أخبار عاجلة

محيى الدين إبراهيم يكتب: جاء من العالم الآخر .. قصة ليست من وحي الخيال!

محيى الدين إبراهيم يكتب: جاء من العالم الآخر .. قصة ليست من وحي الخيال!
محيى الدين إبراهيم يكتب: جاء من العالم الآخر .. قصة ليست من وحي الخيال!

أستوعبها الآن، كأنها تخترق الوعي كطلقة رصاص لتترك فيه ندبة، كأنها محيط تدافعت أمواجه فأحاطت بالسمع والبصر والفؤاد، حتى شهد الكل ملامح ( الحضور ) للمرة الأولى، حضورا في نفس لحظة الإنتحار ( زُهداً )، لتذوب روحي في معنى أزلي غامض كغموض هوى رابعة العدوية، وعرفان آصف بن برخيا، وصبر أيوب، حضورا كأنني آويت إلى زورق يعصمنى من طوفان العقل، وينتشل ماتبقى فيما إنتوى فيه ظني لسفينة نوح، فتلوذ بقايا وجودي بعيداً عن ظلمة بطن حوت يونس، ووحشة سجن يوسف، وفساد هاروت وماروت، وعبادة العجل، لفضاء من النور، يملأ فراغ ألف عام، تحت ظلال ( كلمة ) من ملكوت ( الهو )، ومن رؤية مابعد الظاهر، حتى أكون، كما يراد بي أن أكون، حيث لا حياة مطلقة، ولا موت مطلق، وإنما، حضور حتمي في الصراط الفاصل بين الموت .. والحياة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لأول مرة يزور "ممدوح رضا" معرض الفن الحر بالمركز الثقافي في ضريح سعد زغلول بحي السيدة زينب بالقاهرة، هو لا يهتم كثيراً بالفن التشكيلي لكن "محمود عبد الرافع" صديقه صمم أن يلتقيا هنا قبل ذهابهما للعباسية لملاقاة "شكري منصور" في منزله والاستعداد لسهرة الليلة !. حين دخل الأتيليه شعر بالغربة، وجد أن العيون كلها شاخصة على اللوحات المعلقة على جوانب المعرض، أما هو فكانت عيناه تدور في أرجاء المكان باحثة فقط عن "محمود عبد الرافع"، هاهو أخيراً، يقف أمام لوحة زيتية متفحصاً كأنه ناقد فذ من نقاد الفن الحديث وهو في حقيقة الأمر لا علاقة له بالفن على الإطلاق ويتجلى جهله بالفن في اختيار ملابسه التي لا تتفق ألوانها مع بعضها البعض على الإطلاق، أقترب منه .. لكزه في كتفه لكزة موجعه، لكن "محمود عبد الرافع" لم يكترث وإنما دعاه لينظر متفحصاً إلى تلك اللوحة الغريبة، نظر "ممدوح" إلى اللوحة، أندهش، تسمر في وقفته وكاد يغيب عن الوعي، ما هذا؟، أي دعابة ساقطة تلك؟ .. رأى "ممدوح رضا" نفسه مرسوما في هذه اللوحة وواقفا خلف نافذة منزل يراه دوما في أحلامه .. هذه الشجرة .. هذا الطريق .. تلك الفتاه التي تقود الدراجة .. هذا الطفل الذي يقذف الكره دوماً في اتجاه النافذة كل صباح، كل هؤلاء يعرفهم جيدا .. هذا .. وهذا أيضاً .. وهذه، وتلك .. لكن أين؟ من اين جاء الرسام بكل هذه التفاصيل ؟ بل .. بل أين عاش هو كل تلك التفاصيل التي ظن أنها وهمية !! .. تفاصيل يشعر كما لو كانت أمس؟ .. هل كانت أحلامه حقيقة وكان يتصورها أحلاماً ؟ .. ولكن حتى إن كانت حقيقةً .. كيف علم بها هذا الفنان .. كيف دونها في لوحته وهو لا يعرفه .. لم يقابله ؟ .. حاول أن يقرأ اسم الفنان أسفل الصورة لكنه لم يتمكن من نطق الاسم صحيحا .. كان تداخل الألوان صاخباً مما جعل قراءة الاسم صعباً .. سمع "محمود عبد الرافع" وهو يهمس في أذنه مندهشاً هو الآخر بأنها لوحة لفنان مات منذ مائة وخمسين عاما .. ولكن كيف؟ .. ما هذا الهراء! .. هاهو الفنان .. إنه يقف وسط مجموعة من زوار المعرض يحادثهم عن فنه، لقد عرفته .. إنه جارنا في شبرا .. أجل إنه "راغب حشاد" جارنا .. اندفع ممدوح نحو راغب وانهال عليه بوابل من الأسئلة بينما ظل "راغب" مسيطراً على هدوءه حتى استسلم "ممدوح" للصمت في ذل .. وهنا ربت "راغب" على كتف "ممدوح" كصديق وقال له أنها الصورة الزيتية التي رسمها له قبل أن يموت بعامين .. لم يصدق "ممدوح" ما يهذي به "راغب" وكاد أن يفتك به لولا تدخل "ممدوح عبد الرافع" .. هدأ قليلاً ثم عاد إلى اللوحة مرة أخرى، نظر للوجه .. دقق النظر .. دقق جيداً .. ارتعد .. ترك اللوحة وأخذ يركض كالممسوس .. يجري في كل اتجاه .. بينما يركض ورائه "راغب" و"ممدوح عبد الرافع" وهما يصرخان في إثره ويرجوانه أن يهدأ .. ولكنه ظل يجري حتى وجد نفسه أمام بوابة مقبرة .. كأن الصوت اللاهث لراغب حشاد وممدوح عبد الرافع من ورائه أشبه بصوت طنين الشياطين في أذنه، شياطين طنانة تسوقه رغماً عنه لهذا المكان .. فجأة .. كف الهمس .. كف الصراخ .. الطنين .. حين وجد نفسه يقف أمام شاهد قبر قديم مكتوباً عليه أسمه وصورته .. إنه هو .. مات بسلام في 12 فبراير عام 1857 ؟؟!!

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عربة البسبوسة

"فانتازيا" مستوحاة من حادثة إعدام القائد الشجاعي المملوكي عام 689هـ، 1290 م في عهد السلطان خليل بن قلاوون المملوكي.

أضطرته الظروف والفقر المذل أن يخرج لأول مرة بعربة بسبوسة ليبيعها للناس في الشارع بحي الجمالية، لم يكن في بيته ( درهم ) واحد ليفي به حاجة تسعة ( عيال ) وأمهم .. لكنه في ذات الوقت لم يكن يعلم أن السلطان خليل بن قلاوون قد قتل القائد الشجاعي قائد حاشية الأمير طرنطاي، وجعل الجنود يطوفون برأسه المقطوعه والمعلقة على سن رمح أحد الجند بشوارع مصر المحروسة كلها !!

الجمالية حالياً في حالة فوضى .. ترقب .. شبه كساد .. أما هو فأختار لعربته زاوية بالقرب من "درب النحاسين" ليبيع البسبوسة ولا شأن له بالسياسة التي قتلت الشجاعي!!

وقف ( نقاش صواني) أمام العربة يملأ صحناً من البسبوسة بالزبدة وهو يقول: كيف لا تعلم ذلك وقد كان الناس لثلاثة أيام كاملة يعطون لحاملي الرمح المعلقة فيه رأس الشجاعي أموالاً مقابل أن يدخلوا بالرأس إلى بيوتهم ليركلوها باقدامهم مقابل درهمين للركلة!!

قال عربجي ( صاحب عربة يجرها بغل ) وهو يلعق أصابعه من أثر الزبدة: لقد أصرت زوجتي أن تجعل الجنود يدخلون بالرأس إلى منزلنا وأخذت هي وجاراتها يصفعون الرأس بالقباقيب والنعال حتى أغشي على أبنتي، لقد كلفتني تلك الصفعات ( مائة درهم ) أخذها الجنود مقابل السماح بصفع زوجتي لرأس الشجاعي .. كررها بأسى: مائة درهم ( ولاد الكلب ) !!

قال اسكافي ( صانع احذية ) وهو يملأ صحنه الثالث: حامد ( بك ) أجبر عبيده وصبيانه أن يبولوا علي رأس الشجاعي .. حدد الجند البولة بعشرة دراهم .. أما أنت فتقف هنا لتبيع البسبوسة وربما لن تجني اكثر من عشرين درهما بينما اجمالي ما تبول به العبيد والعيال على رأس الشجاعي خمسةعشرة ألف درهم!!.

قال العربجي: خمسةعشرة ألف درهم ( ولاد الكلب ) !!.

جاء جندي مملوكي أمام عربة البسبوسة، نظر لها بنهم، ونظر للمحيطين بها بكل غضب ففروا وإنفضوا من حول العربة حتى أن بعضهم لم يدفع ثمن ما أكله من شدة الخوف، مد الجندي يده في الصينية واغترف قطعه كبيرة من البسبوسة ألقى بها في فمه وهو يقول: هل تعلم لماذا قبض السلطان خليل بن قلاوون على القائد الشجاعي، كما قبض على نسائه وسراريه، وأحضر لهم المعاصير( حبال ضخمة يلفوها حول جسد الضحيه ويعصروه بها عصراً حتى تنفجر الدماء من جسده )، وعصرهم بها عصراً حتى فارت الدماء من آذانهم، بل وقتل الشجاعي نفسه؟؟ .. ( إغترف غرفة ثانية من البسبوسة أعظم من سابقتها ) وهو يقول: الشجاعي كان لصاً .. ( كررها ): لصاً .. سرق أموال الدولة .. واشترى بها ذخائر لينقلب على حكم السلطنة .. أي لص يسرق .. سيحدث له ماحدث للشجاعي .. خاصة أموال الدولة .. مرة أخرى يمد يده في صحن الزبدة ثم في صينية البسبوسة ويغترف قطعة ثالثة عظيمة وهو يسأل: هل دفعت مكوس ( أي ضرائب ) لكي تقف في الشارع تبيع البسبوسة هكذا؟ .. هل التزمت بشروط شاه بندر تجار الجمالية في دفع ألف ( درهم ) كل اسبوع حتى تقف وتبيع بضاعتك كما تبيعها الآن ؟ .. مسح يده في سرواله من أثر البسبوسة والزبدة ثم أشهر رمحه متأهباً لقتال وقال مهدداً: أم أنك أكلت مال السلطنة بالباطل أيها اللص كما أكلها الشجاعي ؟؟.