عندما نقرأ كلمة كورونا التي أصبحت أكثر الكلمات انتشاراً على مواقع البحث في العالم بحرفها الأول الكاف الذي تحويه معظم اللغات وشكله ينطلق من الرسم التخطيطي لكف اليد. وكأنّه يطبق بأيديه على أعناقنا فبعضنا يلفظ أنفاسهُ وآخر ينتظر ُعلى المنفسة وآخر ينجو ليروي لمن يأتي بعده قصته مع هذا الوحش
فيروس لا يرى بالعينِ المجردة استطاع أنْ يتحدى الجميع فأسقطَ اقتصادات عملاقة وأطاح بكلّ مظاهر الحضارة التي تتباهى بها البشرية، وهدد قوى نووية عابراً حدودها بثقة وقوة دونَ أن يراه أو يمنعه أحد مهاجرا شرعيا في كلّ أنحاء العالم .. لقد استطاع هذا الفيروس الصغير أن يحقق انتشاراً مرعبا في أيام معدودات ولازال في عنفوانه حتى كتابة هذه السطور
. * استطاع هذا الفيروس الصّغير أن ينهي حروبا مشتعلة في المنطقة العربية كالهشيم وأن يقنع الأطراف المتناحرة أننا بشر يجمعنا مصير واحد ونحن جميعا على مسافة واحدة منه وفي مركب واحد فأيٌّ يصيبه المرض نغرق جميعاً أو نفقد من نحبّ
. * استطاع الفيروس أن يوحّد تضرعات وتراتيل أصحاب المذاهب والأديان إلى السّماء طلباً لعون الخالق لقد تناسوا جميعاً خلافاتهم والتي كانت السكاكين وحبال المشانق والنار المحرقة هي الحكم بيد القوي اليوم الكل خائف حتى من أخيه ومن ولده وأمه وأبيه وكأنه فيروس لغسيل الأدمغة أكثر مما هو لغسل اليدين وللعودة للحياة الفطرية للبشر حيث مجتمع واحد متماسك الفرد من أجل الجماعة
. * استطاع الفيروس أن يغير من سلوكيات البشر في عالم متسارع فقد الإلفة والمودة ولم الشّمل وأصبح يلهثُ ويكابد بحثاً عن المادة فجمع شمل الأسر في البيوت كما قلت السرقات وأصبح الجميع يتعاونون جنبا إلى جنب فالمصير مشترك وإصابة فرد واحد كفيلة بإنهاء حياة الآخرين
. * لقد ألغى الفيروس شروخاً طبقية كبيرة بين الأغنياء والفقراء فلم يعد الأغنياء بوسعهم عند المرض أن ينفقوا أموالهم للسفر والعلاج في الدول المتقدمة فقد تساوى الناس أمام هول المصيبة فهو يصيب الأمير والفقير ولا يهتم بالطبقات المخملية . وقد كانت الدول المتقدمة تتتباهي بالعلم والتكنولوجيا وتفرض الحظر الاقتصادي على الدول الضعيفة واليوم أصبح الجميع أمام مصير واحد مشترك وهدف واحد هو الوصول إلى علاج يوقف هذا الفيروس الهائج
.. * أمامك أيّها الصغير الحجم أدركنا أننا نحن الصغار. نحن صغار بفكرنا عندما ضاقت بنا الأرض بما رحبت فقتلنا بعضنا لننهب أرض غيرنا، صغار أمامك عندما فكرنا باستنساخ البشر والحيوان وتغيير السلاسل الوراثية وحاولنا قطع الرؤوس وزرعها واليوم نقف عاجزين عن الوقوف بوجهك. نحنُ صغار بأصواتنا التي اعتقدنا أنّها تغير من مستقبل الكون ولكنك بصغرك حوّلت أصواتنا إلى حشرجات وأنات وغمغمات الموت
. * استطعت أن تغير من عادات الناس التي عجزت الأديان والكتب الطبية منذ آلاف السنين أن تغيرها. فبدأت أساليب مكافحة العدوى تشيع بين الناس والحض على ممارسة الرياضة والامتناع عن التدخين والنظافة وحبّ الإنسان لأخيه الإنسان دون النظر للعرق أو اللون أو الدين وهي سلوكيات حضارية تستحق ان نستثمرها بعد زوال هذه الكارثة إن نجا أحد من الكارثة. لقد لقنت أيها الفيروس الدول العربية درساً هاماً وهو ضرورة أن تتعاون فيما بينها على إنشاء مراكز بحثية كبيرة وأن تمتلك التكنولوجيا اللازمة وأن تخلق شراكات مع نظيراتها العالمية في هذا المضمار كي لا نقف مكتوفي الأيدي منتظرين ان يأتي إلينا الترياق الشافي من الغرب
هل نشكر هذا الفيروس لأنّه أعاد للسّماء زرقتها وللطبيب المبدع والباحث الذي يفني سنين حياته في خدمة البشرية مكانتهم وكذلك أثبت أن كلمة اقرأ نحتاجها جميعا ولن يستوي يوماً العلماء مع الجهلة . حقا ما عجز عن تحقيقه كبار المفكر ين وآلاف الأقمار الصناعية والمحطات الإعلامية التي تطالب بنشر السلام والمحبة بين البشر حققه هذا الفيروس القاتل الصغير فهل ستصل الرّسالة ونحنُ على قيد الحياة أم ستبقى وصية لمن تحفظه يد الأقدار وتحميه لإعمار هذا الكون
. الباحثة السوريّة راغدة شفيق محمود د. محمد فتحي عبد العال