مدحت سيف يكتب: دروس حياتية من التنمية البشرية (76- ما زاد عن حده، انقلب لضده)

مدحت سيف يكتب: دروس حياتية من التنمية البشرية (76- ما زاد عن حده، انقلب لضده)
مدحت سيف يكتب: دروس حياتية من التنمية البشرية (76- ما زاد عن حده، انقلب لضده)


أحياناً، عندما نبالغ فى الأمور الجيدة تتحول وتصبح غير جيدة. وذلك كان ما اكتشفته البحرية الملكية البريطانية في قضية سفينة (ماري روز) الحربية. لقد تم إنتاج هذه السفينة في سنة 1511، وكانت من أولى السفن الحربية التي أحدثت ثورة في الحروب البحرية من خلال استخدامها للمدافع بطريقة جديدة كلياً.

فبدلا من وضع مدافعها على سطح السفينة العلوي مثلما كان معمولاً به منذ أجيال، وضع مصممو (ماري روز) مدافعها على السطح السفلي وكانوا يطلقونها عبر فتحات جانبية على جسم السفينة. على إثر ذلك، كانت (ماري روز) من بين أولى السفن التي غيرت شكل الحروب البحرية من تلك الغارات التي تتركز على الاصطدام بسفينة العدو ثم الصعود على متنها والاستيلاء عليها في مواجهات مباشرة بين الرجال، إلى الاعتماد الكلي على المدفعية الثقيلة الموزعة على جوانب السفينة.

كانت سفينة (ماري روز) الحربية تمثل نجاحاً ساحقاً، ومنحت البحرية الملكية عقوداً من الخدمة القوية، ثم في سنة 1536، خضعت لإعادة تصميم غير جيد، أراد به مصمموها تحديثاً. يبدو أن المنطق الذي دفع بإعادة تصميمها وتحديثها كان يتمحور حول مبدأ: ”بما أن المدافع كانت جيدة، فإن المزيد من المدافع أمر رائع!“. في حد ذاته، لا عيب يشوب هذا المبدأ، لكن المشكلة تكمن - مثلما سيكتشفه الإنجليز لاحقاً- في أن إضافة المزيد من المدافع لسفينة ما، سيمثل خطأً فادحاً في حالة لم تكن تلك السفينة مصممة خصيصاً لإحتواء المزيد من المدافع، وذلك راجع أساساً للوزن الإضافي الذي ستفرضه هذه المدافع الجديدة عليها.

فلقد تضمن تحديث وإعادة تصميم (ماري روز) إضافة سطح جديد يحمل المزيد من المدافع، غير أن إضافة المزيد من المدافع الثقيلة رفع وزن السفينة الكلي من 500 طن إلى 700 طن. جعل هذا سفينة (ماري روز) تبحر على مستوى أكثرإنخفاضاً في المياه، مما أدى بدوره إلى جعل السطح الأدنى الذي حمل المدافع الإضافية والفتحات التي كانت تطل منها هذه الأخيرة على مقربة جداً من مستوى المياه.

اكتُشف لاحقاً أن ذلك كان عيباً كبيراً في معركة (سولنت) سنة 1545. في تلك الواقعة، انضمت سفينة (ماري روز) إلى أسطول من السفن الإنجليزية الجامحة في (سولنت). أصبح ذلك الأسطول عاجزاً عن الحركة بسبب عدم توفر الرياح اللازمة للإبحار، وفجأة باغته أسطول من السفن الحربية الفرنسية ذات المجاديف، وهنا وجدت السفن الإنجليزية نفسها في مأزق كبير، وبدا وكأن السفن الفرنسية كانت على وشك الانتصار على الأسطول الإنجليزي العاجز عن الحركة.

لحسن حظ الإنجليز، هبت الرياح في نهاية المطاف، فركب الأسطول بمعية (ماري روز) موجتها وأطلق هجوماً مضاداً على الفرنسيين الذين وجدوا أنفسهم في مشكلة عويصة الآن. لسوء حظ (ماري روز) وطاقمها، فقد لاقت نهايتها عند أول اختبار حقيقي لها في الميدان بعد تحديثها، حيث مالت بشكل كبير نحو الجانب الأيمن الذى احتوى على المدافع الإضافية، مما جعل فتحات إطلالة مدافعها التي سبق وقلنا أنها أصبحت قريبة من سطح البحر، تنغمس في المياه فتدفقت مياه البحر بقوة إلى داخل السفينة من ذلك الجانب، وازداد ميل السفينة لدرجة أن الطاقم لم يستطع القيام بشيء لتصحيح اختلال التوازن المفاجئ هذا، وعندها تزحلقت المدافع والذخيرة والأمتعة إلى الجانب الغارق من السفينة مما زاد الوضع سوءاً، وقبل أن يمضي وقت طويل، غرقت سفينة (ماري روز) في قاع البحر آخذة معها تسعة أعشار طاقمها.

عزيزى القارئ،ان إطلاق عبارة ( كل شيء زاد عن حده انقلب ضده) على الأشخاص الذين يبالغون في اندفاعاتهم تجاه أشياء يظنون أنها مهمة في حياتهم وافضل لمن حولهم وفي وقت لاحق يكتشفون خلال الممارسة انهم واهمون، يدل على أنهم لم يدرسوا الموضوع بشكل عميق من كل النواحي الأيجابية والغير إيجابية (السلبية).

 

"الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده"، العجيب إنه بالرغم من بداهة هذه القاعدة وكثرة تردادها، إلا إننا  نغفل عنها في كثير من شواغلنا، فتكون المحصلة أن نغرق في عمل ما لمجرد الغرق أو لمجرد العمل، وتتحول الوسائل لغايات، وفي المقابل تضيع الغايات الحقيقية، وينتهي الأمر بالعامل كأنه لم يعمل.

إننى أتصور- وقد أكون مخطئاً- إنه إذا زاد الحرص على عدم الإسراف عن حده، انقلب إلى بخل يصدع بنيان الأسرة الواحدة. وإذا زاد الولاء عن حده، انقلب إلى أفعال تؤذي الأبرياء وتخالف مبادئ الضمير. وإذا زادت النقمة الكامنة عن حدها، انقلبت إلى حقد دفين يولد ثأرا يبلغ حد ارتكاب العنف. وإذا زاد التشبث بالأخلاق عن حده، انقلب إلى تعصب متطرف تجاه أقرب المقربين. وإذا زادت الحماسة عن حدها، انقلبت إلى عبودية تؤدي إلى اقتراف جرائم ضد الإنسانية. وإذا زاد الاعتزاز الوطني عن حده، انقلب إلى عنصرية تعادي باقي الأمم والأعراق وتتعالى عليها.

 

عزيزى القارئ، إنتبه فقد يظن البعض حين تكرمه وتعطيه بسخاء، مادياً ومعنوياً، أن ذلك مرجعه إلى سذاجة وغباء، وأنك بذلك لقمة سائغة له، تسهل عملية بلعك في أي وقت هو يشاء!! فتراه يتحول إلى إنسان انتهازي، لا يتوانى عن استغلالك أبشع استغلال في أول فرصة يجدها أمامه، بل وقد يتمادى أكثر معك حين تصبر على ذلك وتتجاهل استغلاله الأول لك وتتواصل في كرمك وسخائك معه، فيظن أن هذا قمة السذاجة، على الرغم من أنك تدري كيفية تفكيره ونفسيته، ولكن ما يمنعك عن كشفه منذ البداية، هو أخلاقك الرفيعة الراقية.

لكن أليس لمثل هذه العلاقات من حدود؟

أقصد من سؤالي: ألا يجب وضع حد لهذا الاستغلال أو لمثل هذه العلاقات غير الإنسانية، إن صح وجاز لنا التعبير؟

أعتقد انه علينا أن نعود إلى عنوان مقالنا وهو أن (ما زاد عن حده انقلب ضده) ولكل شيء حد معين، يجب ألا يتجاوزه.. والمسألة تبدو واضحة حين أقول لكل شيء حدود، لاسيما بعض المعاملات بين بعضنا البعض أو علاقاتنا الإنسانية؛ لأنها الأساس الذي تستند إليه بقية تعاملاتنا وتفاعلاتنا مع بعضنا البعض في الحياة اليومية.

كم مرة حاول البعض استغلال طيبتك أو كرمك معه؟ من المؤكد أنك ستجد البعض، وتتذكرهم على الفور وتتأسف لما بدر منهم، والذين تسببوا في أن تتغير بعض الشيء، بحيث لم تعد ذاك الطيب أو الكريم مع الجميع، حتى لو كان هناك من يستحق كرمك وطيبتك.. ولكن لتجارب استغلالية سابقة صرت تخشى تكرار الاستغلال فتمانع بعض الشيء مع الذي يستحق أو لا يستحق، بل صرت أكثر صلابة وشدة من ذي قبل، وهذا في حد ذاته مثلما يريحك ويبعدك عن الاستغلال، فهو يتعبك نفسياً في الوقت ذاته؛ لأنك في الأصل صاحب فطرة نقية وإحساس طيب، ولكنها تأثرت بفعل الاستغلال والاستغلاليين من حولك.

لهذا وكخلاصة للحديث، أرى أن الانفتاح في علاقاتنا مع الجميع يحتاج إلى بعض التوازن، وهذا في حد ذاته تحد من تحديات الحياة الكثيرة.

 

لذا فما تفعله يا صديقي لٱ انصحك بأن تبالغ في فعله، فلو بالغت في ذالك ستكون العواقب وخيمة لذلك انصحك بأن تعرف حدود كل شئ، وكل ما تفعل، فلو بالغت في اكلك ستمرض  لٱ انصحك بأن تبالغ في اي شي لا تبالغ في طيبة قلبك فقد تدفع حياتك ثمنا لهذا.

ويبقى السؤال هل تنطبق هذه المقولة على كل شئ فى حياتنا، سواء كان مادياً أو نفسياً أوروحياً؟!

 واسمح لى عزيزى القارئ أن أتذكر بعض القيم، والنقاط الحياتية التى توصلنا لها من خلال الخمس والسبعين قصة السابقة ومنها:

65- غالبا ما تكون النصيحة التي لا تحب سماعها، هي في الغالب أكثر نصيحة أنت فى احتياج إليها.

66- إن لم تستطع أن تبنى، فلا تهدم.

67- لا تجعل خجلك يحرمك من متعـة مساعدة الآخريـن، وعندما تقرر المساعدة لا تفكر

68- لن يمنحك أحد السعادة التى ترجوها مالم تسعى أنت لتحقيقها، فالسعادة نابعة منك أولاً قبل أن تكون من أى شئ أو أي أحد آخر.

69- نحن فى احتياج إلى حكمة عميقة لنميز بين صغائر الأُمور الى تحتاج إلى إهتمام وتلك التى علينا ألا نهتم بها.

70- استثمر الآن إمكانياتك وقدراتك ولا تتوقف. وإن أردت أن تتوقف، فتوقف عن إختلاق الأعذار.

71- لا تملكك قناعة التلون مع الناس ولا تقبل أن يدفعك الناس لتكون شخص آخر غير شخصك.

72- إرمِ خبزك على وجه المياه، فإنك تجده بعد أيام كثيرة.

73- من فضلك عندما تنوى ان تفعل شيئا تريده، تقدم وخذ خطوة إيجابية للأمام، ولن تبقى الحياة كما كانت أبداً،

74- الرجل المثالي يشعر بالمتعة في إسداء المعروف للآخرين.

75- البدائل كثيرة طالما نحن نفكر بشكل مبدع

 

تاركين لك عزيزى القارئ، ولتأملاتك الشخصية، ولثرائك الفكرى، وخبرتك الخاصة، استنتاج العديد من الدروس المثمرة من كل قصة بل وإضافة الكثير إليها، ليصبح لكل قصة، على حدة، معنى عام، ومعان خاصة تتوقف على مدى ثقافة القارئ العزيز... 

     ولدروسنا من التنمية البشرية بقية...