"ريحة العظماء".. حفيد طه حسين فى حوار خاص لـ"اليوم السابع": العميد كان قاسيا على نفسه.. ولم يحلم بتولى وزارة المعارف ولم يسعَ إليها.. حسن الزيات: ذكر أنه قصر فى كل كتاب.. قراءة كتبه سهلة وكان حنونا معنا

هو صاحب مقولة «ويل لطالب العلم إن رضى عن نفسه»، وكذلك مقولته الشهيرة «الفضيلة بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب، والتاريخ سخيف لا خير فيه إن كان يعيد نفسه، لأن ذلك يدل على أنه لم يستطع للناس وعظا ولا إصلاحا»، ابن مدرسة الأزهر الذى تبنى الأفكار التنويرية خلال بعثته فى فرنسا، تسبب الإهمال فى فقدانه بصره، ولكن لم يكن هذا عائقا أمام تحقيق أحلامه، ليستحق بحق لقب «عميد الأدب العربى»، وكانت كتبه الأكثر مبيعا بجناح قصور الثقافة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب خلال عام 2023، إنه الأديب الفذ، وسابق عصره طه حسين.

 

قال عنه وعن كتبه فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف: «كنت وأبناء جيلى نقرأ أمثال هذه الكتب لنتعرف على هويتنا فى هذا المعترك الثقافى الدولى، فمثلا طه حسين بالرغم من أنه كتب كتابا معينا، وكان للأزهر موقف منه، إلا أننى مع ذلك أعتبره شديد الأدب مع التراث ومع رسول الله ومع أبى بكر وعمر وعثمان، ومن هذا المنطلق كنّا نعيش دائما مع هذه الكتب ومع هذه القامات، لأنها فعلا تربى العقول وتكون الزاد المعرفى».

 

طه حسين وزوجته 

 

حياة طه حسين مليئة بالتحولات الضخمة، والصعوبات الشديدة، خاصة بعدما تمرد على شيوخ الأزهر ومناهج التعليم فيه، وكذلك مع إصدار طه حسين كتاب «فى الشعر الجاهلى» ليثور الأزهر ضده، ويقدم طلاب الأزهر وشيوخه بالبلاغات التى حققت فيها النيابة العامة مع طه حسين، وحينها كتب طه حسين، رسالة لرئيس جامعة القاهرة يدافع فيها عن نفسه قائلا: «كثر اللغط حول الكتاب الذى أصدرْتُهُ منذ حين باسم «فى الشعر الجاهلى»، وقيل إنى تعمدتُ فيه إهانة الدين والخروج عليه، وأنى أعلِّم الإلحاد فى الجامعة، وأنا أؤكد لعزتكم أنى لم أرد إهانة الدين ولم أخرج عليه، وما كان لى أن أفعل ذلك، وأنا مسلم أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر»، بجانب معركته بعد إصداره كتاب «فى الأدب الجاهلى» ليضغط الأزهر على الحكومة وعلى البرلمان، ويصدر قرار مجلس الوزراء بفصل طه حسين من الجامعة.

 

شيوخ الأزهر الذين كانوا سببا فى رفض إعطاء طه حسين الشهادة العالمية، ليضطر إلى ترك الأزهر مغضوبا عليه ويلتحق بالجامعة المصرية الأهلية ويحصل على الدكتوراه، ثم يسافر إلى فرنسا عام 1914 ومن هنا تبدأ رحلة طه حسين، خاصة مع حب عمره والداعم الأول له سوزان بيرسو، حيث قصة حياة بينهما امتدت قرابة 60 عاما، ويقول عن هذه القصة بدر الدين عرودكى «هو المصرى المسلم وهى الفرنسية المسيحية، هو الأديب والمفكر الذى أفنى عمره فى البحث والتأليف وهى عيناه اللتان كان يرى ويقرأ بهما العالم، هما الزوجان اللذان لم يحييا حياة عادية، ولم يكن حبهما عاديّا».

 

كان لنا حوارا مع حفيد عميد الأدب العربى، حسن محمد الزيات، ليتحدث معنا عن حياة طه حسين، والكتابات التى تحدثت عن أنه كان يسعى إلى علاقته بالحكام والسلطة، وأن إعجابه الشديد بالغرب جعله يبتعد عن الإسلام، وهل كان طرده من الأزهر السبب وراء التحاقه المصرية، وكيف رأى حرب أكتوبر فى أواخر أيامه، بجانب علاقته بأحفاده وكيف سعت العائلة للحفاظ على تراث الجد، وغيرها من القضايا والموضوعات فى الحوار التالى..

 

كيف لطفل ضرير وسط مجموعة كبيرة من الأبناء استطاع أن يحفر اسمه فى التاريخ؟

من خلال قراءتى لـ«الأيام» وكتاب سوزان «معك»، يظهر أن والديه لم يهملوا طه أو إخوته، بل كانا والدين حنونين وشجعا أولادهما للحصول على العلم، كما تجلى ذلك فى أن له أخا مهندسا، وأخا درس الطب، وأخا شيخ فى الأزهر، ويتضح من كتاب «معك» مدى فخرهما به وبما أنجزه، بالإضافة إلى دعم الأهل، كانت شخصية طه حسين وشجاعته وإصراره هى ما ساعدته على تحقيق النجاح.

 

هل كان قاسيا على نفسه وفى نقد نفسه؟

فى تصريحات تليفزيونية ل،ه رأينا كم كان قاسيا على نفسه، حيث قال طه حسين «قد قصرت فى كل كتاب، أعتقد يقينا وصدقا وبكل إخلاص أنى لم أوفق فى تحقيق كل ما أتمنى عندما كنت أملى هذه الكتب التى كتبتها، لم أوفق فى تحقيق أمنيتى كما ينبغى، فلقد قصرت فى كل كتاب، ولذلك لا أؤثر من ملفاتى شىء، وأنا لا أتواضع ولكن أقول الحق والله يشهد أنى أقول الحق».

 

واضح فى كتاب «الأيام» أن طه حسين كان معجبا بالإمام محمد عبده، وحاول حضور أكبر عدد من دروسه ومحاضراته.

 

هل سبب انتقال طه حسين من الأزهر إلى الجامعة المصرية هو هجوم شيوخ الأزهر عليه بعد انتقاده لهم؟

لا أعتقد، أتخيل أنه ذهب إلى الجامعة المصرية الجديدة سعيا وراء العلم وبحثا عن المعرفة.

 

كيف ترى اتهامات البعض لطه حسين بأن إعجابه الشديد بالغرب جعله يبتعد بعض الشىء عن الإسلام؟

أرى أنه أراد للمسلمين والدول الإسلامية ما وجده فى الغرب من نهضة وتطور، خاصة أنه عرف من التاريخ أن المسلمين سبقوا الغرب فى الحضارة والعلم فى عصور مضت.

 

كيف كانت علاقة طه حسين بالحكام والسلطة؟ وهل كان من أحلامه أن يتولى وزارة المعارف أم لم يكن يسعى لها؟

لا أظن أنه كان يحلم بتولى وزارة المعارف أو يسعى إلى ذلك، ولكنه سعد بهذه الفرصة لتحقيق أحلامه ومشاريعه.

 

الدكتور مصطفى عبدالغنى تحدث عن تطور علاقة طه حسين بالسلطة بأنها انتقال المثقف العضوى المتمرد إلى المثقف المهادن.. كيف ترى ذلك؟

أختلف مع هذا الرأى - كان طه حسين متمردا على السلطة ناقدا لها نقدا بناء فلما رأى سلطة توعد بتنفيذ بعض ما كان ينادى به ساندها، ولكنه لم يتوقف عن النقد البناء والأمل فى حكم أفضل.

 

ما سر عشق طه حسين للغة العربية؟

الله أعلم، ولكن جاء هذا العشق فى صالح كل قارئ عربى.

 

بمَ ترد عمن يزعمون أن كتابات طه حسين معقدة؟

كان والدى دبلوماسيا، ولذلك أمضيت معظم سنوات دراستى فى الخارج فى مدارس أجنبية، ومع ذلك لا أجد صعوبة فى قراءة كتب طه حسين، وإن كنت لا أعرف معانى بعض الكلمات التى تصادفنى لأول مرة، وفى عصر الإنترنت ما أسهل البحث فى المعاجم.

 

كيف أثرت سوزان بيرسو فى طه حسين؟

يكشف طه حسين بنفسه حجم تأثير سوزان بيرسو عليه فى نهاية الجزء الأول من «الأيام»، عندما قال عنها: «لقد حنا يا ابنتى هذا المَلَكُ على أبيكِ، فَبَدَّله من البؤس نعيما، ومن اليأس أملا، ومن الفقر غنى، ومن الشقاء سعادة وصفوا، ليس دَيْنُ أبيك لهذا الملَك بأقلَّ من دينك، فلتتعاونا يا ابنتى على أداء هذا الدَّين، وما أنتما ببالغَيْن من ذلك بعض ما تريدان».

 

أسرة سوزان بيرسو كانت ترفض زواج طه حسين منها ورغم ذلك تزوجها؟

بالفعل سوزان بيرسو كشفت عن نضالها من أجل الزواج من طه حسين، عندما قالت فى كتابها «معك»، «أنه كان لا بد من النضال بالطبع بسبب ذلك القرار، قرار الزواج من طه حسين» وجاءنى أكبر عون من عمٍّ لى كنت أكن له إعجابا عظيما، وكان هذا العمُّ قسٍّا، فقد حضر ليتعرف بِطه، وتنزَّه معه وحيدا فى حقول البيرنيه مدة ساعتين، ثم قال لى عند العودة: «بوسعك أن تنفذى ما عزمت عليه.. لا تخافى.. بصحبة هذا الرجل يستطيع المرء أن يحلق بالحوار ما استطاع إلى ذلك سبيلا، إنه سيتجاوزك باستمرار»، وهناك خطأ بسيط من المترجم فقد كان هذا القس خال سوزان وليس عمها.

 

حدثنا عن تفاصيل كتاب «معك» الذى كتبت فيه سوزان بيرسو مذكراتها؟

الكتاب يمكن تحميله مجانا من موقع مؤسسة هنداوى، وصدرت النسخة العربية أولا بناء على إصرارها أن يقرأه المصريون أولا، ثم صدرت النسخة الفرنسية بعد ذلك بسنوات.

 

لماذا تخلت سوزان بيرسو عن جنسيتها الفرنسية من أجل مصر؟

لست واثقا من صحة هذا، وإن كنت قد سمعت أنها أعادت جواز سفرها الفرنسى إلى الحكومة الفرنسية إثر العدوان الثلاثى عام 1956 عندما أعاد طه حسين وسام الشرف الفرنسى «Legion d’honneur».

 

كيف كان طه حسين يتابع انتصارات أكتوبر فى آخر أيامه وهل قال شيئا عنها؟

والدى محمد حسن الزيات الذى كان وزيرا للخارجية وقتها، وقال إن طه حسين سأله إن كان بالجيش عدد كاف من خريجى الجامعات، وأجابه أن الأعداد جيدة، فقال له طه حسين لن نسافر هذا العام، ووالدى قال فى إحدى التصريحات التليفزيونية، إن طه حسين كان يقول له «وزير خارجية إيه، إيه قيمة وزير خارجية فى بلد فيها يهود لا قيمة لك عندى ولا قيمة لحكومتك».

 

ما أبرز ما تعلمتموه من طه حسين؟

الاستقلال والحرية للفرد وللوطن، وألا سبيل لهما إلا بالعلم والمعرفة؛ الصبر والإصرار، احترام الغير وقبول الرأى الآخر.

 

كيف كان يعامل طه حسين أحفاده؟

كان حنونا كل الحنان ومحبا وصبورا معنا، وكان يدللنا ويقص علينا القصص ولم يغضب منا يوما أو نسمعه يرفع صوته مرة.

 

كيف يعامل الناس أحفاد وعائلة طه حسين حتى الآن؟

أنا شخصيا تعودت أن أسمع مِمَن عرف أنى حفيد طه حسين، إعجابهم به ودعاءهم له.

 

كيف سعيتم لحفظ تراث طه حسين؟

فى عام 2013 بمناسبة الذكرى الأربعين لوفاة طه حسين اتفقنا مع مؤسسة هنداوى على نشر كل كتبه رقميا على الإنترنت بحيث يمكن للكل تحميل أى كتاب من الكتب وقراءته مجانا، كما استمرت دور النشر العالمية فى إصدار ترجمات جديدة لكتب طه حسين مثل «الأيام» بالدانماركية، و«أحلام شهرزاد» بالفرنسية، وبمناسبة الذكرى الخمسين لوفاته أسعى لإضافة إلى مجموعة مؤسسة هنداوى كل من «تراث طه حسين» الذى أصدرته دار الكتب والوثائق القومية، مركز تاريخ مصر المعاصر، فى ستة مجلدات و«أوراق طه حسين ومراسلاته» إعداد الدكتور أحمد زكريا الشلق، والدكتور محمد صابر عرب، حتى تصبح مقالات طه حسين الصحافية ومراسلاته متاحة مجانا لملايين القراء.