بمناسبة مرور 45 عاماً على حرب أكتوبر، تلك الحرب التى زلزلت أركان دولة الاحتلال الإسرائيلى، وهزيمة جيشها الذى كانت تدعى بأنه"الجيش الذى لا يقهر"، ينشر اليوم السابع مجموعة من شهادات قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية فى إسرائيل، وذلك من خلال شهادات هؤلاء القادة والتى جاءت ضمن اللجنة العليا التى شكلت فى إسرائيل عقب حرب أكتوبر، لتقص الحقائق فى أسباب هزيمة الجيش الإسرائيلى والتى سميت بلجنة "أجرانات" نسبة إلى رئيس اللجنة القاضى المتقاعد شيمون أجرانات.
شهادة رئيس جهاز الموساد "تسيفى زامير" فى حرب أكتوبر
أدلى رئيس جهاز الموساد بشهادته أمام اللجنة التى شكلت فى نوفمبر من عام 1973، حيث قال إن القيادة السياسة برئاسة رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير كانت لا تثق فى جهاز الموساد والمهام التى كان يقوم بها من أجل جمع معلومات عن الجيش المصرى فى سيناء، وكانت تعتقد أن المعلومات التى يجمعها الجهاز عن قدرات الجيش المصرى حول استعداداته للحرب مبالغ فيها.
شهادة رئيس الموساد
وأضاف "زامير" خلال شهادته أمام اللجنة أنه أرسل خطابا إلى السكرتير العسكرى لرئيسة الوزراء جولدا مائير يؤكد أن الحرب ستندلع مساء السبت الموافق السادس من أكتوبر العاشر من رمضان، فى حين لم تتخذ إسرائيل التدابير اللازمة لذلك، مقدماً للجنة صورة من الخطاب وموعد الإرسال.
وأشار "زامير" إلى أن القيادة المصرية بالتعاون مع سوريا تمكنت من تضليل إسرائيل، من خلال طرد الخبراء الروس من مصر وسوريا فى وقت واحد، وهو ما يعنى غياب أى نية لشن حرب أو الاستعداد لها .
وبحسب الشهادة فإن رئيس الموساد أكد فى شهادته أنه حتى فبراير من عام 1973 ، كانت القيادة السياسة مطمئنة بعدم اندلاع الحرب أى قبل 8 شهور كاملة، ولا سيما الأوضاع الداخلية فى مصر كانت لا تشير إلى نشوبها، حتى نهاية سبتمبر، إذ وردت معلومة بأن الجيش المصرى والسورى سيشنان هجوماً عسكرياً على إسرائيل فى بداية أكتوبر وبالتحديد يوم واحد لكنها كانت مناورة من قبل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث كانت المعلومة واضحة، وجاءت قصيرة على النحو التالى:" الجيش المصرى والسورى سيفتح النار على الجيش الإسرائيلى بسيناء على طول قناة السويس وعلى هضبة الجولان فى وقت واحد"، وبعدها وردت معلومات أخرى بالموعد الحقيقى للحرب لكن تم الاستخفاف بها من قبل المسئوليين الإسرائيليين.
رئيس الموساد
وبسؤال اللجنة لرئيس الموساد الأسبق إذا كانت لدى الجهاز معلومات تؤكد نشوب الحرب فلماذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الكافية ومنها تحذير رئيسة الوزراء، أجاب "زامير" :" اتصلت بالفعل برئيس شعبة الاستخبارات بالجيش الإسرائيلى إيلى زعيرا لكى يبلغ وزير الدفاع موشية ديان لكن كان الرد إلى حد كبير فيه استخفاف حيث قال: دع المصريين يحلمون كما يشأون".
تسيفى زامير
وأوضح "زامير"، فى الحقيقة لم يكن أحد فى إسرائيل يستطيع أن يتخيل أن تؤل إليه الأمور إلى ما ألت اليه، وأن يتمكن الجيش المصرى من تحقيق هذا الانتصار على الجيش الإسرائيلى، وتحقيق هذه النتائج التى كانت فى منظور القيادات مستحيلة، واصفا الحرب بالزلزال الذى هز أركان إسرائيل.
شهادة رئيس الموساد.PNG 2
شهادة موشية ديان أمام لجنة "أجرانات" عن حرب أكتوبر
تشير الوثائق السرية التى نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية عن لجنة "أجرانات" واستدعاءها لوزير الدفاع وقت الحرب موشية ديان إلى أن اللجنة وجهت اللوم الأكبر لـ" ديان" بحكم كونه المسئول العسكرى الأول عن تحريك القوات الإسرائيلية، ويسؤاله عن أسباب هزيمة الجيش الإسرائيلى فى حرب أكتوبر، أكد "ديان" بأن عنصر المفاجاة، وتمكن الجيش المصرى من توجيه ضربة متعددة الأشكال فى وقت قصير كان السبب فى الهزيمة.
موشية ديان
وأضاف أن المعلومات التى وصلت إلى الجيش الإسرائيلى لم تجعل القادة العسكريين فى صورة أن الجيش المصرى قد وصل إلى كل هذا التدريب الذى جعلهم يتفوقون على الجيش الإسرائيلى، علاوة على دقة التصويب التى تمتع بها سلاح الجو المصرى والمدفعية المصرية التى أصابت تحصينات خط بارليف، وحائط الصواريخ الذى جعل الطائرات الإسرائيلية لا تتمكن من اختراق العمق المصرى.
وبسؤاله: "هل كانت المخابرات الإسرائيلية تعلم بوجود هذه الصواريخ" أكد "ديان": "نعم كنا نعلم بوجود هذه الأسلحة لدى مصر ولكن استخدام قوات الدفاع الجوى المصرى لها بكفاءة عالية هو ما لم نكن نعلمه".
موشى ديان
وبسؤال ديان هل كانت إسرائيل تتفوق عسكريا على مصر، أجاب: "أريد أن أصرح بمنتهى الوضوح أننا فوجئنا أننا لا نملك القوة الكافية لدفع المصريين إلى الخلف، وأننا لا نملك القوة الكافية لإعادة المصريين عبر قناة السويس مرة أخرى".
وأضاف إن إسرائيل كانت تمتلك سلاحا متقدما فى ذلك الوقت، لكن ما ميز المصريون هو أنهم كانوا يعرفون كيف يستخدمون أسلحتهم ضد قواتنا ولا أعرف مكانا فى العالم محميا بكل هذه الصواريخ كما هو عند مصر.
واعترف "ديان" فى شهادته أمام لجنة "أجرانات" والتى نشرها أيضا فى كتابه عن حرب أكتوبر بأنها كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل، وأن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لهم ما لم يروه من قبل وأدى كل ذلك إلى تغير عقلية القادة الإسرائيليين.
شهادة رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية ايلى زعيرا
ودفعت الاتهامات المتبادلة بين القيادة السياسة الإسرائيلية من جانب والقيادة العسكرية من جانب حول المسئول الأول عن هزيمة إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973 إلى إصدار رئيس اللجنة أمراً باستدعاء رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية وقت الحرب ايلى زعيرا والتحقيق معه مع سرية التحقيقات وعدم تسريبها إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية .
وبعد 30 عاما من حرب أكتوبر فضل "زعيرا" نشر شهادته أمام اللجنة فى مذكراته التى حملت عنوان "حرب عيد الغفران" ، حيث يؤكد زعيرا أنه كان على يقين أن اللجنة المكلفة سوف تستدعيه نظرا لما أصابت به الحرب المجتمع فى إسرائيل من حالة من عدم الثقة فى جيشه الذى كان يزعم بأنه لا يقهر، وأن إقامة دولة من النيل إلى الفرات مسألة وقت فقط .
ايلى زعيرا
وعندما تم استدعاءه، وجهت اللجنة عدة أسئلة من بينها، هل كنت تتوقع أن يشن المصرى حرباً على إسرائيل، ليؤكد:" كان محتمل بطبيعة الحال، وكان السيناريو المرسوم هو أن تكون الحرب فى الليل وليس فى النهار، وأن الجيش المصرى سوف يستغرق وقتاً لكى يتمكن من العبور فى هذه الأثناء يتم الهجوم على القوات المصرية فى قناة السويس، مضيفا أنه منذ مارس 1972 والجيش الإسرائيلى كان لديه خطة لمواجهة الجيش المصرى ".
واتهم "زعيرا" القيادة السياسية والمخابرات الإسرائيلية، بأنهما السبب فى الهزيمة، موضحاً أن هذه القيادات اعتبرت شن الجيش المصرى هجوماً على القوات الاسرائيلية ضرباً من الخيال، قائلا:" كانت جولدا مائير ترفض تصديق تصريحات القيادة المصرية عن ضرورة تحرير قناة السويس واقتحام خط بارليف."
ونفى زعيرا أن يكون هو الوحيد الذى أخطأ فى عدم التحذير من نشوب الحرب، وقال إنه رأى فى شهر إبريل عام 1973 صورا لعمليات تجديد فى المطارات المصرية، وأن مخابرات القوات الجوية أخبرته أن هذه المطارات تحتاج إلى شهور حتى تصبح جاهزة للتشغيل العملياتى، وهو نفس ما كان يراه رجال شعبة الأبحاث فى المخابرات العسكرية ، وأضاف زعيرا أنه لو كان قد حذر القيادة السياسة من نشوب الحرب، ولم تندلع لكانوا قد اتهموه بالغباء، قائلا:" صحيح أنه كانت هناك مئات المعلومات عن قرب الحرب لكن كان فى المقابل هناك آلاف المعلومات التى تقول إنها لن تندلع."
هذا الخبر منقول من اليوم السابع