أخبار عاجلة

الدكتورة عالية المهدى تكتب: صناعة الصلب بين الواقع والمأمول.. مصر تملك إمكانات تؤهلها لريادة صناعة الصلب فى الشرق الأوسط وأفريقيا.. قرارات الرئيس السيسى دعمت الصناعات الوطنية الثقيلة خاصة الأسمنت والحديد

الإصلاح رفع معدل النمو وخفض البطالة

الحكومة اتخذت مجموعة إجراءات لحماية الاقتصاد من الممارسات الضارة بفرض رسوم وقائية على واردات البيليت وحديد التسليح

 

- الاستثمارات العملاقة فى مجالى الكهرباء والغاز الطبيعى سوف تستغل تدريجياً مع تحقيق معدلات نمو مستمرة وسريعة فى السنوات المقبلة

 

- الإجراءات الحاسمة التى اتخذتها الدولة ساهمت فى الحد من تداعيات الأزمة العالمية وحماية ثمار الإصلاح.. والاستغلال الكامل للطاقة الإنتاجية يمكن أن يضاعف الإنتاج الصناعى

 

 

شهد العالم منذ منتصف عام 2018 حربا تجارية حمائية تزعمتها الولايات المتحدة الأمريكية وأدت إلى انكماش حركة التجارة ونمو الاقتصاد العالمى، بما أثر سلبا على كل دول العالم خلال عامى 2018 و2019.

 

ولم يكد عام 2019 ينتهى حتى ظهرت جائحة كورونا. وبدأت قرارات إغلاق المنشآت بكافة أنواعها تنتشر على مستوى العالم لمنع تفشى الوباء. وأغلقت حدود الدول، المطارات، حركة الطيران، المولات، المحالات التجارية، وكثير من الأنشطة الإنتاجية والخدمية المتنوعة.

 

 

وبدأ العالم يشهد معدلات نمو سالبة بالناتج الإجمالى العالمى قدرتها المؤسسات المالية الكبرى بأنها سوف تتراوح ما بين «-5%» وحتى «-15%»، وقد أدت هذه التطورات إلى انهيار واضح فى أسعار المنتجات بصفة عامة، وأسعار المواد الخام، الطاقة، والمنتجات الصناعية بصفة خاصة. وارتفعت معدلات البطالة لمستويات غير مسبوقة تضاهى مستويات البطالة إبان ازمة الكساد الكبير 1929.

 

1
 

 

 وتزايدت خسائر الشركات بمختلف أحجامها الصغيرة والمتوسطة والعملاقة.

 

أما فى مصر فقد كانت المؤشرات الأداء الاقتصادية حتى عام 2019 تؤكد نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى. فقد ساعدت الإصلاحات الاقتصادية على رفع معدل النمو إلى نحو 5.6% عام 2018/2019. تراجع معدل البطالة إلى ما دون 8% عام 2019. انخفاض معدل التضخم إلى 4.6% خلال الربع الأخير من عام 2019، وانخفاض عجز الموازنة إلى 8.1% فى 2018/2019.

 

 

المؤشرات الاقتصادية كانت مبشرة حتى منتصف عام 2019، ولكن فى ظل تراجع النشاط الاقتصادى العالمى كان من الطبيعى أن يتأثر الاقتصاد المصرى. فمصر تعتمد اعتمادا مباشرا على مصادر النقد الأجنبى الواردة لها من الخارج مثل تحويلات العاملين المصريين، الصادرات، السياحة، الاستثمار الأجنبى المباشر، وعوائد قناة السويس. كما تعتمد مصر بشكل كبير على السوق العالمية فى استيراد مدخلات الإنتاج والسلع الوسيطة والرأسمالية وكثير من الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية.

 

وقد كانت القيادة السياسية فى مصر حكيمة ولجأت للتحرك الحازم والحاسم بتطبيق حزمة من الإجراءات الاحترازية، للحد من تداعيات الأزمة وحماية ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادى. 

 

فقد وجه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكومة باتخاذ عدة تدابير وإجراءات وتقديم دعم للمتضررين من الأفراد ورجال الصناعة والمشروعات الاقتصادية:

فقد تم تخفيض أسعار الطاقة للصناعة، حيث انخفض سعر توريد الغاز الطبيعى للصناعة من 5.5 دولار أمريكى لكل مليون وحدة حرارية بريطانية إلى 4.5 دولار أمريكى.

 

 كما تم تخفيض أسعار الكهرباء بقيمة 10 قروش للكيلو وات ساعة فى مارس 2020، فضلاُ عن تثبيت أسعار الكهرباء للصناعة لمدة خمس سنوات.

كما قدم البنك المركزى المصرى بناء على توجيهات سيادة الرئيس مجموعة من الإجراءات لدعم الاقتصاد المصرى ومنها:

 

تخفيض أسعار الفائدة على الإقراض من 16.8% فى إبريل 2019 إلى 11.8% فى إبريل 2020. 

 

تأجيل سداد مدفوعات أقساط القروض للشركات الصناعية لمدة ستة أشهر دون أى غرامات.

 

 تقديم فوائد مخفضة تحفيزية للشركات الصناعية.

 

 

توجت هذه الإجراءات الاحترازية بصدور توجيه السيد رئيس الجمهورية الذى أكد فيه على ضرورة:

 

«توفير المناخ الداعم لقطاع الصناعات الوطنية الثقيلة، وفى مقدمتها صناعتا الأسمنت والحديد والصلب، وذلك لدورهما المهم فى النهوض بالاقتصاد القومى باعتبارهما من المكونات الأساسية التى تدخل فى عمليات التنمية التى تتم بمختلف القطاعات فى جميع أنحاء الجمهورية».

 

 

 

رئاسة الجمهورية، يونيو2020

 

وفقاً لهذه التوجيهات، طالب سيادته بتوفير المناخ الداعم لقطاع الصناعات الوطنية الثقيلة وفى مقدمتها صناعتى الأسمنت والحديد والصلب. وتم التأكيد على أهمية اتخاذ الخطوات التنفيذية وآليات التحرك المناسبة للتعامل مع التحديات التى تواجه هذه الصناعات، وذلك إيمانا من سيادته بأهمية الصناعات الثقيلة، خاصة صناعة الحديد والصلب والدور التنموى الذى تقدماه للاقتصاد المصرى.

 

 ويأتى هذا المقال ليركز على صناعة الحديد والصلب باعتبارها واحدة من أكبر الصناعات المصرية وركيزة أساسية لعدد من الصناعات الكبرى الأخرى.

إن مصر تملك العديد من الإمكانات التى تؤهلها لأن تصبح رائدة صناعة الصلب فى الشرق الأوسط وأفريقيا:

2
 

 

فقد بلغت الطاقات الإنتاجية الحالية لصناعة الحديد والصلب المصرية نحو 15.6 مليون طن عام 2019، وهو ما يمثل نحو 36% من الطاقات الإنتاجية المتاحة بقارة أفريقيا. 

 

كما تصدرت الطاقات الإنتاجية لصناعة الحديد والصلب المصرية الصناعة العربية، حيث استحوذت على نحو 26% من إجمالى الطاقات الإنتاجية لصناعة الحديد والصلب العربية عام 2018.

 

يعمل بصناعة الحديد والصلب عمالة مباشرة تقدر بنحو 31 ألف عامل «منها 27500 عامل بالصناعة المتكاملة وشبه المتكاملة و3500 عامل فى صناعة الدرفلة»، هذا بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العمالة غير المباشرة التى تعمل بالعديد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية التى تشكل روابط الدفع الأمامية والخلفية لصناعة الحديد والصلب مثل النقل، التشييد والبناء، السيارات، الأجهزة المنزلية.. إلخ.

 

تملك مصر موقعا جغرافيا فريدا يطل على بحريان هما البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وبها واحد من أهم الممرات المائية فى العالم وهو قناة السويس. كما يوجد فى مصر عدد من الموانئ الكبيرة ذات الأرصفة العميقة التى تؤهلها لاستقبال سفن ذات أحمال كبيرة.

 

تملك مصر ظهيرا صحراويا من الأراضى الصالحة لتوطن الصناعة ونموها وتوسعها بصورة كبيرة تتفوق بها على كافة دول الخليج، تركيا وجنوب افريقيا.

وعلى الرغم من المقومات العديدة المذكورة والتى تفتح المجال أمام تفوق صناعة الحديد والصلب المصرية، وبالرغم من كبر حجم الطاقة الإنتاجية المصرية للصناعة، فإنها تواجه تحديات متعددة تجعلها غير قادرة على استغلال أكثر من 50% من طاقتها.

 

السؤال الذى يطرح نفسه هو: ما هى طبيعة التحديات التى تواجه صناعة الحديد والصلب المصرية والحلول المقترحة لمواجهتها؟ 

 فيما يلى أهم التحديات التى تواجه صناعة الحديد والصلب المصرية وأهم المقترحات للتغلب عليها:

 

 

أولاً: فى مجال الطاقة.. الحديث فى هذا المجال يركز على محورين أساسيين وهما... الغاز والكهرباء

 

بدايةً، يجب أن نقر بأن العاملين فى صناعة الحديد والصلب المصرية يقدرون الاستثمارات الكبيرة التى تمت خلال السنوات القليلة الماضية فى مجال الطاقة الكهربائية وأدت إلى إنشاء العديد من محطات الكهرباء التى غطت احتياجات مصر الحالية وتفيض لسنوات قادمة، كما أنهم يثمنون التوسعات الكبيرة فى التنقيب عن الغاز الطبيعى التى ساهمت فى وجود فوائض كبيرة سمحت بتغطية كل الاحتياجات المحلية والاستغناء عن الاستيراد والقيام بالتصدير.

 

لا شك أن هذين الأمرين يعتبران من أفضل الإنجازات التى حدثت فى مصر خلال العقد الماضى. فكل من فائض الكهرباء والغاز يمكن أن يمثل عنصر لجذب الاستثمارات المحلية والعالمية لسنوات طويلة قادمة.

 

ولكن بالرغم من هذه الإضافات القيمة والاكتشافات المتلاحقة فإن الأعباء الضخمة الموضوعة على كاهل صناعة الحديد والصلب المصرية نتيجة لارتفاع أسعار توريد الكهرباء والغاز الطبيعى للمصانع لا يمكن إغفالها، حيث يصعب معها أن تتمكن أى صناعة، مهما كانت قوية، من فتح أسواق جديدة لها أو حتى الحفاظ على أسواقها المحلية. 

 

إن الاستثمارات العملاقة فى مجالى الكهرباء والغاز الطبيعى مازالت غير مستغلة بصورة كاملة حالياً، ولكنها بالتأكيد سوف تستغل تدريجياً مع تحقيق معدلات نمو مستمرة وسريعة فى السنوات القادمة. 

 

لذا، فإن تحميل كل تكلفة هذه الاستثمارات على عاتق الصناعة القائمة فقط امر يفوق قدرتها المالية، لأن هذه الاستثمارات سوف تعطى آثارها الاقتصادية تدريجياً وعلى مدى زمنى ممتد.

 

لذلك، فإن صناعة الحديد والصلب الوطنية تأمل أن تأخذ الدولة الأسعار العالمية للطاقة بعين الاعتبار، وتعيد النظر فى اسعار توريد الكهرباء والغاز الطبيعى لمصانع الحديد والصلب وغيرها من الصناعات الكبرى بما يمكنها من التنافس فى السوق المحلية والعالمية، فليس المطلوب هو دعم أسعار الطاقة للصناعة المحلية، ولكن المطلوب هو معاملتها وفقا للأسعار العالمية.

 

 

محور الكهرباء

 

تاريخياً كانت أسعار الكهرباء فى مصر أقل من مثيلتها فى أوروبا، وهو ما كان يعطى ميزة نسبية للصناعة الوطنية. أما حالياً، وفى ظل كل الانهيارات المتلاحقة فى أسعار الطاقة «غاز- فحم - بترول» أصبحت أسعار الكهرباء فى مصر ضعف مثيلتها فى الاتحاد الأوروبى والدول المجاورة، مما يحمل الصناعة المصرية أعباء إضافية ترفع من تكلفتها الإنتاجية، وتقلل من تنافسيتها بشدة فى عالم يعانى من الركود وتنخفض فيه الأسعار بشدة.

ففى حين يصل سعر الكيلو وات ساعة من الكهرباء - على شبكة الجهد الفائق- المورد للمشروعات الكبيرة والصناعات الثقيلة كصناعة الحديد والصلب فى مصر إلى 103 قرش «أى ما يعادل 5.7 سنت/يورو»، فإن سعر الكهرباء للصناعات الكبيرة فى دول الاتحاد الأوروبى لا يزيد عن 2.5 سنت/يورو «أى ما يعادل 43 قرشا» للكيلو وات ساعة، هذا يعنى أن سعر توريد الكهرباء فى مصر للصناعة الثقيلة يعتبر أعلى من ضعف سعر الكهرباء فى الاتحاد الأوروبى، وهو ما يؤكد أن الصناعة فى مصر تُحمل بأعباء إضافية كبيرة يصعب فى ظلها الاستمرار فى الإنتاج والمنافسة بالتصدير.

 

 

محور الغاز

 

نفس الشىء يمكن أن يقال عن الغاز الطبيعى الذى يُعد مُدخَل إنتاج لا بديل عنه فى صناعة الحديد والصلب المصرية، فأسعار توريد الغاز الطبيعى لصناعة الصلب فى مصر تعتبر مرتفعة جداً بالمقارنة بالأسعار الاقليمية والعالمية.

 

فاذا كان سعر توريد الغاز الطبيعى «للمليون وحدة حرارية بريطانية» للصناعات الكبرى فى أوروبا لا يتجاوز 1.4 دولار أمريكى، وفى الولايات المتحدة الأمريكية 1.84 دولار أمريكى «مايو 2020»، فبالتأكيد يصعب قبول أن يتم توريده لصناعة الصلب الوطنية بـ4.5 دولار أمريكى.

الغاز الطبيعى سلعة متداولة عالمياً وأسعارها معروفة للجميع، ولا يمكن لأى صناعة أن تكون لديها قدرة تنافسية ما لم تكن تحصل عليه بأسعار على قدم المساواة مع الأسعار العالمية.

 

فعدم مجاراة الأسعار المحلية للأسعار العالمية للغاز الطبيعى أمر لا تقوى على تحمله صناعة الحديد والصلب المصرية، ولا أى صناعة أخرى. وهو أمر سيؤدى حتماً إلى تراجع إنتاجها وقد ينتهى بها المطاف للتوقف التام. فهذا السعر كفيل بتدمير صناعة الحديد والصلب العريقة مهما كانت متقدمة تكنولوجياً.

 

إن الدول الكبرى تنتهج سياسة تقديم الطاقة بأسعار تنافسية لصناعاتها الثقيلة مثل الحديد والصلب والأسمنت والأسمدة والألومنيوم وغيرها، لأنها تُدرك أن الصناعة القوية والناجحة هى القادرة على النهوض بالاقتصادات باعتبارها قاطرة نمو هامة وسبب أساسى فى فتح أسواق جديدة وتوفير عملات حرة والحد من عجز الميزان التجارى من خلال زيادة حجم الصادرات، وخفض الواردات.

 

إن الدول المتقدمة لم تترك صناعاتها الكبرى تتعثر إبان الأزمة المالية الطاحنة فى عام 2008 ولا حالياً أثناء أزمة تفشى وباء كورونا، ولكنها وقفت بجانبها، وذللت ما يعترضها من تحديات وأزمات حتى تستطيع أن تنافس داخل وخارج أوطانها.

 

كل ذلك على أساس أن البقاء للأقوى والاكثر قدرة على التنافس. 

 

هكذا فعلت الصين، وتفعل الولايات المتحدة الأمريكية وتتحرك دول الاتحاد الأوروبى وغيرها.

 

 

فأى صناعة ناجحة فى أى دولة لابد وأن تكون قادرة على منافسة أكبر صناعة مثيلة لها فى العالم، لذلك تأمل المصانع العاملة فى صناعة الحديد والصلب الوطنية:

 

 أولأ: أن يتم تخفيض سعر الكهرباء للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى ما لا يزيد عن 3 سنت/ يورو للكيلو وات ساعة.

 

ثانياً: أن يتم تخفيض سعر الغاز إلى ما لا يزيد 2.5 دولار أمريكى للمليون وحدة حرارية بريطانية.

 

ثانياً: رسوم المرور بقناة السويس.. كانت دعوة الحكومات المتتالية منذ تسعينات القرن السابق لإعادة توطين الأنشطة الصناعية وتوجيهها نحو مناطق جديدة سببا فى نشأة ثلاث من أكبر مصانع مصرية للصلب بمنطقة شمال غرب خليج السويس، تحقيقاً للاستراتيجية العامة للدولة. هذه المصانع مجتمعة تمثل أهم طاقات إنتاجية فى مصر وأفريقيا والدول العربية.

 

 ولكن التوطن فى هذه المنطقة كان له آثار سلبية على هيكل تكاليف الإنتاج لهذه المصانع، لأنها تتحمل رسوم كبيرة لمرور السفن المحملة باحتياجاتها، إما من المواد الخام أو الصادرات أوحتى الفارغة بقناة السويس، أدت هذه الرسوم المرتفعة إلى ارتفاع تكلفة إنتاج طن الصلب بنحو 9-12 دولار أمريكى على سعر الخام المستورد، وارتفاع تكلفة طن صادرات الصلب بنحو15-18 دولار أمريكى.

 

هذا الأمر وضع المصانع الثلاث فى موقف غير تنافسى سواء مقارنة بالمشروعات القائمة بمناطق أخرى فى مصر مثل الإسكندرية، دمياط، بورسعيد، والسادات.. إلخ، أو على المستوى الإقليمى مع دول مثل تركيا، الإمارات، السعودية، قطر، والجزائر وهى الدول المنافسة لمصر فى إنتاج الصلب وتصديره.

 

 رسوم المرور بقناة السويس المرتفعة نسبياً اضطرت مصانع الصلب فى هذه المنطقة، إما إلى إيقاف التشغيل لفترات طويلة أو التشغيل بمعدلات أقل كثيراً مما تسمح به طاقتها الإنتاجية.

 

لذلك تطالب المصانع بإلغاء هذا التمييز السلبى، وتصحيح الوضع الخاطئ تاريخيا، وذلك بإعفاء السفن الموردة للمواد الخام من ناحية والناقلة لصادراتها من ناحية أخرى من رسوم المرور فى قناة السويس فى الاتجاهين، حتى تصبح تكلفة نقل المواد الخام والخردة والصادرات على قدم المساواة مع المصانع المثيلة المتواجدة فى كل ربوع مصر، وكذلك المصانع المنافسة بإقليم الشرق الأوسط. علما بأن قيمة هذه الرسوم لا تشكل نسبة تذكر من إجمالى عوائد الدولة من رسوم المرور بقناة السويس.

 

ثالثاً: الحماية التجارية للصناعة.. قامت الحكومة مشكورة خلال الأشهر الماضية باتخاذ مجموعة من الإجراءات لحماية الاقتصاد القومى من الممارسات الضارة بالتجارة الدولية، من خلال اصدار قرار وزير التجارة والصناعة رقم 907 لسنة 2019 بفرض رسوم وقائية على واردات مصر من البيليت وحديد التسليح بواقع 16% و25% على التوالى، وهذه الرسوم غير دائمة بطبيعتها، حيث تنتهى فى إبريل2022.

 

وقد جاء هذا القرار لمواجهة الزيادة الكبيرة فى طوفان الواردات من هذه المنتجات التى الحقت ضرراً بالغاُ بالصناعة الوطنية. وجاء تدفق الواردات نتيجة لتراكم فوائض الإنتاج بالدول المنتجة الكبرى من ناحية، وغياب أى حماية جمركية على حديد التسليح والبيليت فى مصر من ناحية أخرى، فالرسوم الجمركية المفروضة على كل منهما تساوى صفر%، مما أدى إلى ارتفاع واردات البيليت _على سبيل المثال_ فى سنة واحدة من 917 ألف طن عام 2017 إلى حوالى 1.6 مليون طن عام 2018 بنسبة زيادة 74%. هذه الزيادة الكبيرة جعلت مصر خامس أكبر مستورد للبليت فى العالم، فى الوقت الذى تسمح فيه طاقاتنا الإنتاجية بتغطية كل احتياجات السوق المحلية.

 

وكان هذا القرار متسقا مع تحركات كافة الدول المنتجة للصلب والتى لم تكتفى بفرض شكل من أشكال المعالجات التجارية فقط «مكافحة إغرق، مكافحة دعم، وإجراءات وقائية» المسموح بها، فى إطار قواعد منظمة التجارة العالمية، بل قامت بعض الدول الكبرى بتجاوز قواعد المنظمة واتخاذ إجراءات حماية بفرض رسوم وصلت لـ25% على كافة منتجات الحديد والصلب، كما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبى وكندا.

وعلى صعيد آخر، قامت العديد من الدول الكبرى المنتجة للصلب بمضاعفة رسومها الجمركية الثابتة، فعلى سبيل المثال، قامت تركيا خلال شهرى إبريل ومايو2020 برفع الرسوم الجمركية على حديد التسليح إلى «35%»، البيليت «13.9%»، مسطحات الصلب المدرفلة على الساخن «23.3%» وعلى مسطحات الصلب المدرفلة على البارد «19.4%».

 

كما أعلنت المملكة العربية السعودية «فى 27 مايو 2020» زيادة التعريفة الجمركية على واردات منتجات الصلب بدأ من 10/6/2020 بأكثر من 150% من قيمتها السابقة. 

 

وقام الاتحاد الأوروبى بوضع آلية ربع سنوية لتعديل حصص واردات الحديد والصلب وفرض رسوم وقائية على هذه الواردات من دول محدده Country specific quotas. واعتبر هذه الألية ضرورية لمواجهة ما أطلق عليه «حالة الأزمة» Crisis Mode. كما طالب اتحاد الصلب الأوروبى Eurofer فى يونية 2020 بخفض كبير لحصص الاستيراد «بدون تعريفة» المخصصة لكل دولة. 

 

ومما سبق، يتضح أن غياب الحماية الجمركية على واردات مصر من البيليت وحديد التسليح وضعف التعريفة الجمركية المفروضة على مسطحات الصلب «5%» يعرض الصناعة الوطنية لمخاطر خسارة أسواقها المحلية لصالح المنتجات الأجنبية، لذلك هناك ضرورة ملحة لفرض رسوم جمركية ثابتة 20% على كل من البيليت ومسطحات الصلب و25% على حديد التسليح لحماية الصناعة الوطنية، وذلك فى إطار ما يسمح به سقف التعريفة الجمركية لمصر فى اتفاقها مع منظمة التجارة العالمية.

 

رابعاً: نحو مزيد من أسعار الفائدة التنافسية.. تحمل النشاط الاقتصادى بوجه عام وصناعة الصلب كجزء منه أعباء أسعار فائدة مرتفعة ولفترة طويلة، حيث بلغت 16.8% فى أبريل 2019. ولكن بناء على توجيهات سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى قام البنك المركزى بإصدار قرارات متعاقبة بخفض أسعار الفائدة لتصل إلى 11.8% على الإقراض لمدة عام فى إبريل 2020. ونحن إذ نثمن توجيه السيد رئيس الجمهورية ونقدره كل التقدير، إلا أننا ما زلنا نأمل أن يتم الأخذ فى الاعتبار المستوى العالمى لأسعار الفائدة.

 

فأسعار الفائدة العالمية اتخذت اتجاهاً نزولياً وبشدة حتى وصلت فى بعض الدول لمستوى صفر وأحياناً لمستويات سالبة، وكان الهدف من هذا الانخفاض تحفيز الأنشطة الصناعية والاقتصادية على الاستمرار فى ظل أزمة عاتية تعصف بالاقتصاد العالمى، والحديث حالياً الذى يسيطر على الأوساط الاقتصادية العالمية هو الحديث عن أسعار الفائدة الصفرية، والسالبة، والنقود الرخيصة لم يعد أحد يتحدث عن أسعار فائدة تزيد عن 4-5%، لذلك نأمل أن تشهد الفترة القادمة انخفاضات جديدة تدريجية فى أسعار الفائدة لتصبح بالتدريج 8% ثم 5% حتى نقترب من الأسعار العالمية.

 

وأخيراً

بالرغم من التحرك السريع مؤخراً وتوجيهات السيد الرئيس للاهتمام بالصناعات الثقيلة، إلا أن بيئة الأعمال الحالية فى مصر مازالت تعتبر بيئة خانقة للنمو الطبيعى لصناعة كبرى مثل الحديد والصلب. 

 

فبالنظر إلى استهلاك حديد التسليح فى مصر ما بين عامى 2009 و2019 يتضح تراجعه من 8.6 مليون طن إلى 7.4 مليون طن بنسبة «-13%»؛

 كما تراجع استهلاك الصلب المسطح ما بين عامى 2009و2019 من نحو 890 ألف طن إلى 850 ألف طن بنسبة «-4%».

 

أما إذا نظرنا للدول المنافسة لمصر فى مجال إنتاج حديد التسليح فسوف نجد أن استهلاكه ما بين عامى 2009 و2019 قد ارتفع مثلاً فى أوكرانيا بنسبة 120%، وفى الصين بنسبة 86%.

 

كما ارتفع استهلاك الصلب المسطح فى نفس الفترة فى أوكرانيا بنسبة 41%، وفى الصين بنسبة 65% وفى السعودية بنسبة 49%.

 

لو لم يكن هناك اختناق فى سوق الصلب المحلى، وكان استهلاك الصلب ينمو بمعدل متوسط 5% سنويا ما بين عامى 2009 و2019، لكان استهلاك حديد التسليح فى مصر قد ارتفع الى 14.7 مليون طن، واستهلاك الصلب المسطح قد وصل إلى نحو 1.5 مليون طن فى عام 2019. 

 

 

وقد يتساءل البعض عن أسباب اختناق السوق وتراجع حجم الاستهلاك من حديد التسليح والصلب المسطح فى مصر. هناك سببان أساسيان: 

 أولأ، فيما يخص حديد التسليح: يرجع انخفاض استهلاك حديد التسليح لعدم وجود سياسة ثابتة توفر لكل المصريين الراغبين والقادرين أراضى بناء مرفقة ومنظمة تسمح بإقامة مساكن عليها. بل على العكس، أصبحت عملية البناء صعبة لعدم توافر أراضٍ صالحة بأسعار معقولة وتتفق مع رغبة وقدرة المواطنين من مختلف شرائح الدخل.

 

وعلى الرغم من أن الدولة مشكورة قد قامت بإنشاء العديد من المدن الجديدة والوحدات السكنية سواء للإسكان الاجتماعى أو المتوسط، إلا أن الدولة لن تستطيع منفردة تلبية كل احتياجات الإسكان فى مصر، خاصة مع نمو سكانى يزيد عن 2.5% سنويا.

 

لذلك يجب أن تقوم الدولة بإعداد مخططات ديناميكية يتم بمقتضاها توسعة الأحوزة العمرانية والكردونات فى كافة أنحاء الجمهورية بصورة منتظمة ولتكن كل خمس سنوات، تستوعب الحد الأدنى المطلوب من الأراضى التى يمكن البناء عليها لمواجهة النمو السكانى. 

 

من المعلوم، من واقع البيانات المتاحة عن نمط التوطن السكانى بالبلاد على مدى العقود الأربعة الماضية، فإن معظم الزيادة السكانية تقيم فى الوادى والدلتا، ونسبة بسيطة من هذه الزيادة تخرج للمدن الجديدة والمناطق الصحراوية، وهذا النمط من التركز السكانى يستدعى توسعة الأحوزة العمرانية والكردونات سنويا بمساحة تتراوح ما بين 14-16 ألف فدان ذلك، بحسب أحدث دراسات التخطيط العمرانى، ولكن هذه التوسعة يجب أن يتوازى معها عملية استصلاح سنوية مستمرة لأراضى صحراوية جديدة لا تقل بأى حال من الأحوال عن ضعف المساحة المستقطعة لحساب الأحوزة الجديدة.

 

ثانياً، فيما يخص صناعة الصلب المسطح: فهى صناعة بطبيعتها مغذية لصناعات أخرى مثل السيارات والأجهزة المنزلية والمواسير.. إلخ، لذلك فإنها تعتمد فى نموها على نمو هذه الصناعات التى ترتبط بها ارتباطاً وثيقاً. وللحديث بقية فى هذا الموضوع.

 

وفى النهاية، فإننا نرجو أن يحظى خطابنا هذا ومقترحاتنا باهتمام وعناية السيد رئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء المعنيين، حتى تتمكن صناعة الصلب الوطنية من أن تستعيد مكانتها المستحقة بجدارة فى مصر وفى الأسواق العالمية.

 

p
 

 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع