تعتبر المكتبات المقياس الحقيقي لرقى الأمم والشعوب، وإن كثرتها تدل على ثقافة الشعب وحبه للعلم
وكانت المكتبات العامة منتشرة فى أرجاء العالم الإسلامي من حدود الصين والهند شرقا إلى حدود فرنسا غربا وشمالا - هذا بالإضافة إلى مكتبات المساجد التي كانت ملحقة بها ومكتبات الأفراد والمدارس والكتاتيب والمعاهد.
وكانت المكتبات العامة مباحة للجميع - بل وكثيرا ما كان يقدم الورق والحبر وأدوات الكتابة فى بعضها للقراء. كما كان فيها مرشدون يساعدون القراء فى إيجاد المصادر والكتب الخاصة بالموضوعات التي يبحثون فيها.
ومن المكتبات العامة الشهيرة مكتبة سابور فى بغداد فى القرن الخامس الهجري ومكتبة بنى عمار فى طرابلس الشام فى القرنين الخامس والسادس الهجريين.
وكان يطلق على مكتبة سابور بن أردشير فى بغداد 'خزانة الكتب' كما ذكرها ابن الأثير فى كتابة الكامل فى التاريخ وأطلق عليها ابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة اسم 'دار العلم'
ويعتبر أبو العلاء المعرى الشاعر الكبير أشهر من قصد بغداد لزيارة دار العلم والتعرف على مقتنياتها وعلى روادها من العلماء والأدباء.
وقد أقام أبو العلاء فى بغداد يتردد على دار العلم، وظلت هذه المكتبة حتى سنة 451 هجريا حيث شبت النار فيها واحترقت ونهبت بعض كتبها.
أما مكتبة بنى عمار فى طرابلس الشام، التي تنسب إلى بنى عمار الذين حكموا قسما من الساحل السوري فى القرن الخامس الهجري واستمروا فى حكمه حتى الحروب الصليبية.
فقد أحرق الصليبيون هذه المكتبة بكل ما تحوى من مقتنيات قيمة عندما احتلوا طرابلس 1009ميلاديا /502هجريا
ومن أشهر المكتبات العامة - مكتبات القاهرة فقد اهتم الفاطميون بإنشاء المكتبات وجمع الكتب فأنشأ يعقوب بن كلس وزير العزيز بالله خزانة الكتب لتضاهى بيت الحكمة البغدادية وكان الخلفاء يغذونها دائما بما يحصلون عليه من الكتب حتى بلغ عدد مجلدتها مليون ونصف مليون مجلد منها عدة نسخ لكتاب واحد، ومنها نسخة لكل كتاب - وقد أنشأ الحاكم بأمر الله دار الحكمة عام 395هجريا
ويروى أنه حملت إلى هذه المكتبة الكتب القيمة من خزائن الحاكم والقصور كما أجرى الحاكم بأمر الله الأرزاق على كل من فى دار الحكمة من العلماء والفقهاء والأطباء وأباح دخولها لجميع طبقات الشعب.
وهناك فى المغرب، أطلق على المكتبة أسم 'خزانة' وأشهرها 'خزانة القرويين' وكان فيها حتى أخر القرن الماضي ثلاثون ألف مجلد
وكانت بها أكثر مخطوطات 'الاسكوريال' فى مدريد التي سرقت منها حين كلف السلطان زيدان السعدى قنصل فرنسا عام 1617ميلادي بنقل أربعة آلاف مخطوط عربي إلى أغادير، فحول القنصل شراع مركبه إلى فرنسا، فأسره القراصنة الأسبان وغنموا المخطوطات ووضعوها فى الاسكوريال
وفى الأندلس، قلد الأندلسيون المشارقة وفاقوهم فى بعض مظاهر الحضارة وأسس الحكم بن الناصر المتوفى (366) هجريا مكتبه فى قصره فى قرطبة وجلب لها الكتب من العالمين الإسلامي والأوربي وأقام لها الموظفين للعناية بشئونها، وزاد عدد كتبها عن الأربعمائة ألف كتاب ويقال إن الأسبان عندما استولوا على قرطبة أحرقوا فى يوم واحد نحو سبعين خزانة للكتب فيها ما يزيد عن مليون وخمسين ألف مجلد