سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 فبراير 1970.. أم كلثوم تجمع 100 ألف جنيه فى حفلتها بالمنصورة لصالح المجهود الحربى.. ومزاد على دبلة عروسة وحفنة تراب من أرض الدقهلية

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 فبراير 1970.. أم كلثوم تجمع 100 ألف جنيه فى حفلتها بالمنصورة لصالح المجهود الحربى.. ومزاد على دبلة عروسة وحفنة تراب من أرض الدقهلية
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 فبراير 1970.. أم كلثوم تجمع 100 ألف جنيه فى حفلتها بالمنصورة لصالح المجهود الحربى.. ومزاد على دبلة عروسة وحفنة تراب من أرض الدقهلية

تأكدت سيدة الغناء العربى أم كلثوم من أنباء هزيمة 5 يونيو 1967، فخاصمها النوم، ولم يعد لها هم بالليل والنهار إلا تفرغها لدموعها، وتوجهها إلى الله فى صلاتها، وتضرعها أن يمدنا ببصيص من الأمل فى إنقاذ مصر، حسبما تذكر هى فى مقال نادر لها بمجلة «الهلال، أكتوبر 1971».

 

كان لأم كلثوم طقس خاص وقت أحزانها، حيث تعتزل الناس وتنزل إلى «بدروم» فيلتها بالزمالك، وهو ما فعلته فى هزيمة 5 يونيو، حسبما قال الكاتب سعد الدين وهبة فى شهادته ضمن شهادات أخرى فى كتابى «أم كلثوم وحكام مصر»، ويتذكر ابن شقيقتها المهندس محمد الدسوقى أحوالها فى هذه الأيام، قائلا: «كانت صدمتها أكبر..غرقت فى الحزن، حبست نفسها فى حجرة بدروم الفيلا، أطفأت النور، وربطت رأسها بمنديل لعله يخفف الآلام وبعد فترة خرجت من البدروم وسمعتها تقول: «لازم نلم البلاد العربية حوالين مصر».

 

وفى شهادته لى، وصفها الشاعر أحمد شفيق كامل أحد شعراء أغانيها، قائلا: «كانت شخصية عملاقة وبصفة خاصة فى أيام النكسة، فكل مصرى كان عنده إحساس بالعجز، وكان طعم المرارة أكبر فى حلوق الفنانين الذين تغنوا بالثورة ولها، أما هى فكانت حاجة غير معقولة.. تتصل بكل الناس ومنهم أنا لتسأل: إيه اللى ممكن يتعمل.. يا فلان.. يا علان.. نعمل إيه؟ حتى  رفعت شعار «الفن لصالح المجهود الحربى»، وقالت: «لن تغمض لى عين وشعب مصر يشعر بالهزيمة».

 

حولت أم كلثوم شعار «الفن لصالح المجهود الحربى» إلى واقع عملى على الأرض بتقديم الأغانى الوطنية، وإحياء الحفلات داخل مصر فى دمنهور والمنصورة وطنطا والإسكندرية، وفى الخارج بالكويت وتونس والمغرب وليبيا ولبنان والسودان والإمارات، وتخصيص إيرادات هذه الحفلات للمجهود الحربى، كما قامت بتكوين «هيئة التجمع الوطنى للمرأة المصرية» لإسعاف الجنود المصابين، وتعبئة السيدات للمشاركة فى حملة دعم المجهود الحربى بالتبرع بالنقود والمصاغ، وفى هذا السياق كانت حفلتها بمدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية مسقط رأسها، فى ليل الأول من فبراير وحتى ساعات الصباح الأولى من 2 فبراير، مثل هذا اليوم، 1970.

 

وفى تقرير بالصور تنقل الأهرام بصفحتها الأخيرة فى عدد 3 فبراير 1970، ما جرى فى هذه الحفلة، قائلة: «وقفت أم كلثوم أول أمس- على أرض الدقهلية التى أنجبتها لتغنى لأول مرة أمام 12 ألف مستمع سعوا إليها من جميع أنحاء الجمهورية، كانت ترتدى ثوبا أسود مرصع، وتمسك فى يدها بوشاح برتقالى، فكان يبدو كلما لامس ثوبها كقطعة الشفق التى تضىء من خلال السحب القاتمة»، وتكشف الأهرام طبيعة الجهود المبذولة للوصول إلى أكبر قيمة مادية يحققها الحفل، وتذكر: غنت فى الوصلة الأولى «أمل حياتى»، وفى فترة الاستراحة صعد إلى المسرح على أرض استاد المنصورة كل من عبدالفتاح على محافظ الدقهلية، ومحمد السيد عبدالرحمن أمين الاتحاد الاشتراكى وقدما لها 100 ألف جنيه، نصفها حصيلة بيع التذاكر والنصف الآخر من التبرعات، وبهذا بلغ ما قدمته الدقهلية للمجهود الحربى نصف مليون من الجنيهات، فقد سبق أن قدمت 400 ألف جنيه منها 287 ألفا نقدا و12 كيلو من الذهب.

 

تطرح الأهرام فى تقريرها سؤالا: «كيف تم جمع هذا المبلغ الكبير؟..وتجيب بأن هناك أكثر من قصة تضرب على بساطتها وقصرها أروع معانى التضحية والبذل من أبناء هذا الشعب الطيب العريق.. قصة العروس التى لم يبق على زفافها أسبوع واحد فتقدمت للمسؤولين بدبلة الزواج ليجرى عليها المزاد، فإذا بالجميع يتسابقون على شرائها دون أن يسترد أحدهم الرقم الذى عرضه ونسخه رقم آخر، وإذا بدبلة لا يزيد ثمنها على جنيه تباع بألفين من الجنيهات».

 

قصة ثانية بطلها مزارع اشترى خمس تذاكر للحفل سدد ثمنها خمسمائة جنيه ثم رد التذاكر للمحافظة لتبيعها مرة أخرى، فخطفتها سيدة حضرت مع بناتها الأربع من دمياط خصيصا للاستماع لأم كلثوم وسددت خمسمائة جنيه أخرى، ثم قصة الطفلة التى هداها تفكيرها لأن تتقدم بحفنة من تراب الوطن «الدقهلية» فى كيس صغير من الحرير ليجرى عليها المزاد بنفس الطريقة التى جرى بها على دبلة العروس، فبلغت حصيلة المزايدات ثلاثة آلاف جنيه، سددت مقابل حفنة من تراب الوطن.

 

تؤكد الأهرام، أنه من حصيلة عشرات من أمثال هذه القصص وصلت التبرعات مع ثمن التذاكر إلى نصف مليون من الجنيهات، وتضيف الأهرام أنه فى نهاية الاستراحة قدمت الدقهلية لأم كلثوم هدية المحافظة وهى مفتاح المدينة الذى صممه من الذهب الخالص الدكتور أحمد عثمان عميد كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، وتضيف الأهرام، أن أم كلثوم كشفت عن أنها ستقيم ثلاث حفلات للمجهود الحربى بالمغرب أوائل مارس المقبل، ثم صعدت إلى المسرح لتغنى قصيدة الأطلال فى الوصلة الثانية.   


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع