حالة من الهلع تصيب الأوساط العربية والعالمية، إثر الانتهاكات التي تمارسها السلطات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في الأيام الأخيرة، والتي شهدت اعتداءً سافرا على المصلين في المسجد الأقصى، بالإضافة إلى مخططات الاحتلال للاستيلاء على منازل الفلسطينيين في حى الشيخ جراح، في محاولة صريحة لتفريغ المدينة المقدسة من سكانها، لتغيير الوضع القانوني القائم في البلدة القديمة، في إطار مخطط لتهويدها، وهو الأمر الذى دفع إلى غضب دولى وإقليمى، بالإضافة إلى القلق من جراء ما سوف تسفر عنه الأمور في المرحلة المقبلة، وتداعياتها على عملية السلام المتعثرة أصلا إثر تعنت الجانب الإسرائيلي.
ولعل حالة الارتباك الدولى والإقليمى الحالي، دفع جامعة الدول العربية، إلى استغلال حالة الزخم، عبر عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، يوم الثلاثاء المقبل، لمناقشة الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في المرحلة الراهنة، ووضع مزيد من الضغوط على الاحتلال للحد من الانتهاكات المرتكبة بحق مئات الفلسطينيين، في ظل رغبة حقيقية إلى المضي قدما في عملية السلام على أساس حل الدولتين، والتي تمثل الضمانة الحقيقية لقيام الدولة الفلسطينية، وحماية حقوق الفلسطينيين في أن يكون لهم دولتهم المستقلة، على حدود 1967، وذلك عبر تقديم رسالة عربية موحدة، من شأنها حشد المجتمع الدولى، وراء قرارات الشرعية الدولية، والتي مررها مجلس الأمن الدولى قبل سنوات طويلة، سعت خلالها سلطات الاحتلال إلى انتهاكها مرارا وتكرارا.
قرار الجامعة العربية بعقد اجتماع وزارى، جاء بعد قرار سابق بانعقاد مجلس الجامعة العربية، على مستوى المندوبين الدائمين، كان مقررا يوم الاثنين، إلا أن الانتهاكات المتزايدة، وما آلت إليه الأمور دفع إدارة الجامعة إلى ترفيع مستوى الاجتماع، لبحث الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة والمقدسات الإسلامية والمسيحية خاصة المسجد الاقصى المبارك و الاعتداء على المصلين في شهر رمضان المبارك، بالإضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية والمخططات للإستيلاء على منازل المواطنين المقدسيين خاصة في حي الشيخ جراح في محاولة لتفريغ المدينة المقدسة من سكانها وتهجير أهلها.
الانتهاكات الإسرائيلية مستمرة فى القدس
من جانبه قال الأمين العام المساعد، السفير حسام زكى، إن إنه تقرر ترفيع مستوى الاجتماع إلى المستوى الوزاري بدلا من مستوى المندوبين الدائمين تناسباً مع خطورة الاعتداءات الإسرائيلية على المصلين بالمسجد الأقصى وعلى سكان حي الشيخ جراح وذلك ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة لتهويد القدس وتغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم للمدينة ومقدساتها.
إلا أن القرار بترفيع مستوى الاجتماع، الذى يعقده الكيان العربى المشترك، لا يقتصر في نطاقه على اتساع حدة الانتهاكات الإسرائيلية، وإنما يمثل رسالة ضمنية مهمة، مفادها أن القضية الفلسطينية مازالت محور الاهتمام العربى، في ظل محاولات مكثفة، من قبل العديد من القوى الدولية والإقليمية، لتهميشها لصالح قضايا أخرى، لتحقيق مصالحها، عبر زيادة نفوذها، على حساب الحقوق العربية، من خلال تأجيج الفوضى في العديد من الدول العربية، خاصة في أعقاب ما يسمى بـ"الربيع العربى"، وهو الأمر الذى ساهم بصورة كبيرة في تقويضها، بالإضافة إلى نشر الميليشيات الإرهابية، سواء في سوريا والعراق وليبيا وغيرهم، لتحويلها إلى دول فاشلة، يمكنها أن تهيمن على اهتمام العرب على حساب فلسطين، والتي ظلت لعقود طويلة أولوية عربية مطلقة.
"بيت العرب" ينتفض من أجل فلسطين
فعلى الرغم من جهود إدارة الجامعة العربية لتحقيق ما يسمى بـ"لم الشمل" العربى، عبر العديد من النشاطات التي قام بها مسئوليها في الآونة الأخيرة، بدءُ من المسألة السورية، مرورا بالوضع في لبنان، وحتى العراق، نجد أن ثمة اهتماما مباشرا لا ينقطع بالقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذى أعرب عنه قطاع كبير من مسئوليها، خلال الأسابيع الماضية، للتأكيد عن الأولوية الفلسطينية مازالت لم تتغير رغم المحاولات الدولية والإقليمية لتغيير الأجندة العربية.
من جانبه، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في فبراير الماضى، إنه يحمل رسالة للعالم بأسره ومفادها أن الدول العربية تتحدث بصوت واحد عندما يتعلق الأمر بفلسطين، وتضع هذه القضية على رأس أولوياتها، مؤكدا أن الإجماع الدولي على حل الدولتين "لا بد أن يترجم في تحرك عملي يقود إلى إنقاذ هذا الحل من محاولات إسرائيلية مستمرة تهدف إلى تقويضه وتهميشه.
الأمين العام المساعد، السفير حسام زكى
ويعد الموقف الإسرائيلي الأخير من القدس، تكرارا للعديد من المواقف السابقة، والتي مارست خلالها سلطة الاحتلال سياسة الاستيطان في الضفة الغربية في محاولة لفرض الأمر الواقع، عبر ضم مساحات واسعة من أراضيها، بحيث لا يمكن للفلسطينيين تأسيس دولتهم، من خلال تغيير هويتها، وهو ما يحدث حاليا في القدس عبر سياسات التهجير القسرى، في أحياء المدينة المقدسة، في خطوة تمهد لتهويدها.
موقف الجامعة العربية تجاه الممارسات الإسرائيلية يمثل امتدادا صريحا لمواقفها السابقة، والتي تقوم على دعم الشرعية الدولية وحل الدولتين، والرافض في الوقت نفسه لأى خطوات إسرائيلية أحادية الجانب تؤثر سلباً في حقوق الشعب الفلسطيني وتخالف القانون الدولي، في انعكاس صريح لثبات الموقف الذى تتبناه الجامعة العربية، وبقاء أولوياتها.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع