حسنى حنا يكتب: عالم الحريم.. بلاد الشمس خلف الأسوار

حسنى حنا يكتب: عالم الحريم.. بلاد الشمس خلف الأسوار
حسنى حنا يكتب: عالم الحريم.. بلاد الشمس خلف الأسوار

"أنا أسخر ممن يريدون في عصر الفضاء سبي النساء"

*سعاد الصباح

 

في بلدان الشرق الأوسط، المسكونة بالألم والدموع، والمآسي والخوف والأحباط. يقع عالم غريب قل من يعرفون عنه الكثير هو (عالم الحريم Harem World) الذي يشكل بنفس الوقت شرق الخيال وشرق الأحلام، كما صوره رجال غربيون حالمون، كمكان فيه من السحر والغرائب مايدهش الانسان... هو شرق (ألف ليلة وليلة) وشرق كتاب (الأغاني) شرق المتعة الحسية، التي لاتعرف الحدود!.

إن القارئ الباحث في بطون الكتب، يجد الحكايا الشرقية التي تتأرجح بين الواقع والخيال في مملكة الخليفة (هارون الرشيد) وسواه.. حكايا مليئة بالسلاطين وكبار التجار، والجواري والخصيان. والجن والعفاريت والخيول الطائرة.

وحين يكتشف بطل الليالي (شهريار) خيانة زوجته، تبدأ سلسلة طويلة من الحكايا. على نموذج الصناديق، التي تحتوي على صناديق اخرى. حكاية داخل حكاية داخل حكاية.. وأثناء ترحال هذه الحكايا، تعرضت للتغيير الصارخ، لكنها لم تفقد عنصر الغرابة، وبقيت قصصاً شديدة المتعة.

 

عالم الحريم

كان (عالم الحريم) زمن السلاطين العثمانيين، عالماً سرياً ومحجوباً عن الأعين بطريقة غرائبية تحبس الأنفاس. عالم خاص محرم لاتنتهك خصوصيته. كفن مرئي لتاريخ يقدم رؤى لعالم لايزال مجهولاً إلى حد بعيد.

 

زمن الحرملك

بلاد الصباح او بلاد الشمس، دخلت في زمن يمكن أن نطلق عليه اسم (زمن الحرملك) حيث حرم على المرأة أن ترى الشمس. وتقول محظية السلطان (محمد الرابع) في القرن السابع عشر: "لم تزرنا الشمس أبداً، وقد أصبحت بشرتي كالعاج"! .. وربما يكون هنا الكلام حاملاً دلالات أكثر مما يصف الواقع. فقد كتب المؤرخ (دورسون باي):

"لو لم تكن الشمس أنثى. فربما لم يسمح حتى لها أن تدخل إلى الحرملك. فالحرملك حرفياً. هو وضع النساء خلف الأسوار، سيراً على المثل التركي القديم: "حياتنا الخاصة، يجب أن نسورها".

 

ماذا كان يوجد خلف الأسوار

تجيب امرأة أغفلت اسمها: "أنا واحدة من نساء الحرملك. أنا عبدة عثمانية. غفل من الاسم.. أنا مجهولة. كتبت عني ألف حكاية وحكاية.. بيتي هذا هو الفناء الخلفي لجهنم"!..

و(الحرملك) هو المكان الذي تعيش فيه النسوة مع أطفالهن وخدمهن، عيشة الحد الأقصى من العزلة والسرية. إنه بيت ثري يحرسه العبيد، ويحتفظ فيه (السيد) بنسائه وجواريه، كما يحتفظ بأشيائه الأخرى. هو عالم النساء المعزولات.

و(حرملك) السلطان، كان الرمز المطلق والمثال الحي لنظام عزل النساء، يضم ما يقرب من 200 غرفة تمحورت حول فنائه، السلطانة الأم ومقصورات ومهاجع النساء الأخريات. إنها عزلة هائلة ومرعبة. وحراسة مشددة على السلطانة الأم وبناتها والخادمات.

ومع هذا فإن التنافس على مكانة السلطانة الأم كان ضارباً، والرهانات كبيرة فالسلطان المالك لكل شيء وكل إنسان في امبراطوريته يستطيع أن يختار المرأة التي يريد، ويجعلها محظيته ولو لليلة واحدة!.

وهو يستطيع أيضاً أن يرفع من مرتبتها، ويجيء بها الى الحرملك السلطاني، في حال ميزها. ولم يكن الحمل عند النساء سوى مرحلة للدفاع عن النفس محفوفة بالمخاطر. وتتطلب الكثير من الدهاء والغطنة والشجاعة.

 

مصادر نساء الحرملك

لقد كانت هناك مصادر عديدة لـ (تموين) الحرملك بالنساء، منها السبي في أوقات الحروب والسلم على حد سواء. والاختطاف في البر والبحر. وأسواق الرقيق التي كانت مزدهرة. وكان جل هؤلاء النساء من بنات البلدان المحكومة بحد السيف الفاتح العثماني، كاليونان وبلغاريا ورومانيا وبلاد الصرب والأرمن وغيرها.

 

الحرملك والصراع على السلطة

كانت قوانين السلطنة العثمانية العلية، تقضي بأن تؤول السلطة الى الذكر الأكبر في العائلة. وهذا مادفع السلطان (محمد الفاتح) في منتصف القرن الخامس عشر. لأن يجيز للسلطان قتل كافة أقاربه من الذكور بمن فيهم إخوته كي يضمن العرش لنسله.

وفعلاً أدى الأمر إلى أن، يقوم السلطان (محمد الثالث) بقتل أخوته وعددهم تسعة عشر. بعضهم أطفال ووضع سبعاً من جواريه الحوامل في أكياس. وأمر بالقائهن في بحر مرمرة.

ولما جاء السلطان سليم الأول، الملقب بـ( ياووظ Yavus) بمعنى (القاطع) في منتصف القرن السادس عشر. ومع أنه قتل كل أبناء أخوته وأراد حتى قتل ابنه (سليمان القانوني) الذي تمكنت والدته من إنقاذه. فإنه تخلى عن بعض هذا الارث الدموي في قتل الأقارب. وأصدر (فرماناً) خفف فيه قوانين سلفه (محمد الفاتح) القاسيه. وقضى للسماح للأمراء، بالبقاء على قيد الحياة. لكن مع عدم المشاركة في الحياة العامة. وعزلهم في حجرات. أطلق عليها اسم (القفص الذهبي) وهي مجموعة من المقصورات متصلة بـ (الحرملك) عبر بوابة. يحظر على أي مخلوق في الحرملك الأقتراب منها.

وهكذا فقد كان هؤلاء الأمراء يقضون حياتهم في عزلة خانقة، لاتؤنس وحدتهم سوى بضع جوار.. وإن حدث وحملت إحداهن فإنها كانت ترمى في البحر بسهولة لتغرق!..

ويقوم على حراسة هؤلاء الأمراء المنبوذين حراس، تثقب طبلات آذانهم، وشقت السنتهم. وهم على الدوام (قتلة محتملون) إضافة إلى أنهم يعيشون في خوف دائم. نظراً لأن السلطان يمكن أن يقوم في لحظة بقتل الجميع، إذا كان مزاحه (معكراً)!..

 

السلطان إبراهيم والحريم

السلطان العثماني إبراهيم الأول (1615- 14-648م) هو الخليفة التاسع عشر من سلسلة خلفاء بني عثمان. وقد كان هذا السلطان شأنه شأن العديد من السلاطين الآخرين، يقضي معظم وقته مع الجواري الحسان. وقد أنجب أكثر من مائة ابن ماعدا البنات!..

كان هذا السلطان على قدر كبير من الجنون والسفاهة. حتى أنه اعتزم مرتين على قتل كل المسيحيين في مدينة استنابول. لولا أن وقف في وجهه شيخ الأسلام (أسعد زاده) وحذره من الأقدام على هذا العمل خوفاً من تدخل أوروبا.

وكان من طبع السلطان ابراهيم هذا، أن يضاجع فتاة بكراً كل ليلة، وقد طلب الى كبار موظفيه وحاشيته تسهيل هذا الأمر، وتأمين الفتاة البكر، وإلا نالتهم المصائب، وترتبت عليهم العواقب!..

ومع مرور الأيام والسنين، كان هذا السلطان يشتد نهماً، حتى بلغ به الأمر، أن تطلع الى بنات وزرائه وحاشيته، والمقربين منه.

ولما زاد الأمر عن نطاق الاحتمال، استقر قرار هؤلاء على التخلص من سلطانهم المهووس، وتم لهم قتله خنقاً، بمؤامرة مشهورة يوم (18 آب من عام 1648م).

 

حريم أحمد باشا الجزار

حكم الوالي أحمد باشا الجزار ولاية عكا بالحديد والنار مدة ثلاثين عاماً وقد نال لقب (الجزار) بجدارة لكثرة ماقتل من البشر. إضافة الى ماكان يقوم به من تنكيل بمعارضيه، مثل قطع الآذان والأنوف، وسمل العيون والوضع على (الخازوق). ولايعرف عنه طلاب المدارس عندنا، إلا أنه هو الذي دافع عن مدينة عكا، أمام نابليون الزاحف عليها من مصر، وبمساعدة الانكليز أعداء نابليون وقد كانت وفاته في عام (1804م).

كان الجزار يملك اسطولاً من الحريم. وقد صادف مرة أنه عندما عاد من الحج، أسر إليه بعض خاصته، أن نساءه قد زنين مع الخدم. فما كان منه إلا أن صدق هذه الوشاية وأمر بإيقاد نار عظيمة، وأتى بجميع نسائه وألقاهن أحياء في النار، واحدة تلو الأخرى، ولم تسلم من هذه (المجزرة) سوى واحدة من حريمه كانت في التاسعة من عمرها وهذا غيض من فيض.

 

القتل والقتل النفسي

رغم القتل والقتل النفسي، فقد كانت هناك العزل والتجهيل، الذي تتعرض له نساء في (الحرملك) فقد كانت كثيرات منهن يمتن في سن مبكرة، عن طريق دس السم، والقتل الوحشي، والأغراق في البحر، أو الخنق أو الطعن.

أما إذا فكرت شابة بإقامة علاقة مع شاب، إستطاع أن يدخل الى الحريم خلسة –وهذا شيئ نادر- فلا بد أن يكون مصيرهما القتل دون أي تفكير.

لذلك فإن عالم الخيال، يكون الملجأ الأخير لأولئك النسوة. وتقول إحداهن: "إننا نمضي يومنا حالمات، إذ ماالذي يمكننا فعله غير ذلك"!.. وقد بقيت قصص الغرام متقدة في مخيلة الشابات اللواتي كن يمضين الساعات الطوال، وهن ينظمن الأشعار لعشاق وسيمين من نسيج الخيال.

 

عالم الحريم عند العرب

في بداية حركة الفتوحات العربية نقل الطبري حديثاً مفاده: "اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ونساء الروم". وقد كانت تبوك مدينة وواحة على الطرف الشمالي الغربي لشبه جزيرة العرب تحت حكم الروم.

وفي مطلع القرن السابع للميلاد. تدفقت سيول الفاتحين العرب وجحافلهم تغزو المناطق المجاورة في سوريا وبلاد النهرين ومصر وشمال أفريقيا وغيرها وتقتل وتنهب وتسبي وهي التي لم تتوقف يوماً الا لتبدأ من جديد!..

وقد بلغت سبايا موسى بن نصير (ت 715م) مايفوق (300) ألف من النساء والأطفال في شمال أفريقيا إضافة الى مالا يعد ولايحصى من (الغنائم) بحسب المراجع العربية (هذا على سبيل المثال)!..

وتذكر كتب التاريخ التي دونها المؤرخون العرب بأيديهم أنه وجد في قصور الخليفه العباسي (هارون الرشيد) عند وفاته (829م) (2000) من الجواري (أنظر كتاب: تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي) وأنه كان لدى حفيده (المتوكل) (4000) منهن وأنه وطئ الجميع (المصدر السابق) والحديث هنا يطول!..

 

الحرملك والفن

في أعمال الفنانين المستشرقين الذين فتنوا بالشرق، آلاف اللوحات الفنية الرائعة التي تنتشر اليوم في أهم متاحف ومعارض العالم.

 

عالم الحريم في عالم اليوم

لانتجنب الحقيقة، إذا قلنا أن عالم الحريم مازال قائماً الى اليوم على الأقل في أذهان الذين أدخلوا رؤوسهم في التاريخ وعميت أعينهم عن حقائق العصر. والتبدلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتسارعة فيه.

إن (عالم الحريم) خلف الأسوار والأستار، ليس عالماً صاغه خيال إنسان للمتعة. دون أن يرى ويشاهد.. إنه إرث تاريخي بكل مافيه من حقائق بغض النظر إن كنا نفرنا منه أو أحببناه.نجبأن