لم يخطر ببالها أن ما تعطيه لأبنائها من طعام وشراب يوميا سيكون بمثابة الموت لهم، رغم أن كل شئ تفعله هو الطبيعى والمهم لنمو الأطفال فى عمرهم سواء كان بروتين وكالسيوم وأطعمة متنوعة، ولكن فى كل مرة تدهور حالتهم الصحية حتى وصل بهم الحال لإصابتهم بـ التخلف العقلى، ومع الوقت كانت الصدمة عندما أكتشفت أن هذا الطعام بالنسبة لهم سُم قاتل فأبنائها الثلاثة محرومين من الطعام بسبب إصابتهم بمرض الـpku.
الـpku وأحد الأمراض الوراثية النادرة، وفيه يكون أي طعام يحتوي على البروتين بمثابة سم، فتناول قطعة لحم أو كوب حليب قد يسبب دمارا داخل جسد الطفل، ويحتاج المرض حمية غذائية معينة لأن عواقبه شديدة وتؤثر على العقل والحركة والنمو، ينتج المرض عن عدم قدرة الجسم على التعامل مع البروتينات بسبب غياب أنزيم داخل خلايا الكبد، دوره هو التعامل مع الـ"فينيل آلانين" الموجود في تلك المواد الغذائية.
و نتيجة لغياب عمل الأنزيم، يتحول "الفينيل آلانين" إلى مادة شديدة السمية، تؤثر بشكل كبير وسلبى على الخلايا العصبية في المخ، مسببة التخلف العقلي عند الأطفال، كما تؤدي لغياب صبغة "الميلانين" المسؤولة عن لون الشعر والجلد وقرنية العين، فتسهل إصابة المريض بطفح جلدي (إكزيما).
فى الغالب فأن الحالات تزداد عند زواج الأقارب ولكن هناك حالات أخرى ليست أقارب ولكن يحمل الأب والأم الجين، وبالتالى يصاب الأطفال بالمرض.
سافر "اليوم السابع" من القاهرة للأسكندرية ليعيش يوم فى حياة تهانى وأبنائها الثلاثة مرضى الـpku أثنان منهما اكتشاف متأخر، وبالتالى مصابين بالتخلف العقلى وكهرباء على المخ والطفلة الصغيرة هى الوحيدة اكتشاف مبكر وحالتها أفضل منهما.
رغم المعاناة والصراع الذى تعيشه الأم يوميا مع مرض أبنائها الثلاثة ولكنها قوية وتفعل كل شئ للحفاظ على حياتهم وصحتهم ولا تشعرهم بالحرمان من الأكلات، فتتفنن فى إعداد الوجبات المشابهة للطعام الطبيعي لنا، فالفراخ البانية بالنسبة لهم عبارة عن خليط من الباذنجان والكوسة ممزوجة بالبقسماط المخصص لهم وتحمر فى الزيت، وبالتالى يكون نفس شكل البانية ولكن بمكونات مختلفة.
"كنت بدى لولادى سم وأنا بحسبه أكل مناسب ليهم وهيفيدهم بس مكنتش أعرف حالتهم" هو ما قالته تهانى سليمان والدة الثلاث أبناء المرضى لـ"اليوم السابع"، حيث قالت: "عندى ثلاث أبناء مرضى pku الاتنين الكبار منهم بيعانوا من التخلف العقلي وده نتيجة الاكتشاف المتأخر للحالة، مكنتش أعرف إن عندهم مرض pku، وليهم أكل مخصوص، كنت دايما بشوفهم تعبانين ومش بيكبروا زى الولاد الطبيعية وعندهم مشاكل فى النمو والمشى وكانوا الدكاترة دايما يقولولى عندهم نقص كالسيوم اديهم بيض ولبن وجبنة والأكل دة طبعا سم بالنسبة لهم وهو اللى جابلهم تخلف عقلى".
وأضافت" بدأت حالتهم تدهور مرة ورا مرة ومكنتش عارفه ليه لغاية ما جالهم تخلف عقلى ، ولما عرفت إنى حامل للمرة الثالثة روحت للدكاترة قلتلهم عاوزأنزل البيبى عشان ولادى بيجيلهم تخلف عقلى، الدكاترة رفضوه وقالو لازم نعرف سبب إصابتهم الأول قبل ما تنزلى البيبى، وفعلا عملوا كل الفحوصات وهنا كانت الصدمة لما عرفت إنهم مرضى pku.
زادت الصدمة عندما اكتشفت الأم أن طفلتها الثالثة أيضا مريضة pku، وبالتالى لا بد ان يتبع الثلاث أبناء حمية غذائية معينة وممنوع تناول اللحوم والأجبان والألبان والبيض وكل الأطعمة التى تحتوى على البروتين والكالسيوم .
سرحت الأم قليلا أثناء حديثها معنا ثم تذكرت اللحظات الأولى من بداية العلاج عندما أخبرها الأطباء أن أطفالها ممنوعين من الطعام، وقالت: " أول ما قالى ولادك مش هياكلوا زينا سكت وقلتله يعنى إيه أومال هياكلوا إيه؟ وهيعيشوا ازاى، قالولى فيه لبن وعيش مخصص ليهم فى مستشفى الدمرداش، طبعا كان الأمر صعب لأن ولادى الكبار كانوا متعودين على الأكل ازاى مرة واحدة هحرمهم، ده غير إنى هنزل من إسكندرية لمصر عشان أجيب أكل لولادى لأما هيروحوا منى فحياتنا اتقلبت مرة واحدة ، بس مكانش فى إيدينا حل غير ده.
وتابعت" بدأت فعلا اقرأ عن المرض وأشوف الأكل المناسب ليهم فى الأول كان فيه صعوبة إنى أوفرلهم الأكل، بس مع الوقت فيه واحدة من الأمهات فتحت مصنع لتوفير الأكل الخاص بأطفالنا وبنزل أجيبه من القاهرة هو سعره غالى، بس هنعمل إيه هعيش ولادى ازاى، والأكل ده عبارة عن مكرونة ورز وعيش ولبن مخصص للأطفال اللى عندهم الـpku".
"لو بعمل محشى لازم أعملهم محشى زينا بس بالرز بتاعهم"، هو ما قالته والدة الأبناء المرضى عن الأكلات الخاصة بهم، فهى حريصة على تقديم الطعام لأبنائها بحيث يكون شبيه للأكل الطبيعي، حيث قالت: " بعملهم محشى من الرز بتاعهم وبعملهم بانية عبارة عن باذنجان وكوسة بالبقسماط عشان يكون شبه البانيه العادى ، بس بيصعبوا عليا لما بيقولولى نفسنا ندوق الفراخ أو اللحمة والأصعب لما بنكون فى زيارة عائلية، وكل الأطفال بياكلوا الأكل الطبيعي لكن ولادى ليهم أكل مخصوصا بيبقى نفسهم يدوقوا الأكل التانى".
واستطردت حديثها، قائلة: "سمعت إن فيه علاج برا مصر بياخدوه الأطفال ويخليهم ياكلوا عادى ويتعاملوا بشكل طبيعي بس لسه تجارب، وكمان غالى فمش هنعرف نجيبه ولا بييجى مصر، وكل اللى بتمناه إن ربنا يخليلى ولادى ويصبرنى، وكنت أتمنى انى اكتشف حالتهم بدرى مكانوش هيوصلوا للى هما فيه دلوقتى، والحمد لله وزارة الصحة موفرة تحليل إجبارى بيتعمل للمواليد لاكتشاف الحالة بدرى".
هذا الخبر منقول من اليوم السابع