هذا المقال مخصص للأطباء وأطقم التمريض وعمال النظافة ومشرفى الأقسام من الإداريين فى جميع المستشفيات فى المدن الكبيرة والصغيرة فى القرى والنجوع.
هذا المقال يود ببساطة أن يحيى جهودكم، ويشكر صنيعكم، ويثمن تضحياتكم، ويدعو لكم جميعا بالصحة التى هى صميم عملكم. والسعادة التى تمنحونها لكل من تعافى من المرضى كبيرا كان أم صغيرا سيدة كانت أم رجلا. هذا المقال نيابة عن الأمهات والأخوات. من الموظفين والطلاب، من الفلاحين والعمال وبائعى الخضراوات العابرين فى الشوارع. من ملح الأرض.
هذا المقال يقدم لكل واحد باسمه وصفته دعاءً وتحية ويود أن يوقف كل فرد منكم فى الطريق ويقول له: أنت طبيب؟ خذ هذه الوردة. أنت طبيبة؟: من فضلك، خذى هذه الوردة. أنت ممرضة؟ لك وردتان. وأنت عاملة؟ لك باقة يا جميلة القلب. كان لا بد من هذه الكلمات، الأقل مما ينبغى أن يقدم إليكم منا نحن إخوتكم فى الوطن. نعرف قدر ما تقومون به ونعلم أنه الواجب والقسم الذى أقسمتموه يوم تخرجكم وضميركم الذى مهما قاسيتم من متاعب وقلة موارد وطول سهر ومهما عانيتم من قلة الوعى من فئة منا فإنكم لا تتراجعون ولا تيأسون.
أكتب هذا المقال لأننى منخرطة فى الكثير من دوائر الأطباء والتمريض من حولى سواء كان من العائلة أومن الأصدقاء. رأيت دموع البعض، وقلق البعض وشكواهم التى قد تصل إلى حد الرعب من حمل الفيروس إلى أطفالهم أو إلى آبائهم وأمهاتهم فى المنازل كيف ينامون على مكاتبهم من الإجهاد، كيف يفضلون أن يعودوا إلى منازلهم متأخرين حتى لا يقتربوا من أطفالهم وكيف يبكى الأطفال من تعاملهم معهم من بعيد، بحرص ومحبة تقطع نياط القلوب. حكى لى طبيب وكاتب زميل كيف يتسحب بهدوء ليرى أطفاله النائمين بعد عودته من عمله وخروجه مبكرا قبل استيقاظهم متعمدا. وحكت أخرى كيف تخاف على زوجها وأطفالها بعد عودتها من المستشفى فتمر على عيادتها لتخلع ملابسها وتتعقم جيدا فوق التعقيم العادى ثم تعود إلى بيتها وهى تدعو الله أن لا يصيبهم مكروه. وحكى آخر كيف أن ابن صديقه الشاب أصيب بالعدوى ونقلها لأمه وأبيه رغم اتخاذه الإجراءات الوقائية لتموت الأم وينتقل الأب إلى المستشفى. وينطبق الأمر بالطبع على التمريض وطاقم النظافة. أكتب وأقول لننتبه أيضا إلى جبهة عائلاتهم. عائلات العاملين فى جبهة القتال أيضا مقاتلون. وأبطال نرسل إليهم أيضا التحية.
حكى لى صديقى الكاتب والطبيب ياسر الدالى كيف يتفانى الجميع فى خدمة المرضى. كيف يعاملونهم برفق وعطف يراعى حالتهم النفسية ورعبهم من الفيروس وشبح موت البعض وكيف يشارك الأطباء والعاملون جميعا المتعافين فرحتهم وكأنه انتصار لأخيهم أو أختهم بشكل حقيقي. حكى عن بشاعة الفيروس وضرورة الحرص منه والانتباه إلى تعليمات وزارة الصحة، ومساعدتها لأنها تبذل ما لديها من الجهد. تحدثت معه عن قرار رئيس الوزراء وكيف أننى كمريضة بمرض مزمن فى إجازة استثنائية وكلها أمور احترازية من الدولة التى تخاف علينا بشكل يوجب على كل منا أن يقدم هو الآخر تضحيات صغيرة ودالة، فى نفس الوقت. كأن نتكافل فيما بيننا كعائلات لتقليل خروج المضطرين للخروج للقمة العيش أو التبرع بكمامات لمن لا يستطيع شراءها، والجود بالمتاح. قال إننا فى حرب حقيقية مع عدو نجتهد للقضاء عليه وأن الطواقم الطبية تصنع تاريخا مضيئا بالتضحيات، على القنطرة التى تفصل بين الحياة والموت. ولهذا كتبت وسأكتب. أذكر نفسى وأذكركم أنه ينبغى أن نتوقف لحظة، ونوقف كل من نجدهم فى ملابس معقمة لنقول لهم وجميعا: نحبكم. ولكم منا كل ورود العالم.