كتب تامر إسماعيل
فى مقال بعنوان "قطر والخيارات المسدودة"، كشف الكاتب الإماراتى راشد العريمى المصير الذى تنتظره قطر بعد سياستها التى وصفها بالتخريبية والخروج عن الإجماع العربى والخليجى، رصد الكاتب فى مقاله المنشور بموقع العين الإمارتى، الحصار الذى أصبحت به دولة تميم بن حمد، سواء من دول الخليج أو باقى الدول العربية، وكذلك أمريكا واوروبا ومؤسسات اقتصادية كبرى خفضت التصنيف الائتمانى للمؤسسات الاقتصادية الكبرى فى قطر.
وحذر الكاتب فى مقاله من أن قطر ستلجأ إلى الاحتماء باسرائيل وتركيا وإيران، إلا ان الخليج سيعاقبها عقابا موجعا على خروجها عن الإجماع وعدم إدراكها لرسالة عاصفة الحزم، وقال الكاتب أنه لايستبعد ان يكون من بين العقوبات شطبها من مجلس التعاون الخليجى وجامعة الدول العربية.
وإلى نص المقال
بعد أيام قلائل من بدء الأزمة الأخيرة، وبعد أن اختارت قطر الخروج عن الإجماع الخليجي، توالت الأخبار السيئة.. خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لقطر، وقالت الوكالة ذات السمعة العالمية المعتبرة إن السبب وراء هذا التخفيض هو "ضعف المركز الخارجي لقطر، والضبابية التي تكتنف استدامة نموذج النمو".. وبعد بضعة أيام، خفضت الوكالة ذاتها التصنيفات الائتمانية لكبرى الشركات القطرية، وأهمها "راس غاز"، و"قطر للبترول"، و"صناعات قطر"، و"الديار العقارية"، و"ناقلات"، و"بنك قطر الوطني".
وفي اليوم نفسه كانت نائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي دينا باول توجه تحذيراً شديد اللهجة لقطر حول العواقب السيئة لنقض ما وقعت عليه في "وثيقة الرياض" حول منع تمويل الإرهاب، وقالت باول: "قطر إمارة صغيرة في الجزيرة العربية، كانت دوماً متمردة على أي ترتيبات تتصل بمكافحة الإرهاب".
وشهدت مراكز البحث والتفكير الأمريكية ودوائر صنع القرار والكونغرس بمجلسيه دعوات إلى عقاب قطر على دعمها للإرهاب، وإغلاق قاعدتي العديد والسيلية الأمريكيتين، لأنه لا يُعقل أن يكون هدف أمريكا هو محاربة الإرهاب وإيران، وأن يكون البلد الذي يستضيف القاعدة هو من يرعى الإرهاب ويموله، ويحالف إيران.
ستكون الإجراءات الخليجية سريعة وحازمة، ولا يُستبعد تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي وفي الجامعة العربية، بعد أن أصبح دورها داخل البيت الخليجي والبيت العربي تخريبياً
وفي غضون ذلك كانت أسرة آل ثاني بفروعها المختلفة تشهد حوارات ليست في صالح حاكم الدوحة، إذ انتشرت سراً وجهراً مظاهر التعبير عن السخط بسبب الوضع الذي يجد الشعب القطري نفسه فيه، وما يمكن أن تؤدي إليه مقامرات السلطات القطرية من نهايات لا تُحمد عُقباها.
في هذه الأثناء أيضاً كانت دول عربية كبيرة ومهمة تحجب قنوات الفتنة القطرية ومواقع التحريض التي عملت على زرع الكراهية وإضعاف اللحمة الوطنية في الدول العربية، ليفقد الإعلام البغيض أغلب متابعيه بعد سنوات طويلة من العربدة التي تدخل في بند الإجرام.
ومنذ اندلاع الأزمة توالت الرسائل الحازمة من جانب السعودية والإمارات والبحرين ودول عربية أخرى بأنه لا سبيل للمراوغات هذه المرة، وقال معالي الدكتور أنور قرقاش بوضوح ودقة: "الامتحان الحالي أصعب للشقيق لأنه نكث كافة عهوده واستمر في تحريضه.. الموضوع أعمق من المساحيق والمظاهر، والحل السويُّ منهجُه مراجعةٌ شاملةٌ وإعادةُ تصويبٍ لمنهجٍ خطِر".
تنسى قطر، أو تتناسى، أن ما كسبته من تأثير لم يكن وراءه عبقرية ساستها الاستثنائية، أو مليارات الدولارات التي بددتها على إنشاء مؤسسات إعلامية أو جمعيات حقوقية لتشويه أشقائها العرب، أو شركات علاقات عامة دولية لتجمل وجه سياستها القبيح، بل حققته لأنها كانت جزءاً من كيان قوي هو مجلس التعاون الخليجي، وبفضل حرص دول المجلس على نشر الاستقرار في محيطها وتفضيلها استيعاب الشقيق المنفلت وتوجيه النصح والإرشاد لعله يخرج من مراهقته السياسية، وكان الأمر يحتاج أحياناً إلى التقريع أو العقاب، لكن الشقيق الأصغر الذي استمرأ الخطأ تجاوز كل الخطوط الحمراء مؤخراً، وبدا أنه غير قابل للإصلاح، ولا حل سوى "تأديبه".
الأرض تهتز تحت أقدام سلطات الدوحة، و"المراجعة الشاملة وإعادة تصويب المنهج الخطر" ليست بالأمر الصعب، لكن زيغ البصر وعمى البصيرة يقودان السلطات القطرية إلى مواصلة نهجها الذي وضعها في المأزق، وهو اللعب على تناقضات المنطقة، وقد رأينا مثالاً لهذا اللعب الممجوج في الاتصال الحميمي بروحاني والتلويح بعلاقات أكثر متانة وعمقاً مع إيران، وفي الوقت نفسه المسارعة إلى الكويت الشقيقة طلباً للوساطة، برغم أن الكويت هي أكثر من خبر نكث قطر بعهودها.
ستلجأ قطر إلى اللعب بخيارات مثل التقرب من إسرائيل، في الوقت الذي تدافع فيه عن "حماس" وتصفها بأنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وتغازل فيه أيضاً حزب الله أو تبرم اتفاقات معه، وربما تحاول التلويح بتنازلات ضخمة للولايات المتحدة فيما تفتح الخطوط أكثر مع إيران، وتناور في الوقت نفسه مع روسيا، وقد توثق تحالفاتها أكثر مع تركيا التي تقاسمها رعاية الإخوان المسلمين والعلاقات المشبوهة مع الإرهاب، وربما يقودها الهلع والاضطراب إلى إبرام اتفاقات مع جماعات إرهابية لتنفيذ عمليات تخفف الضغط عنها، وغالباً ما سيقودها ذلك -لو حدث- إلى هاوية لن تخرج منها.
كما أن التناقضات بين هذه الأطراف سوف تؤدي إلى طرق مسدودة تجعل قطر منبوذة في النهاية من الجميع، بعد أن يحققوا مصالح معينة على حسابها، ويستغلوها بدلاً من أن تستغلهم.
في الوقت ذاته، ستواصل قطر شن حملات محمومة من جانب الجزيرة وأخواتها، لكن هذه الحملات ستفقد كثيراً من فاعليتها بعد أن خسرت قطر عمقها الخليجي والعربي رسمياً وشعبياً، فهذا العمق هو ما مكّنها أساساً من اختراق المجتمعات العربية عبر الإعلام المشبوه.. وستتواصل حملة أخرى عبر آلاف الحسابات المشبوهة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تهاجم السعودية والإمارات والبحرين، والتي يتلاقى فيها بشكل غريب فلول الإخوان المسلمين مع الطائفيين من أتباع إيران، ولا يجمع هذين النقيضين إلا كراهية كل الخليجيين شعوباً وحكومات.
هذه المحاولات ستقابل بحزم خليجي يكيل لقطر الصاع صاعين.. وفي النهاية ستعاني قطر الوحدة والعزلة عن محطيها الخليجي، وهوانها على حلفاء المصالح الذين سيفرضون عليها في ظل عزلتها شروطاً مجحفة ومهينة لاستمرار التحالف، ستتصاعد تدريجياً حتى تأكل اللحم وتدق العظم وتنحرف بقطر أكثر وأكثر في طريق مظلم.
ستكون الإجراءات الخليجية سريعة وحازمة، ولا يُستبعد تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي وفي الجامعة العربية، بعد أن أصبح دورها داخل البيت الخليجي والبيت العربي تخريبياً، وصار كل نشاطها موجها ضد دول الخليج والدول العربية.. ولن تحاول دول الخليج منع تناقضات الداخل القطري من الظهور، بل ستتركها لتفاعلاتها الطبيعية، ليعرف حكام قطر أن ممارسة هذه اللعبة ليست صعبة.. والفارق أن قطر كانت تتدخل لخلق الشقاقات والصراعات وتنفخ في نار الكراهية والصراع، أما دول الخليج العربية فإنها فقط ستتوقف عن أداء دورها في كبح هذه الشقاقات كما كانت تفعل دوماً.
هذا زمن الحزم، لمن لم يفهم رسالة "عاصفة الحزم" بعد، فدول الخليج العربية تقودها الحكمة، وكما أن أحد وجهي الحكمة هو الصبر والتغاضي، فإن الوجه الآخر هو العقاب الموجع والقاسي حينما يكون لازماً.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع