إدوارد فيلبس جرجس يكتب: والعقول أيضا تحتاج إلى بناء

إدوارد فيلبس جرجس يكتب: والعقول أيضا تحتاج إلى بناء
إدوارد فيلبس جرجس يكتب: والعقول أيضا تحتاج إلى بناء

 

الجمع في كلمة " العقول " قد لا يعني الجميع ، لكن يعني الكثير ، والكثير يعني أن النسبة قد تزيد عن 50% ولذا رأيت أن أكتبها بالجمع لأن كلمة " البعض " لا تعني ما أقصده أو قد يظن البعض أنها نسبة قليلة أو تقدر بالأفراد ، للأسف النسبة كبيرة التي تحتاج إلى بناء العقول ،  نسبة منها نستطيع أن نقول وبمنتهى الأريحية أن البناء لم يعد يصلح لها ، بمعنى أن الزمن عدى بها وكبرت ولم يزل مستواها في الحضيض وهي نسبة لا يستهان بها ، أما الباقى قد تكون الفرصة لا تزال مواتية للبناء أو إعادة البناء الذي يجب أن يبدأ فورا وقبل أن تلحق بسابقتها أو تسبقها إلى الحضيض وتصبح عملية بناء الدولة في جميع الاتجاهات وكأنها البنيان فوق الرمال ، لأن ما تبنيه الدولة من إصلاحات أو حوائط خرسانية أو تقدم في أي مجال يمكن أن يُهدم بمنتهى السهولة بيد هذه العقليات الحضيضية وأعتقد أن عمليات التخريب التي حدثت في الفترة الإخوانية خير مثال على ذلك فما ابأس الوضع إن لم تُحجم العقول التي لا تزال مغيبة وكأنها سكرى أو مخدرة وما أبأس العقول السلفية التي قد يكون ضررها على المجتمع أكبر وأفدح من العقول الإخوانية . المجتمعات أو الدول لا تقاس بعدد سكانها من الرجال أو النساء أو الشباب والفتيات ، لكن بعدد العقول العاملة بالفكر الإيجابي المستنير وليست العاملة بالفكر السلبي المظلم ، أو اللافكر على الإطلاق . في الفترة التي أمضيتها في مصر وهي ليست بالقصيرة ، رأيت الكثير وشاهدت الكثير ، ومقالي العدد الماضي " وعادت مصر إلى مصر " المقصود به أن مصر الآن كقيادة تعتبر من أزهى الفترات التي مرت بها مصر منذ ثورة يوليو1952 ، وما عانته في الفترات التي تلتها إلى أن وصلت إلى الآن ، عانت الكثير من عاهات الحكم والقيادة التي كانت دائما تنتهي  بشئ مؤسف فكل فترة للحكم كانت تنتهي بمصر إلى العودة لنقطة الصفر أو ما قبله . وأرجو لهذه الفترة أن تسير إلى الأمام وتزدهر ومن تقدم إلى تقدم وهذا لن يتأتى إلا ببناء العقول للأجيال الحديثة التي تبدأ من سن الطفولة ومحاولة للإصلاح بالنسبة للعقول الأكبر والوقوف والتصدي للعقول التي كبرت وشاخت وللأسف لم تجد من يبنيها على الصواب فأصبحت تحمل من الخطأ ما يفوق كثيرا ما تحمله من الصواب هذا إذا كانت اكتسبت بعض الصواب من أصله ، ظاهرة اجتماعية في الحقيقة تُناقض وتَنقض البناء الحديث للدولة وقد  افتقرنا إليه بعد غياب طويل ، بل يُخشى منها وهي لا تزال في غيبوبة الفكر بصفة عامة أو الفكر الديني الخطأ أو المتطرف ، هذا الفكر الذي يشبه في عدواه فيروس كورونا أو قد يزيد فهو سريع الانتشار بدليل هذا الكم الهائل الذي نراه في المجتمع من الفتاوى التي تباع وتشترى حتى في بعض القنوات الإعلامية وهؤلاء الدعاة الذين يظهرون على الشاشات وكأنهم يمثلون أدوارا سينمائية ويطلقون حناجرهم بكل ما هو غث من أفكار لو حُللت لتأكدنا أنها لا تصدر سوى من عقول خوت تماما من العلم والدين . للأسف نوعية من الرجال موجودة الآن والأسف الأكبر أنها جَرتْ معها أو بمعنى أدق سحلت معها مجموعة من النساء سواء برضاهن أو مكرهات لتسير في ركابها الذي لا يفسر سوى بأنه التخلف الفكري الذي يكلف المجتمعات ثمنا باهظا ، فالرجال تخصصات ، منهم من يهتم بالسياسة ، ومنهم من يهتم بالعلم ، ومنهم من يهتم بالفن ، ومنهم من يهتم بالإبداع ، أما النوع الذي أتحدث عنه هم هؤلاء الذين أنظر إليهم كعورات مجتمعية ، يشغلون  أنفسهم بخيالات مريضة ونفسيات معقدة أسفل أرجل النساء ، هؤلاء هم الذين يهاجمون المرأة ، ينعتونها بالعورة ، يودون لو كتموا صوتها بكاتم من الحديد ، لا يرون فيها سوى العري الذي يحرك خيالاتهم المريضة في كل اتجاه ، الجنس هو المسيطر على على كل خلايا عقولهم ، وأن المرأة مخلوقة لإرضاء شهواتهم المعقدة ، هذه النظرة السوداء السيكوباتيه هي التي تسعى إلى تحطيم نصف المجتمع وقد يزيد . أُدافع عن المرأة من خلف عمر طويل قضيته في متابعة الهجمات الشرسة عليها من أشباه رجال ، وللأسف وجدوا من من يصدق على هجماتهم من شبيهات للنساء ارتضين الخنوع وقبلن بأن يعاملن معاملة الجواري . ليت أشباه الرجال يعلمون أن الخشبة التي في عيونهم أكبر بكثير من القذى ( العود ) الذي في عيون النساء . يفهمون قصة الخلق خطأ ، الله خلق آدم من التراب ليكسر نفسه لأنه يعلم كم سيتجبر نسله من الرجال ، وخلق المرأة من ضلعه أي من لحم وعظام ، لا لتكون تابعة له ، لكن ليعطيها كرامة أفضل ، لكن من يسمع في عالم أشباه الرجال!!،  رجال عيونهم لا ترى سوى العورات ! ، أذانهم لا تسمع سوى صوت الجنس !، ألسنتهم لا تنطق سوى بالباطل !، عقولهم إُغلقت تماماً !!!!!. هؤلاء يكذبون بمنتهى الصدق !، ويغشون بمنتهى الضمير ! ، وينصبون بمنتهى الأمانة ! ، ويخونون بمنتهى الإخلاص ! ، ويدمرون بلدانهم بكل وطنية !. أقول وأثناء وجودى بمصر شاهدت وقرأت الكثير عن العقول التي لم تزل تعيش في الظلام ، حكايات في الصحف ، وحكايات على مواقع التواصل الاجتماعي ورؤية ومشاهدات وسلوكيات على الطبيعة في الشارع وفي كل مكان تقول أنه لا خطوات جدية أُتخذت لإصلاح أو انقاذ ما يمكن انقاذه من العقول أو خطوات جدية اتخذت نحو العقول التي لا تزال في مهدها حتى تنشأ من البداية بالفكر الذي يجب أن يكون للجميع في " الجمهورية الجديدة " ، فمن ناحية السلوكيات الفردية فحدث ولا حرج عن طبقة لا تزال تستمرئ الإهمال واللامبالاة ومحاولة كسر أي نظام هذا عدا الغش والخداع وعدم احترام النظام أو القانون ، طبقة لا تقل فسادا عن بعض المسئولين الذين يتحينون الفرص للكسب من الحرام بكل أنواعه وطرقه ، طبقة لا تزال ترى في الشارع مكانا لمخالافتهم وإلقاء قاذوراتهم ، وأنواع من المركبات الكبيرة والتكاتك الصرصارية التي أصبحت تثير فزع المارة وللأسف تحت بصر وعين رجال الشرطة والمرور الذين لا يزال البعض منهم في عهد مد اليد لتحصيل أتاوات توضع في جيوبهم من هؤلاء العابثين بالأمن وسلامة المواطن  ، الحديث في هذا الموضوع يطول ويطول وكأن ما يحدث في البلد من إنجازات يسير في واد وهم في واد آخر . أما هؤلاء الذين يعيشون حتى الآن في عالم اللحي المزيفة والنقاب والتحجب المظهري أو الزائف فهو موضوع لا يقل أهمية وخطورة عن أصحاب الفساد مجتمعين ،  فمثلا ما حدث مع الفتاة " حبيبة " الطالبة في جامعة طنطا مهزلة واضحة للعقول المتخلفة ، والتي اثارت ضجة في وقتها وحتى الآن لم تنته ، الطالبة ذهبت لأداء الامتحان وهي ترتدي فستان تحت الركبة " أي محتشم "  ، لكن العقول المتخلفة رأت أنها جريمة تستحق العقاب ووجدت من التنمر كما لو كانت ارتكبت فعلا فاضحا ، فانبرت إحدى المتخلفات لا أعلم وظيفتها إن كانت مراقبة أو خلافة قائلة لها " هو انت نسيتي تلبسي البنطلون ، وكأن البنطلون أسفل الفستان قد أصبح عنوانا للشرف والفضيلة ، وحتى يكون الحديث له واقعيته قررت أن أضع فقرة من حديث حبيبة تحكي فيها الواقعة التي أن نمت فهي تنم عن سفاهة العقول (  قالت: كنت ذاهبة إلى الامتحان ودخلت إلى لجنتى وعندما أديت الامتحان خرجت لاستلام بطاقتى لأننا نسلمها عندما ندخل اللجنة، فسألنى مراقب الامتحان.. أنت مسلمة أم مسيحية؟ فتعجبت من السؤال جدا، ونظر إلى نظرة غريبة وقالى خلاص خلاص.. وعندما خرجت وجدت 2 من المراقبين نساء واحدة جذبت الثانية إليها لكى تقول لها.. تعالى شوفى لابسة ايه . لم يكن فى رأسى أن هذا الكلام كله يخصنى ، أو أن كل هؤلاء ينظرون إلى بسبب فستانى، ولكن إحدى المراقبتين قالت لى.. انتى نسيتى تلبسى بنطلونك ولا ايه؟!، وظلتا تتحدثان مع بعضهما البعض عنى وأنا لم أر أى سبب للحديث عنى بهذا الشكل، والمراقبتان واحدة كانت ترتدى النقاب والأخرى ترتدى الخمار، ووجهت إحداهمن حديثها إلى الأخرى قائلة: دى مسلمة وقلعت الحجاب وقررت تبقى مش محترمة وقليلة الأدب وزمان كانت محجبة ومحترمة.. وأنا لم يكن فى مخيلتى فكرة عن هذا الهجوم ضدي  . المنتقبة قالت لصديقتها التى ترتدى الخمار، هذه من الإسكندرية وهما كده الإسكندرانية ، وقالت لى وانتى ماشية الهواء هيطير الفستان وهيترفع ، وقالت لى لا أنتى ربنا يهديكى وترجعى لحجابك ودى فترة يا بنتى وهتعدى ، والناس فى الكلية كانت بتنادى بعض للفرجة عليا، من كتر ما خلتنى فرجة فى الكلية ، وأنا ماعملتش لحد حاجة ، وبعد ما روحت نزلت البوست على الفيس والناس قالت لى قدمى شكوى ولازم الموضوع يكبر علشان ده تنمر، وينزل تحت بند تحرش لفظى وخصوصا إنه كان فيه مراقبين رجالة وكانوا بيتفرجوا عليا ) . ونهاية لهذا الموضوع المؤسف الذي اثير حوله ضجة أقول أن تحقيقات اتخذت بشأنه ، لكن ما هي نتيجة هذه التحقيقات ، نتيجة مخزية للأسف ، ظلم أكبر وقع على الطالبة وتنمر أكثر ضرواة ، وتعنت في نتيجة امتحاناتها أدى لرسوبها ظلما ، ولكن أيضا للرحمة أبوابها فتبنى أحد رجال الأعمال دراساتها في إحدى الجامعات الخاصة ليبعدها عن عن هذا الفكر المتخلف ، وللأسف أين هذا الفكر المتخلف ؟! أجيب وفي داخلي كل الخوف والمخافة أن تنتقل عدوى جامعة طنطا إلى باقي الجامعات ومن يدري فقد يكون في بعضها بالفعل لكن لم يجد الجرأة من أحد كفتاة جامعة طنطا ليكشف عنه ، أطالب أن يعاد التحقيق من البداية في هذا الموضوع من مبدأ أن معظم النيران تأتي من مستصغر الشرر ، فإذا أصبح هذا الفكر في الجامعات أو بعضها فهل ينتظر أي تقدم وهل ستكون جمهورية جديدة ؟!.  أما ما حدث من إحدى الفنانات التي تحجبت ثم تنصلت من الحجاب ثم تحجبت بعد أن أقنعها داعية من هؤلاء الذين يخرجون على الشاشات ولا عمل لهم سوى اقتناص الفتيات أو الزواج من إحدى الفنانات ليظهر فروسيته في أنه أعاد الحجاب لها أو حجبها ، المضحك أن هذه الفنانة السافرة المحجبة ثم السافرة المحجبة بعد أن تقاضت أجرا مرتفعا لأحد الأفلام التي ظهرت فيها بأوضاع لا داعي للحديث عنها مع بطل الفيلم أصبحت تنادي الفنانين للتوبة واعتقد ما نالته من الفنانين والفنانات وأصحاب الكلمة  يكفي ، فقط أسأل أين العقل بل أين الفكر بل أين الدين من هذه المواقف والسلوكيات التي صنعت منه تجارة . الموقف الثالث هذا الذي أثارته فتاة ذهبت إلى الأماكن التي تشترط النزول إلى حمام السباحة أن يكون بالمايوه المتعارف عليه ، لكن برزت هذه الفتاة لتثير ضجة على المواقع وأيضا تقدمت بشكوى ضد المكان لأنهم رفضوا أن تنزل بالمايوه البوركيني ، ولست أعلم بأي عقلية تتحدث ، لماذا هذه الضجة والمكان يعلنها صراحة رفضه لهذه النوعية حفاظا على السياح الذي يرفضون مثل هذه المناظر ، ولماذا لا تذهب إلى مكان آخر يُسمح فيه ، هل فقط من أجل الظهور ، وأي ظهور ؟! ظهور عجيب لصاحبة عقلية ترفض مسايرة المجتمع الذي تريد أن تفرض رأيها عليه بشئ غير مقبول لديهم . للأسف الكثر والكثير والذي أصبح لا يعد  ولا يحصى من سلوكيات غريبة والأسف الأكبر على هؤلاء الذي أصبح من العادي لديهم إقحام الدين في كل شئ حتى لو كان ما يريدون فرضه لا يوجد له أي ذكر في الفكر الديني الصحيح . كيف تُصلح العقول التي نشأت على الأفكار الخاطئة وكيف تبنى العقول الناشئة حتى لا تنشأ على الأفكار الخاطئة ، هذا يحتاج إلى وقفة حاسمة من الدولة ، على كل المنابر والسلوكيات والشاشات والإعلام والمهم التوجيه السليم في رياض الأطفال والمنشآت التعليمية الأكبر ، حتى الآن لم نستفد من التجربة الإخوانية ، ونترك ما هو أخطر منها وهي السلفية التي تحاول بشتى الطرق أن تغزو المجتمع من الطرف إلى الطرف  لتبخ كل ما هو خاطئ في أذان المجتمع والتي لا يزال لديها الأمل في أن تعيد عصر بأي قدم يجب أن ندخل إلى دورة المياه أو حرمانية استخدام الشوكة والسكين أثناء تناول الطعام لأنها عادة غربية والغرب كله كفار ، وأنه لا يجب نوم المرأة بجانب الحائط لأنه مذكر ، فتاوى تصلح لأفلام كوميدية تعسة .. أقولها بكل صراحة إن لم تنتبه الدولة لهذه النوعية التي عقولها لا تزيد عن كتلة هلامية غير مميزة الشكل ، رويدا رويدا ستفسد كل بناء عصري تحاول الدولة النهوض به ، ليس هذيان القلم ما أقوله ، لكن أرجعوا للوراء لتعلموا كيف أن هذه العقول تشبه كائنات وحيدة الخلية التي تتكاثر بالانقسام وسرعان ما تجدها انتشرت وتشعبت ، وما أصعب حصارها بعد أن تكون قد توغلت في العقول المستعدة دائما لاستقبال الفكر المتخلف بكل مصائبه .

إدوارد فيلبس جرجس

edwardgirges@yahoo.com

********************