راقب طفلك.. ولا تندهش إذا ما سمعت ذات يوم، أحد أطفالك، الذى لم يبلغ من العمر أربعة أعوام، أو أكثر، يقول لزوجتك: "يا ماما بابا بيخونك"، فقط كل ما عليك، هو أن تحدد وجهتك، وتفتش فيما يسمعه ويشاهده طفلك.
قناة عائلة عمر على اليوتيوب
بالطبع، سوف تبدأ مما يشاهده على الهاتف أو التاب، وربما إذا ما سألته عن أحب الأشياء التى يشاهدها، إن لم تكن تعلم من قبل، فسيقول لك: "عائلة عمر"، وهى قناة خاصة بتقديم حكايات للأطفال، وتقدم لهم حلقة جديدة، يومى الخميس والجمعة، وقد تم تدشينها فى 28 أغسطس 2016، ويبلغ عدد الحلقات التى قدمتها حتى اليوم 277 فيديو، بينما يبلغ عدد المتابعين لها من الأسر 1,355,190، إلا أن هذا الرقم يبدو صغيرًا جدًا أمام عدد المشاهدين لإحدى الحلقات، والتى يصل إلى ما يزيد على 4 ملايين مشاهد، وبالطبع هم من الأطفال.
لا شك أن نسبة كبيرة من الأسر المصرية، تعرف قناة "عائلة عمر"، وربما الأمهات بكثرة، إذ تعد هذه القناة، وما تقدمه من حكايات للأطفال، لاهيًا كبيرًا لهم، يمكن الأمهات من الحصول على وقت لقضاء أعمال المنزل، أو بعض الوقت للراحة من إرهاق اليوم، كما أنها تسهل على كثير منهن عملية إخضاع الطفل للنوم ليلا، ووفقا لهذه الرؤية يتم التعامل مع هذه القناة.
إن لم تكن قد سمعت كلمة أو رأيت تصرفًا غريبًا من طفلك حتى هذه اللحظة، فهذا لا يعنى أنه لن يفعل، لأن هذا يتعلق بطبيعة محتوى الحلقة التى يشاهدها، ويكفى أن تقوم بكتابة اسم القناة على هاتفك أنت، وتشاهد عناوين الحلقات التى تقديمها حتى اليوم، لا شك أنه ثمة عناوين سوف تستوقفك، لتسأل: هل يعى الأطفال ماهية هذه العناوين؟.
إحدى الحقات تحمل عنوان عيد جواز عبير وعمر
"عيد جواز عبير وعمر".. نعم هذا عنوان إحدى الحلقات، والتى تم بثها يوم 25 يناير 2019، وإذا ما أدهشك العنوان، فلا شك أن توصيف الحلقة سوف يدهشك أكثر، ناهيك عما جاء فى الحلقة ذاتها، فما خفى كان أعظم، فى توصيف الحلقة نقرأ: "النهاردة عيد جواز الأستاذ عمر وعبير. الحقيقة إن البنات وعبير جهزا نفسيهما للاحتفال. لكن مش دايمًا الأمور بتمشى زى ما الواحد مخطط ليها. يلا بينا نشوف حصل ايه فى الحلقة دى من عائلة عمر".
إذا ما تجاوزنا عنوان الحلقة، ودخلنا على سيناريو، الذى لا نعرف من كتبه، سنجد أنفسنا أمام العديد من التساؤلات، أولها أين الجهات المعنية بالطفل، مثل المجلس القومى للطفولة والأمومة، ولجنة ثقافة الطفل، فى المجلس الأعلى للثقافة، المركز القومى لثقافة الطفل، وغيرهم.
مشهد يظهر عمر عاريا بعد استيقاظه من النوم بجوار زوجته
مع بداية الحلقة، نرى "عمر" نائما بجوار زوجته، ثم يستيقظ وهو شبه عارى من ملابسه، ثم تستيقظ زوجته فى ملابس نومها، التى تشبه "المايوهات"، ولاحظ هنا ما ينطبع فى الذاكرة البصرية لدى الأطفال من هذا المشهد، ولا تندهش إذا ما وجدت أطفالك يقومون بمحاولة تجسيده أثناء لعبهم فيما بعد.
مشهد الأم عبير فى عائلة عمر بعد استيقاظها من النوم
بعد هذا المشهد، نفاجئ بأن الأطفال الصغار "بنات عمر" يهنئون والدتهم بعيد زواجها، وإذا ما افترضنا جدلاً أنه أمر طبيعى، نشأ الأطفال عليه، وأن ذاكرتهم التى ما زالت فى طور التشكل، ترسخ فيها هذا الأمر، فليس من المقبول على الإطلاق، أن تعلق فتاة "طفلة" على ذهاب والدها إلى عمله فى يوم عيد زواجه - هل يفترض أنه عيد وطنى لا نذهب فيه إلى العمل - بقولها "هى حبكت النهاردة يا بابا!"، ولكن الأدهى من ذلك، هو سلوك الأم، ورد فعلها على ما قالته ابنتها: "أكيد نسى زى كل سنة فى عيد جوازنا ما هو كل سنة بينسى.. يلا بقى".
مشهد الأطفال فى عائلة عمر وتهنئة الام بعيد الزواج
بعد هذا المشهد، يذهب أبناء عمر إلى المدرسة، وتتجه زوجته إلى شراء مستلزمات المنزل، وهنا تحدث الصدمة، التى شاهدها 2,475,652 طفل حتى الآن، ففى السوق، تفاجأ الزوجة بـ"عمر" وهو يقف مع امرأة، ويعطيها باقة من الورود، ويسمع الأطفال الآتى: "يا نهار أبيض.. هو عمر واقف مع مين هناك؟.. مين دى اللى بيديلها ورد.. مش معقول.. بقى هو نزل بدرى علشان كده.. ليه كده بس هو ماعدش بيحبنى ولا ايه.. أنا مش مصدقة.. إخس عليك يا عمر.. بقى كده ويوم عيد جوازنا كمان.. تاخد واحدة معاك المطعم وكمان تفسحها.. إخس عليك جوزى واخد واحدة بيفسحها.. وإيه يوم عيد جوازنا".
مشهد عبير والشك فى خيانة زوجها لها
فى المشهد التالى، يتضح تأثر زوجة عمر بما رأته، وما تقوله "أنا زعلانة أوى.. أنا حزينة"، وكيف أثر ذلك على الأطفال، حتى تأتى لحظة المواجهة بينها وبين عمر بعد عودته إلى المنزل، وردها على تحية السلام بـ"أهلا"، وبرد فعلها على إعجابه بـ"التورتة" بضربه بها فى وجهه، ليعلق هو عليها: "إنتى اتجننتى ولا إيه؟"، لتقول هى: "لأ ماتجننتش.. ده علشان تبقى تجيب ورد لواحدة وكمان تاخدها معاك المطعم.. لأ وإيه يوم عيد جوازنا كمان.. يا خاين يا غشاش"، ليقابل هو موقفها هذا بـ"الضحك"، وبتوضيح الموقف أنه "بحجز لنا فى المطعم.. وأخدت الورد اللى بتحبيه علشان نزين الترابيزة.. والست دى مديرة المطعم.. وكانت بتجهز معايا المفاجأة اللى بعملهالك.. يخرب عقلك يا عبير"، وهنا تدرك "عبير" فداحة سوء الظن فى زوجها عمر، ثم تعتذر له.
عبير تضرب زوجها عمر وتتهمه بالخيانة
الأسوأ من ذلك أيضًا، هو الكذب المبطن فى تبرير الأب لوجود "التورتة" على وجهه، بعدما سألته إحدى بناته، التى يفترض أنها لم تكن حاضرة للواقعة، لكن الأطفال يشاهدون، ويعلمون أن "عبير" الأم، ضربته بها، وهو قابل تصرفها بالضحك، وبالكذب على أطفاله.
الأطفال يسخرون من الأب عمر وهو يكذب عليهم
ولزيادة الطين "بلة"، يقول عمر لزوجته: "مالكيش حق يا عبير تغيرى كده.. إنتى عارفة إن أنا بحبك.. ولو عاد بيا الزمن مش هتجوزك أبدا.. آه قصدى هتجوزك تانى برده"، هل ما زلت تعتقد أننا نشاهد فيلما موجها للأطفال.
وفى المطعم، مشهد الاحتفال بعيد الزواج، يعلق عمر على كمية الطعام، الذى تناوله: "إحنا كده هنروح البيت مش هنقدر نطلع على السرير.. هنام على الكنبة على طول"، فتعلق ابنته: "طبعا الكنبة أحسن من تورتة تانية فى وشك"، ثم تنهال عائلة عمر وعبير فى الضحك، هل تخيلتم يا أولياء الأمور، صورة الأب التى تشكلت لدى الأطفال المشاهدين، ناهيك عن صورة الأم أيضًا، ناهيك عن أسلوب الحوار.
عائلة عمر تبرز حصولها على درع اليوتيوب الذهبى
المفاجأة، هى أن قناة "عائلة عمر" وفقا لعدد المتابعين لها، على اليوتيوب، حازت على الدرع الذهبى، وبها العديد من الحلقات التى تتجاوز نسبة مشاهدتها 7 ملايين، ولم يفكر أحد فى مراجعة المحتوى الذى يقدم عليها، سواء من إدارة اليوتيوب، أو من المتخصصين والمعنيين من الباحثين والمسئولين بما يقدم للأطفال.
إحدى حلقات عائلة عمر تتجاوز ملايين المشاهدات من الأطفال
مشهد يظهر الضابط شريف وهو يستغل وظيفته
يكفى أن نقوم برصد عدد من عناوين الحلقات، التى تبدو مثيرة لمعرفة محتواها، مثل حلقة "يوم ولادة منى أخت حسن وحسين"، وكيف أظهرت أسرة الضابط شريف، فإن أول ما يلفت الانتباه فى هذه الحلقة، هو نبرة الصوت، التى يتحدث بها الضابط، وكأنه أحد "البلطجية"، واستغلاله لمكانته وطريقته فى القيادة، أو تعليقه على الممرضة التى طلبت من زوجته أن ترضع ابنتها، فيقول لها: "دى خبرة".
الظابط شريف وزوجته فى إحدى الحلقات
بعد هذا، هل تذكر قناة اليوتيوبر الشهير pewdiepieالتى ذكرت ضمن تفاصيل الحادث الإرهابى، الذى وقع فى نيوزيلندا، وكيف تأثر منفذه، وغيرهم ممن قاموا بعمليات تخريبية بناء على المحتوى الذى تقدمه هذه القناة؟، بالطبع هناك اختلاف كبير بين هذه القناة وبين "عائلة عمر"، ولكن لك أن تتخيل أثر هذا المحتوى على وعى أطفالك، ولنا أن نسأل عن دور الجهات المنوط بها مراقبة ومتابعة كل ما يتعلق بأطفالنا، وبما أن الأمر هو محض تجارة للتربح، ويستغل حاجة الأسر لمحتوى تعليمى وترفيهى للأطفال، فلا بد من أن يكون هناك ترخيص لمثل هذه القنوات، ومراقبة مستمرة على ما يقدم منها.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع