بوابة صوت بلادى بأمريكا

مصر تخوض معركة حماية "الشرعية" في مواجهة الاحتلال.. أعادت الزخم لحل الدولتين.. وقوضت محاولات التهجير.. ودعت إلى تفعيل مبدأ المحاسبة تجاه مرتكبي الانتهاكات.. ونجحت في تحقيق التوازن الدولي تجاه القضية

يبدو الرهان الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاعتداءات على قطاع غزة، متجليا في محاولة الاحتلال في "إجهاض" الشرعية، عبر "شرعنة" الانتهاكات التي يرتكبها ضد المدنيين العزل، والتي راح ضحيتها آلاف البشر، معظمهم من النساء والأطفال، تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"، بينما سعت الدولة العبرية نحو "وأد" حل الدولتين، والذي يمثل الإطار الذي تدور حوله "الشرعية الدولية، عبر دعوات التهجير، وهو الأمر الذي أدركته مصر منذ اللحظة الأولى للعدوان، لتدور المعركة التي خاضتها الدولة المصرية في مواجهة الاحتلال حول فكرة "الانتصار" للشرعية، بعيدا عن المساعي الإسرائيلية التي دارت في جوهرها حول جر الأطراف الدولية والإقليمية نحو تلك الرقعة الجغرافية التي أمعنت في تدميرها وقتل سكانها، بينما كانت تخطط لأهداف أخرى أوسع نطاقا، ترتبط بمستقبل القضية الفلسطينية برمتها.

وفي الواقع تتجسد عبقرية مصر في قدرتها الكبيرة على قراءة المشهد مبكرا، وإدراك النوايا الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى، وعدم الانجرار وراء تلك النقطة الضيقة التي حاول الاحتلال جر العالم إليها، والمتمثلة في غزة وما تمثله من تهديد لأمنها، على خلفية "طوفان الأقصى"، فكانت الأولوية بالنسبة للدولة المصرية تتجلى في تعزيز ثوابت فلسطين، وإلزام العالم بتجديد التزامه بحقها في بناء دولتها المستقلة ذات السيادة، على حدود الرابع من يونيو وعاصمتها القدس الشرقية، وبالتالي رفض دعوات التهجير، بينما لم تتخلى عن غزة، حيث تحركت على مسار آخر لحمايتها، عبر المساعدات الإنسانية تارة، وحشد العالم نحو التهدئة، تارة أخرى، ناهيك عن نقل المصابين والجرحى من أبناء القطاع إلى مستشفياتها لتلقى العلاج.

والحديث عن حماية "الشرعية" في مواجهة محاولات "الشرعنة" تجلت على مسارات عدة، تبدو منسجمة على مسار دولي وآخر وإقليمي، بينهما مسار إنساني، وهو ما يعكس شمولية الرؤية المصرية في إدارة الأزمة.

فعلى المستوى الدبلوماسي، تحركت مصر على نطاق جمعي، عبر قمة القاهرة للسلام، وأخر على مستوى فردي، عبر اللقاءات التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مع زعماء وقادة الغرب، ليضعهم أمام مسؤوليتهم الدولية، لبناء "توافق" عابر للمواقف تجاه ثوابت القضية، في إطار الالتزام بحل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق "الشرعية" المتوافق عليها منذ عقود طويلة من الزمن، وما يترتب على ذلك من رفض دعوات التهجير التي أطلقها الاحتلال، بينما كان المسار الإقليمي، والذي تجلى في القمة العربية الإسلامية، قائما على بناء تكتل متجاوز للأقاليم الجغرافية التقليدية يمكنه إضفاء قوة دولية للموقف الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال وانتهاكاته، وهو ما بدا فيما أسفرت عنه من قرارات وأهمها تشكيل لجنة وزارية، للتحرك دوليا من أجل وقف الحرب في غزة من جانب، والانطلاق منها نحو إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفقا للشرعية الدولية القائمة على حل الدولتين.

ولم تتوقف الدبلوماسية المصرية، على تحقيق التوافق مع الغرب أو بناء تكتل إقليمي، وإنما انطلقت نحو آفاق أوسع عبر المشاركة في اللجنة الوزارية التي شكلتها القمة العربية الإسلامية، عبر البدء في جولة إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لتكون بمثابة ساحة جديدة للمعركة التي يخوضها الإقليم، بقيادة مصرية، في اللحظة الراهنة، عبر استقطاب قوى مؤثرة من شأنها المساهمة في عملية صناعة القرار الدولي، وعلى رأسها الصين وروسيا، والتي باتت تلعب دورا محوريا في النظام العالمي، والذي يشهد انتقالًا ملموسًا من الحالة الأحادية التي هيمنت على العالم منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي، نحو مزيد من التعددية.

وأما المسار الإنساني، فيبدو مرتبطا هو الأخر في المواجهة بين "الشرعية" و"الشرعنة"، في ظل محاولات الاحتلال تبرير انتهاكاته بذريعة "الدفاع عن النفس"، وهو ما لاقى دعما بين حلفاء في بداية العدوان، إلا أن الخطاب تغير بعد ذلك في ضوء الخطاب المصري، والذي انطلق من التوافق مع الغرب حول التهدئة لتمرير المساعدات، مرورا بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، وحتى الدعوة التي أطلقها الرئيس السيسي بإجراء تحقيق دولي، وهو ما يمثل تفعيلا لمبدأ العدالة الدولية، في ظل بشاعة ما ارتكبته القوات الإسرائيلية، والذي أسفر عن قتل آلاف المدنيين العزل.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع