قطر رأس الفتنة فى سوريا.. قدمت السلاح لـ"النصرة" عبر منظمات الإغاثة الحكومية.. ضغطت على الكتائب الموالية لها لصالح "حزب الله" و"الحرس الثورى الإيرانى".. ودعمت كتائب المعارضة المتناحرة فى معاركهم ضد بعضهم البعض

قطر رأس الفتنة فى سوريا.. قدمت السلاح لـ"النصرة" عبر منظمات الإغاثة الحكومية.. ضغطت على الكتائب الموالية لها لصالح "حزب الله" و"الحرس الثورى الإيرانى".. ودعمت كتائب المعارضة المتناحرة فى معاركهم ضد بعضهم البعض
قطر رأس الفتنة فى سوريا.. قدمت السلاح لـ"النصرة" عبر منظمات الإغاثة الحكومية.. ضغطت على الكتائب الموالية لها لصالح "حزب الله" و"الحرس الثورى الإيرانى".. ودعمت كتائب المعارضة المتناحرة فى معاركهم ضد بعضهم البعض

كتب محمود حسن

الموقف القطرى فى الداخل السورى هو واحد من أغرب المواقف الذى يمكن أن تتخذها دولة فى العالم، ففى حين يردد الجميع الحديث عن الدور القطرى المعروف فى دعم "جبهة النصرة" الإرهابية خلال الصراع السورى، إلا أن واحدا من الأمور المسكوت عنها، هو الدعم القطرى للحرس الثورى الإيرانى، وحزب الله، وهى الأطراف التى تقاتل أيضا فى الداخل السورى ولكن على الجانب الآخر من "جبهة النصرة" والجماعات الإرهابية الأخرى.

 

فتصريحات الأمير تميم الأخيرة حول أهمية دور إيران لاستقرار المنطقة، والثقل الإيرانى، والإشادة بدور "حزب الله"، لا تدل على الإطلاق على تشوش أفكار الأمير أو تناقضاته، لكنها أتت لتعبر فى النهاية عن واقع حادث على الأرض، لا يتناوله الكثيرون، حول علاقات الإيرانية القطرية، وتحديدا "العلاقات العسكرية" بين البلدين.

 

العلاقات "القطرية- الإيرانية" العسكرية لم تبدأ من تصريحات تميم، بل إنها بدأت حتى قبل 25 عاما، حين لوحت قطر بالاستعانة بالحرس الثورى الإيرانى، فى الخلاف الحدودى الذى اندلع بينها وبين السعودية، عام 1992 فيما عرف بحادثة "الخفوس"، وحينها بعث الأمير القطرى الأسبق حمد بن خليفة، رسالة شكر إلى الرئيس الإيرانى هاشمى رافسنجانى، على دوره فى دعم بلاده فى وجه السعودية خلال هذا الخلاف.

 

وتطور الأمر من التلويح بالتدخل العسكرى، ليصبح واقعا رسميا، حين تم توقيع اتفاقية تعاون أمنى بين قطر و"الحرس الثورى الإيرانى"، فى  23 ديسمبر 2010 أثناء زيارة أمير قطر السابق إلى طهران،  ولقائه بالمرشد الإيرانى على خامنئى، أعقبها تبادل الزيارات بين الحرس الثورى الإيرانى، والجيش القطرى لعدد من القواعد البحرية بين البلدين.

 

وفى أكتوبر 2015 التقى قائد حرس الحدود الإيراني قاسم رضائى بمدير أمن السواحل والحدود فى قطر علي أحمد سيف البديد، حيث وقعا اتفاقية تعاون لـ"حماية الحدود المشتركة" بين البلدين، وشمل الاتفاق الأمنى العسكرى "إجراء تدريبات عسكرية مشتركة، وتوقيع اتفاقية أمنية تحت مسمى "مكافحة الإرهاب والتصدى للعناصر المخلة بالأمن فى المنطقة".

 

يبدو الأمر جنونيا حين تنظر له من هذه الزاوية، ففى الوقت الذى يعرف فيه تعاون عسكرى بين الحرس الثورى الإيرانى، والذى يشارك بعشرات الآلاف من قواته فى دعم الرئيس السورى بشار الأسد، بل ويظهر من حين لآخر قائده "قاسم سليمانى" فى الداخل السورى، يقود المعارك بنفسه فى حلب، رافعا شعارات طائفية محضة لتحفيز جنوده، فإن الدور القطرى ليس خفيا على أحد ولا تنفيه قطر نفسها، فى إمداد جبهة النصرة فى سوريا بالسلاح طيلة عامان منذ تحول الثورة السورية إلى حرب أهلية أواخر 2011 وحتى 2013، ذلك السلاح الذى أضحى فى النهاية سلاح تنظيم "داعش" والتى ولدت عبر انشقاق كبير داخل "جبهة النصرة"، حين تحول أغلب أفرادها من مبايعة "أبو محمد الجولانى" أمير تنظيم النصرة الإرهابى، إلى مبايعة "أبو بكر البغدادى" زعيم التنظيم الأكثر جنونا ودموية فى العالم.

 

الأموال القطرية لم تتوقف يوما عند "جبهة النصرة" بل إنها امتدت لتشمل عدد من التنظيمات الأخرى فى الداخل القطرى، مثل "لواء التوحيد"، والذى وصله الدعم من قطر عبر بعض الشخصيات الإخوانية فى المجلس الوطنى السورى المعارض مثل أحمد رمضان، والذى يحمل أيديولوجية جهادية.

 

التناقض لا يتوقف عند مجرد الدعم والاتفاقيات والتعاون المشترك، بل أحيانا يصل إلى درجة التدخل المباشر واللعب على كل الأطراف، ففى حين كان السلاح القطرى، هو الممول الأساسى للواء التوحيد كما أسلفنا، فإن العلاقات المتميزة والتاريخية مع حزب الله كانت حاضرة أيضا.

 

فلواء التوحيد كان القوة الرئيسية التى قاتلت حزب الله اللبنانى فى معركة "القصير" أول المعارك الرسمية للحزب فى الداخل السورى، وخلال المعارك حين أسر "لواء التوحيد" عدد من جنود حزب الله، فتدخلت قطر للوساطة على الفور، وهددت "لواء التوحيد" بوقف الدعم عنه، إذا لم يفرج عن عناصر حزب الله الأسيرة عنده، ورضخ "اللواء" على الفور وقام بالإفراج عن أسرى حزب الله، فى ذروة المعركة، وهو ما كان أحد أهم الأسباب التى قلبت كفة المعارك فى القصير وأدت إلى فوز حزب الله بالمعركة.

 

يبدو الأمر جنونيا بطريقة مرعبة، هذا ليس مجرد انحياز لطرف ضد آخر، وليس حتى مجرد دعم لـ "الإرهاب"، بل هو تعمد واضح وصريح، للعب على كل الأطراف، وإذكاء الصراع، وتحويل "الثورة السورية" إلى حرب أهلية مشتركة، وليس سوى بحث عن دور فى المنطقة يمحى سنوات من التقزم.

 

الدعم القطرى اللامحدود لجميع المتحاربين فى الداخل السورى، يمكنك أن تجده لدى كافة الكتائب المسلحة، والقائمة لا تنتهى، فهى تدعم بشكل أساسى أحرار الشام، والتى تلقت دعما من قطر عبر صندوق الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وهى منظمة مجتمع مدنى مرتبطة بالحكومة التركية، وجمعية قطر الخيرية، وهى منظمة مرتبطة بالحكومة القطرية.

 

ويمكنك أيضا أن تجد الدعم القطرى، لدى كتائب نور الدين زنكى، والتى أعلنت مؤخرا تحالفها مع تنظيم القاعدة، والتى يصلها عن طريق هيئة حماية المدنيين القطرية – لاحظ اسم الهيئة وسخرية القدر – ولم يقف الأمر عند هذه النقطة فقط، بل وصل أيضا حد تمويل الاقتتال بين الجماعات المسلحة وبعضها البعض، فقد مولت قطر حركة "حزم" والتى تعتبر بمثابة الجناح العسكرى للإخوان المسلمين فى الداخل السورى، وسهلت لها امتلاك صواريخ "التاو" الأمريكية المتطورة المضادة للدبابات، والمحمولة على الاكتاف، لكنها فى الوقت نفسه كانت تدعم "جبهة النصرة" التى أخذت على عاتقها القضاء على حركة حزم، بل واستئصالها تماما من على وجه الأرض، وهو ما حدث بالفعل بنهاية المعارك بين الفصيلين بسلاح "قطرى – قطرى"

 

الوقائع المذكورة هنا، ليست مجرد وقائع من "الخيال الخصب" بل هى وقائع يدركها كل المتابعين للشأن السورى، والشأن الإيرانى على السواء، إنه إذكاء لحرب مستعرة تأكل الأخضر واليابس كل يوم، كان حصادها حتى الآن هو مقتل 465 ألف شخص، على أقل تقدير، وتشرد نصف سكان البلاد، بحسب المرصد السورى لحقوق الإنسان، بل وتحويل سوريا، إلى نقطة خطر مرعبة ومدرسة لتصدير الرعب للعالم كله.

 

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع