في مارس 1979 التقرير المتعلق بالإبادات الجماعيّة، وقررت اللجنة، بأغلبية ساحقة، إعادة الفقرة (30) إلى التقرير، و هى المتعلّقة بالمذابح الأرمنيّة، كانت قد حذفت من التقرير، نتيجة الضغوط التركيّة واتخذت  قرار يقضي بإدراج المذابح المرتكبة بحق الأرمن عام 1915 كأول جريمة إبادة في القرن العشرين ؛و كذلك نجاح اللوبي الأرمني في انتزاع اعتراف بهذه المذابح من البرلمان الأوروبي و إعلان كنيسة "  اتشميادزين " قداستهم كشهداء أبرار فى حضور شخصيات رسمية و رؤساء الكنائس المسيحية المشرقية و ممثلين من الكنيسة الكاثوليكية و البروتستانتية.؛ إلا أن تركيا لا تزال تعاند بمنتهى العجرفة و بكل إصرار على عدم  الإقرار بتلك المذابح البشعة و إلا إنسانية و كأنها تُصر على  تصدير شرها للعالم .
   لكن تظل كلمات الشعر و القصائد لا تجف على مر الزمان ؛ بالرغم من مرارة الألم و حسك الخوف الذى نبت فى قلب كل فتاة أرمينية لكن نبتت بداخلها براعم الأمل و العناد و المثابرة لتصبح تلك الفتاة بطلة قصتنا هى المرأة الأرمينية التى تقود المجتمع الأن نحو نهضته فمنذ إعلان قيام دولة أرمينيا عام 1991 و المرأة الأرمينية أثبتت حضورها فى جميع مجالات الحياة و الأنشطة المختلفة ، فنجدها سياسية بارعة مثل أربين هوفهانيسيان وهي مناصرة لقضية المرأة و محامية و هى أول إمرأة تشغل منصب  وزيرة عدل سابقة في الحكومة الأرمينية وهي حاليا نائبة رئيس الجلسة العامة لبرلمان جمهورية أرمينيا. 
   و هناك من برعت فى مجال الصحافة  و هى زاروهي باتويان ولدت عام 1979 في يريفان .التى تخرجت من قسم الصحافة في جامعة ولاية يريفان و كانت رئيسة تحرير مجلة الأطفال "عباد الشمس " و مسؤولة عن حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في منظمة "جسر الأمل" غير الحكومية. 
   أما هروش هارنت هاكوبيان تُعد المرأة الوحيدة التي خدمت لأطول مدة في الجمعية الوطنية لجمهورية أرمينيا وهي الوزيرة السابقة لشؤون الأرمن في الشتات كانت هاكوبيان واحدة من سبعة أعضاء فقط في برلمان أرمينيا ، و أول امرأة يختارها الشعب الأرميني لتصبح "مرشحة مباشرة" منصب بدلًا من أن يختارها "حزب سياسي" في عام 2005 ،دعمت بشدة "قانون الكوتا بين الجنسين" بهدف زيادة نسبة المشاركة للنساء الأرمينيات في السياسة الأرمينيا .
   الكثير من السيدات الأرمنيات تقلدن المناصب و نفضن غبار الخوف من على جسد كل إمرأة و فتاة أرمنية فبقيامتهن و انتصارهن قامت أرمينيا مرة أخرى دولة قوية عفية لا تنكسر و أن كانت مذابح الأرمن تعتبر من أبشع جرائم الإبادة الجماعية إلا أن المرأة الأرمينية كالغصن الرطب تميل إلى كل جانب مع الرياح فالقوة الكامنة فى كل فتاة و إمرأة تجعلها لا تنكسر في العاصفة كما لم تنكسر أرمينيا بالرغم من هول ما قاسته لكنها ستبقى شامخة مرفوعة الرأس إلى الأبد .