المشاهير ورمضان.. عبلة الكحلاوى.. بنت مدّاح الرسول تحتفظ فى دولابها ببدلة عسكرية وتقضى رمضان بين مرضى الزهايمر.. تركت فيلتها وانتقلت للسكن بجوار جمعيتها الخيرية وتتمنى أن تلقى الله فى شهر الصيام

المشاهير ورمضان.. عبلة الكحلاوى.. بنت مدّاح الرسول تحتفظ فى دولابها ببدلة عسكرية وتقضى رمضان بين مرضى الزهايمر.. تركت فيلتها وانتقلت للسكن بجوار جمعيتها الخيرية وتتمنى أن تلقى الله فى شهر الصيام
المشاهير ورمضان.. عبلة الكحلاوى.. بنت مدّاح الرسول تحتفظ فى دولابها ببدلة عسكرية وتقضى رمضان بين مرضى الزهايمر.. تركت فيلتها وانتقلت للسكن بجوار جمعيتها الخيرية وتتمنى أن تلقى الله فى شهر الصيام

زينب عبداللاه

تدخل ومعها بعض الهدايا والحلوى، لهؤلاء الذين فقدوا كل ما يملكون، الصحة والمال وحنان الأهل، ورغم أنهم فقدوا حتى الذاكرة، فإنهم يعرفون هذا الوجه الذى تحنو صاحبته عليهم، وتحاول تعويضهم شيئًا مما فقدوه، فيجتمعون حولها كأطفال تتجاوز أعمارهم السبعين، يحتضنونها ويتحدثون معها، ويحصلون منها على جرعات حنان ضنّ عليهم بها أقرب الأقربين.

 

هكذا تقضى الداعية الإسلامية، الدكتورة عبلة الكحلاوى، جزءًا من وقتها فى رمضان بين المسنين والمسنات المصابين بالزهايمر، الذين تخلى عنهم أقرب الناس، بعدما وصلوا إلى أرذل العمر، وأصبحوا لا يعلمون من بعد علم شيئًا، فلم يجدوا لهم مأوى سوى جمعية «الباقيات الصالحات» التى أقامتها الدكتورة «عبلة»، بنت مداح الرسول، الفنان محمد الكحلاوى.

 

اختارت الدكتورة «عبلة» مهمة خيرية من أصعب المهام، نظرًا لصعوبة الحالة التى يكون عليها مرضى الزهايمر المسنين، ومقدار الجهد الذى يبذله من يقوم بخدمتهم، فضلًا عن مشاعر الاكتئاب التى تصيب المتعاملين معهم، لأنهم يودعون الحياة، ويمرون بفترات صعبة قبل الوفاة.

 

ولكن بنت مداح الرسول أبدًا لم يصبها الاكتئاب مهما كانت الأحزان، تحتفظ بابتسامتهاوسكينتها الدائمة، وتتذكر ما مرّ بها من تجارب ورسائل ربانية، حين شاهدت والدها الشيخ محمد الكحلاوى الذى كان مطربًا وممثلًا، وفقد صوته فجأة، وبعد فترة من المحنة رأى رؤية سمع فيها هاتفًا يناديه: «سيعود صوتك، فلا تغنِّ إلا للرسول»، واستيقظ الأب ليجد صوته قد عاد، ويعيش ما تبقى من حياته مداحًا للرسول، ورافضًا أن يغنى لغيره، حتى أنه رفض الغناء أمام الرئيس عبدالناصر رغم حبه له، وفاء بعهده مع الله.

 

ربّى مداح الرسول أبناءه السبعة، ومنهم ابنته الكبرى «عبلة»، على القرآن، وعزلهم تمامًا عن الأضواء، ورغم ذلك اعتادت ابنته على المشاركة الاجتماعية والسياسية منذ صغرها، فشاركت فى الاتحادات الطلابية، وكانت قائدة فى منظمة الشباب بكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر، فى فترة شهدت مصر فيها زخمًا فى العمل الشعبى والتنموى، بل كانت تقود  المظاهرات، واعتلت صورتها وهى تهتف فى عيد العمال، مرفوعة على أعناق زميلاتها فى المدرسة الثانوية، غلاف مجلة «آخر ساعة».

 

كانت الطالبة عبلة الكحلاوى زميلة وصديقة لابنتى الرئيس جمال عبدالناصر «هدى» و«منى» فى المدرسة، وكان الرئيس عضوًا بمجلس الآباء، وشاهدته فى حفل عيد ميلاد ابنته «منى»، وتؤكد باستمرار أن بنات الرئيس لم يكن يتمتعن بأى امتيازات أو استثناءات بالمدرسة، وتتذكر كلمات زميلتها منى عبدالناصر، حين كانت ترى زميلتها، ابنة الكحلاوى، ترتدى ملابس جديدة اشتراها لها والدها، فتقول لها بنت الرئيس: «يابختك باباكى هوه اللى بيشترى لك اللبس، أنا بابا ماعندهوش وقت يعمل كده».

 

اعتادت عبلة الكحلاوى منذ هذه الفترة على العمل الاجتماعى والتنموى، وعلى حمل هموم الوطن، لا يحزنها شىء إلا حين تراه مهددًا بالفتنة والإرهاب.

تحتفظ ابنة مداح الرسول فى دولابها ببدلة عسكرية تفتح عينيها يوميًا عليها، لتعطرها وتنظر إليها، وكأنها ترى وجه زوجها الشهيد اللواء المهندس محمد ياسين بسيونى، أحد أبطال أكتوبر، الذى كان ضمن خمسة مهندسين سافروا إلى ألمانيا لإحضار المواسير اللازمة لتفجير خط بارليف بشكل سرى، وأسهم فى تدميره وتحقيق النصر العظيم.

 

تقول عنه إنه كان هدية الله إليها، وكان عصاميًا خلوقًا حنونًا، عاشت معه أسعد أيام حياتها، وأنجبت منه بناتها الثلاث «مروة» و«رودينا» و«هايدى»، وأنه ساعدها على استكمال دراستها والحصول على الماجستير والدكتوراة، وتذكر أنه عندما توفى قال لها وزير الدفاع وهو يعزيها: «مات أكثر الضباط أخلاقًا وأدبًا».

 

كانت صدمة وفاة زوجها بعد مرضه مروعة، ولم تستطع تجاوزها إلا عندما قررت الاتجاه للعمل الخيرى،  بإنشاء جمعية «الباقيات الصالحات» التى تضم دار «أمى» لرعاية المسنات المصابات بالزهايمر، ودار «أبى» لرعاية المسنين، ودار «ضنايا» للأطفال المصابين بالسرطان، الذين يأتون مع أسرهم من الأقاليم لتلقى العلاج بالقاهرة، ولا يكون لهم مكان بالقاهرة يقيمون فيه خلال فترة العلاج، إضافة إلى مسجد ومستشفى جار إنشاؤهما.

 

تقول: «أشعر أن زوجى لم يفارقنى، وأراه معى دائمًا وأنا أباشر العمل فى الجمعية التى أصبحت كأنها أحد أبنائى، فهى حلمى، وزادى للآخرة، وعملى الذى لن ينقطع فى الدنيا».

 

انتقلت الدكتورة «عبلة» من فيلتها بالمقطم للإقامة إلى جوار مقر جمعية «الباقيات الصالحات»، حتى تستطيع متابعتها بشكل مستمر.

 

وتقيم الداعية الشهيرة مائدة إفطار يومية للفقراء فى رمضان تراها فرضًا على من يستطيع، فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وجزءًا من التكافل الاجتماعى الذى أمر الله به. 

 

تشارك فى تجهيز مئات اليتيمات، ويصل خيرها إلى المناطق الفقيرة والنائية فى القرى والصعيد، سواء مواد غذائية أو وصلات المياه.

 

ولا تنسى عبلة الكحلاوى «لمة» العائلة فى رمضان، فتجمع أسرتها وأخواتها وبناتها وأحفادها للإفطار، كما تواصل تسجيل برامجها التى تتحدث فيها عن قضايا المجتمع والمرأة، وتمنح فيها جرعات الأمل والتفاؤل للمحبطين واليائسين. 

وتردد دعوتها الدائمة، حيث تتمنى الداعية الإسلامية أن تلقى الله فى شهر رمضان.

 

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع